Al-Watan (Qatar)

تسوية الترسيم.. أكبر من «هدنة»

- جورج شاهين كاتب لبناني الجمهورية اللبنانية

على الأطراف المعنية بالتسوية الاعتراف أنها تركت مجموعة من الألغام التي يمكن أن تنفجر

لا يمكن لأيّ مرجع دبلوماسي وسياسي، إن اطلع على مضمون الوثائق التي جرى توقيعها وتبادلها، أن يقتنع بأنها ليست نوعاً من الاعتراف اللبناني غير المسبوق بـ«الكيان الإسرائيلي» وصولاً إلى اعتبار ما سيجري انه أكبر من «هدنة» وأصغر من عملية «علاقات». فليس من السهل تجاهل المعادلة القائمة باعتراف لبنان بدولة إسرائيل بحراً وبقائها كياناً غاصباً في البر. وعليه، ما الذي يقود إلى هذه المعادلة؟ وأيا كان الوضع فما حدث لحظة تاريخية في حياة لبنان والمنطقة، وتشكل شبه «انقلاب» في طريقة التعاطي بين لبنان واسرائيل سواء بقي محصورا بطريقة إدارة الثروة النفطية والغازية المتوافرة في المناطق الاقتصادية المتقابلة للدولتين في المستقبل بمعزل عن أي تطور يمكن ان يحصل لاحقاً عند أي إشكال يمكن أن تشهده المنطقة المحيطة بـ«خط الطفافات» وتحديداً على جانبيها امتداداً إلى النقطة الفاصلة بين المياه الاقليمية للدولتين، وبداية احتساب حدود المنطقة الاقتصادية لكل منهما، كما بالنسبة إلى ما يتصل بالجزء الجنوبي من «حقل قانا» المفترض متى بدأت عملية اقتسام الثروة في شأن الجزء الجنوبي منه الذي احتفظ لبنان بعمقه وترك السيادة الاسرائيلي­ة على سطحه. ومردّ هذه المعادلة الجديدة التي لا سابق لها في العلاقة بين دولتين صديقتين أو عدوتين على حد سواء - باعتراف دبلوماسيين عرب وغربيين وأميركيين خصوصاً ـ في ضوء القراءة النهائية التي أرجأها الموفد الاميركي إلى مفاوضات الترسيم الذي لمّح اكثر من مرة إلى انه لم تُعقَد أي «تسوية» أو «تفاهم» بين دولتين جارتين كالتي أنجزت بين الجانبين اللبناني والاسرائيل­ي بطريقة فريدة لا سابق لها وهي تقترب من أن تكون صيغة «عجائبية» تمّ تركيبها كما «البازل». وعليه، وباعتراف المراقبين الدوليين وخصوصا المطلعين على قوانين البحار وآليات ترسيم الحدود بين المناطق الاقتصادية المماثلة، فقد أنجز هوكشتاين تفاهماً ليس من السهولة الوصول إلى توصيفه بطريقة دقيقة وواضحة لا يمكن أن تقود إلى الجدل في شكله ومضمونه، عدا عن توقيته الذي حظي بإجماع لا نقاش فيه وهو الذي تم التوصّل إليه في لحظة تاريخية قد لا تتجدّد مرة أخرى في العقود المقبلة كما كانت مفقودة من قبل. ولذلك سمح لكل طرف من اطراف التسوية المنجزة ان يفسّره على طريقته، فبعد أن وزّع الموفد الاميركي «الهدايا» على مختلف الأطراف المستفيدين مباشرة منه كما إلى تلك التي ساهمت في إنجازه بشكل من الأشكال تمهيداً للافادة منه في وقت قريب كما فعل الفرنسيون والقطريون الذين يستعدون لدخول المنطقة اللبنانية التي تم ترسيمها استكشافاً وتسويقاً في وقت لاحق من خلال التركيبة الجديد للكونسورتي­وم الذي ستنضَم قطر اليه إلى جانب الفريقين الفرنسي والايطالي بدلاً من الجانبين الروسي القديم واللبناني الذي استحوذ على حصته قبل فترة قصيرة. والى هذه المعطيات التي قاد اليها التفاهم الأخير، لا بد من قراءة النتائج المتوقعة على سير العلاقات بين لبنان والعدو الاسرائيلي في المرحلة المقبلة وتحديداً عند أي إشكال يمكن أن يحصل في منطقة قريبة من «خط الطفافات» الذي بقي «منظراً» ناتجاً من «أمر واقع» مرفوض من الجانب اللبناني، فأيّاً كان العمق الذي يحتسب بالنسبة إلى هذا الخط، فإنّ «الصيغة النهائية» الملزمة للطرفين اللبناني والاسرائيل­ي التي حملها الموفد الاميركي إلى «اللقاءات غير المباشرة» في الناقورة ستقود إلى اعتماد آلية جديدة تطبّق ابتداء من اليوم عند حصول أي اشكال يثير الخلاف على جانبي الحدود البحرية امتداداً من أي نقطة برية على الحدود بينهما وامتداداً إلى عمق يمتدّ إلى حيث تتلاقى الحدود في أي نقطة متّفق عليها بين المنطقتين الخالصة لكلا الدولتين، مُضافة إلى مساحة الجزء الجنوبي من «حقل قانا» المفترض الذي بات التحَكّم به وفقاً لمعادلة جديدة غير معمول بها في أي اتفاق سابق وضعت فيه شركة «توتال اينيرجي» طرفاً ثالثاً مقرراً ومعبراً إجبارياً إلى أي تفاهم تُجريه مع الجانب الإسرائيلي من دون أن يكون لبنان معنيّاً به لا ماديا ولا لوجستيا، بعدما تنازل عن حقه بتلك المنطقة وتجاهَل التفاهم أي اشارة إلى حقل كاريش وما كان يشكّله من خرق للمنطقة الاقتصادية اللبنانية المتنازَل عنها في الخط 23 . والى مجمل الملاحظات هذه، فإنّ على الأطراف المعنية بالتسوية الاعتراف مُسبقاً انها تركت مجموعة من الألغام التي يمكن ان تنفجر في أي لحظة وفي المحطات المقبلة. فأيّ خلاف يمكن أن تتسبّب به القراءة اللبنانية المختلفة عن الاسرائيلي­ة والأميركية وربما الدولية لما تمّ التوصل اليه، سيبقى «خط الطفافات» واحدة من مزارع «شبعا البحرية» إن شاء «حزب الله» تحريك الملف للاحتفاظ بسلاحه في المنطقة الجنوبية. فالضوابط التي تحول دون مثل هذا المشهد غير موجودة عدا عن تلك التي يمكن أن تَنشأ حول «حقل قانا» في ظل فقدان أي مرجعية قضائية خاصة كانت أو عامة ودولية للبت بأيّ خلاف كـ«محكمة البحار» مثلاً، وهي التي تتجاهلها إسرائيل وهي النظرية التي أدّت إلى قبول الطرفين بالوسيط الأميركي «حكماً» و «وسيطاً نزيهاً » إلى أبد الآبدين. وبناءً على كل ما تقدم لا يمكن تجاهل النظرية التي استندت إلى هذه المكونات الديبلوماس­ية والسياسية والتقنية والإقتصادي­ة البحتة التي بُنيت عليها التسوية التي تم التوصل اليها بين محطتي «هدنة بحرية لبنانية ـ اسرائيلية» جديدة تحكم المنطقة البحرية من دون غيرها بمعزل عن بقاء إسرائيل في التفسير اللبناني للتفاهم «كياناً محتلاً وغاصباً لفلسطين البرية .»

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar