Al-Watan (Qatar)

لماذا نشجع أفريقيا في كأس العالم؟

- مهنا الحبيل باحث عربي مستقل رئيس المركز الكندي لالستشارات الفكرية

من طبيعة المونديال أن تحضر أسماء الدول وشعوبها مع تشجيع اللعبة الجميلة

ليس التشجيع المقصود هنا هو االصطفاف في المدرج الرياضي، فبالطبع كل منتخب يمثل وطنه، أو يمثل الوطن العربي له حقه في التشجيع، في مونديال قطر 2022، ولكن التشجيع المقصود هنا له حكاية أخرى، اذكر أن د. عبد الرحمن السميط رحمه الله، كان يتحدث بغضب وألم، بأن حجم ما ُينفق لمشاريع دعوية، أو شراكة ثقافية مع الغرب، أو اتفاقيات سياسية، يكفي جزء منه لتنفيذ مشروع افريقي عربي، للمسلمين وغيرهم، تتعزز فيه قوة القارة السمراء وتحالفها المخلص مع الدول العربية، وبالذات استثمار األرض بأيدي أبنائها، لتقدمها الزراعي والتعليمي . وهي رحلة عميقة في وجدان عالم الجنوب، وُيروى أن تواطؤ باريس في تصفية المناضل المغربي اليساري المهدي بن بركة، كان بعد تحركه لصناعة تحالف عربي افريقي، يقوم على فكرة الثورة الحقوقية العالمية، والتخلص من هيمنة فرنسا، التي استبدلت االحتالل العسكري بنفوذ الهيمنة، ومن يتجرأ على التمرد على ناديها تبادر بحصاره، وهي منظومة تستطيع إبصارها في مسيرة القارة األفريقية، وحتى بعض المنابر الرسمية التي تلعن باريس في العلن، قد تكون متواطئة المصالح في السر. في العموم هذه المسألة الشعورية عميقة في الذات العربية، وحتى غيرها من شعوب المسلمين، فهيمنة أوروبا القديمة والجديدة أي أميركا، له سطوة حضور قوي، ويحكم سياسات دول وثقافات شعوب، بعضها مبرر لقوة التنظيم التعليمي والثقافي واإلعالمي في الغرب، فضًال عن منبره السياسي، وبعضها ضحية الهزيمة النفسية، التي لم تحاول خرق النظام العالمي الجديد، وصناعة فرص تحالف تنموي للعرب وأفريقيا السمراء، رغم اتحادنا الحدودي، وأن اإلسالم يمثل هوية قومية لشعوب عديدة في افريقيا، أو دينا محترما ألتباع القبائل الوثنية العريقة في افريقيا. وهذا ال يعني رفض المشترك اإلنساني مع الغرب، وال جسور التعامل والحوار، فضًال احتياجات الجاليات المسلمة الضرورية، لكنه يبقي السؤال مفتوحًا كم أعطينا لجسورنا مع أفريقيا بالمقابل؟ إن العهد األفريقي الجديد تصعد فيه قوة تمرد فكري وسياسي حديثة، وهو يقوم على ثنائية رفض االستبداد المطلق، والفرنكوفو­نية الكولونيال­ية بكل مساراتها، وهذا الحلم األفريقي لو تحقق فهو يمثل دعامة جيوسياسية غير مسبوقة للوطن العربي، نالحظ هنا أن موسكو وبكين قد بادروا لها مبكرًا، ولكن العرب تخلفوا رغم عالقتهم العميقة والحديثة، فطموح األفارقة التي يبرز فيها تجارب على األرض في روندا وغيرها، يشترك معهم فيه الحلم العربي القديم، دولة ذات سيادة فعلية وعدالة اجتماعية

واستقرار سياسي، تحيطه بالنسبة للمسلمين الهوية اإلسالمية وقيمها. هذه الهوية المشتركة تتعرض لتيارين شرسين لتحطيمها في افريقيا: األول: نجاح باريس ذات اإلرث التاريخي األسوأ في اضطهاد األشقاء األفارقة، في خلق فريق ثقافي أفريقي، تطوع بصرف جرائمها، لتحويل إرثه على المسلمين ال كأشخاص وطغاة أو فاسدين، ولكن للتحريض ضد الرسالة اإلسالمية ذاتها، ولم ُيقدم لنا هذا الفريق أي دليل مقنع، عن لماذا فتحت القبائل الوثنية األفريقية أذرعتها لصوت اإلسالم األول والعرب الراشدون، وماذا كان مآل هذه القبائل مع الغزو الفرنسي؟ الثاني: هو أنك َتعَجب في أفريقيا من انتشار التيار الجامي أو السلفية المتشددة، التي أضعفت مسار الفكر اإلسالمي، وأثخنت في الجسد الجنوبي، الذي تقتطع منه ايران أيضًا جزًءا، ال لمصالح األمة اإلسالمية الواحدة، ولكن لصناعة جزر مذهبية، تتسابق فيها مع الغرب النتزاع وحدة الفكرة من شعوب افريقيا . وهذا ال يعني تأطير كل إنسان أو مثقف في مذهب فكري أو ديني ملزم، لكنه إشارة إلى أثر هذه المشاريع الضخمة في دفع الدواليب لعرقلة عجلة أفريقيا التي تسعى للتقدم والتنمية، ولسان بعض أبناؤها عربي مبين، ودوي القرآن في مسابقاتها ال يهدأ. إنه من المؤسف أن بعض اتباع المدارس التقليدية الصوفية أيضا، اهتموا بالطقوس بدًال من العودة إلى الفقه الرشيد لألمة، وبالتالي فإن تشجيع أفريقيا اليوم يجب أن يتصدر االهتمامات، بدعم وحدة أوطانهم ومشاريع التنمية والكفاح الحقوقي والنهضوي، والخروج من هذه المعارك التي تضعف وحدتهم. ومن طبيعة كأس العالم أن تحضر أسماء الدول وشعوبها، مع تشجيع اللعبة الجميلة وصناع الملعب األخضر المميزون، وهي فرصة للتواصل مع الجماهير ومع األطقم الرياضية ونقل ذلك عبر اإلعالم الخاص والعام، لتعزيز روابطنا الكبيرة، مع األمم األفريقية، وخاصة النجوم من حملة القيم والمبادئ األخالقية .

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar