Al-Watan (Qatar)

الممارسات الصحفية في البيئة اإلعالمية الجديدة

- خولة مرتضوي إعالمية وباحثة أكاديمية جامعة قطر

إن كا ّفة األعراف والدسا ِتير والقوا ِنين الدولية أشارت، باإلجماع، على حق حرية الرأي والتعبير وذلك على اعتبا ِر ِه من الحقوق الوا ِجبة على الدولة للمجتمع، وقد تم و ِضع عد ٍد كبي ٍر من الضوا ِبط على هذا الحق المشروع بهدف ِحماية الحقوق األخرى التي قد تتناحر وتتنازع مع هذا الحّق، وهو أمر مم ِكن ِجدا عندما يتجاوز النشاط االتصا ِلي الجماهيري حدوده ويخرج عن ِقيم المجتمع العا ّمة، حيث ت ّم تص ِنف الحقوق الخا ّصة التي قد تتنازع مع الحق العام في الرأي والتعبير، وما ينع ِطف علي ِه ِمن حق الجما ِهير في المعرفة؛ باعتبار أنها حقوق خا ّصة لكل ِمن األفراد والمجتمع والدولة . اليوم، تعتبر مسألة األخالق التطبيقية من المسا ِئل التي يتزايد االهتمام وال ِنقاش وال ِعناية بها، خا ّصة لدى معشر الباحثين الذين طالبوا وما زالوا يطالبون بأخلقة كا ّفة ميا ِدين الحياة االجتماعية، و ِمن ِضمنها تخليق ميدان الصحافة ووسا ِئل اإلعالم . ويذكر أن محاوالت التنظيم المهني واألخال ِقي والقانو ِني لمهنة الصحافة بمفهو ِمها العريض الشا ِمل ( المطبوع وال ّمذاع واإللكترون­ي - الرسمي والخا ّص ) هي محاوالت مترا ِكمة وممت ّدة، حيث تعود جذو ِرها األولى إلى عص ِر التنوير األوروبي ( المس ّمى كذلك بع ِصر العقل ) ، وتحديدا من نهاية القرن السا ِبع عشر . ومع مرور الوقت أصبحت الممارسات المهنية الصحفية تن ّظم تنظيما ذاتيا في المجتمعات والبلدان الجا ّدة، وعليه، فإن الجهود الرامية لتحقي ِق تنظي ٍم ممنه ٍج للممارسات المهنية واألخالقية والقانونية الصحفية تعددت بشك ٍل كبير، وذلك ما بين جهود مؤ ّسسية وفردية وغير رسمية، حيث عملت هذه الجهات المختلفة بشكل منف ِصل أحيانا ومت ِصل في أحيا ٍن أخرى إلرساء أسس الممارسة المهنية الصحفية واالتفاق على عد ٍد من المبادئ والمواثيق األخالقية المنظمة لها . فالصحفيون كغير ِهم من المه ِنيين، الب ّد أن يكون لدي ِهم أسس ومبا ِدئ مهنية أخالقية تسا ِعدهم على إصدار األحكام الصحيحة في كثي ٍر من السلوكيات والممارسات والموا ِقف التي ستؤثر على حياة الجما ِهير، فممارساتهم وقرارتهم الب ّد وأن تكون مب ّررة قانونيا وأخالقيا على حد السواء . ويم ِكن القول أن األخالقيات المهنية ه ِذه ال تفرض بالقانون، إنما يتم اال ّتفاق على ميثا ٍق، له صفة اإللزام المعنوية المجتمعية، ليب ِين المبادئ وال ِقيم والمعايير وقوا ِعد السلوك والممارسة الصحفية الصحيحة، فك ّل صحف ٍي، ابتداء ِم ّمن يعمل في قسم المحليات وصوال بمن يدير المو ِقع الصحفي ومن ّصات التواصل االجتما ِعي للصحيفة انتهاء بمجلس إدارتها، ي ِجب أن يتو ّفر لدي ِه ِحس شخ ِصي متنام بالمسؤولية واألخالق الصحفية لتغدو له بمثابة بوصلة أخالقية و ِقي ِمية يستر ِشد ويسلك ويلت ِزم بها . ف ِعند ِغياب ه ِذ ِه المعايير واألخالقيا­ت الصحفية المهنية ستخسر وسا ِئل اإلعالم مصداقيتها ونزاهتها ولن تفوز بحب ومتابعة الجماهير . إن وا ِقع اإلعالم الجديد جعل من أمر االلتزام باألخالقيا­ت التطبيقية - األخالقيات المهنية اإلعالمية الصحفية؛ أمرا في غاية التعقيد، فالصحفيون ما زالوا هم أنفسهم، لكن الوسيلة أضاف إليها تقنيات وتكنولوجيا­ت جديدة، ما أ ّدى إلى إحداث ثور ٍة كبرى في بالط اإلعالم والصحافة، فهذا البالط ارت ِبط ِب ِه منذ بديات طلوع المهنة بوظيفة حراسة البوابة اإلعالمية Gatekeeper والتي تع ِني السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة االتصال، بحيث يص ِبح لحارس البوابة سلطة ا ّتخاذ القرار فيما سيمر من خالل بوابته، وكيف سيمر حتى ي ِصل في النهاية إلى الجمهور المستهدف، فحراسة البوابة اليوم ال يقوم بها الصحفيون فقط، بل يقوم بها ك ّل المواطنون الذين يستخدمون ويق ِيدون ويستفيدون من تكنولوجيات اإلعالم الجديد . وعليه فإن البيئة اإلعالمية الجديدة هذه شكلت لحالة من الفوضى، فالصحفيون المهنيون يقدمون الصحافة مع سيل آخر غير موثوق وغير معلوم من المواطنين الصحفيين المغردين والمدونين، األمر الذي جعل األخالقيات الصحفية على المح ّك، كما أن المستجدات المتسارعة على الساحات المحلية والدولية في ِظل طوفان المعلومات وتزايد مصا ِدر اإلعالم الرسمية والشخصية؛ جعلت الصحفي يتسرع أحيانا في نشر ماد ِت ِه أو قص ِت ِه الخبرية على ِحساب التأكد والتث ّبت واالطمئنان على ِصح ِتها وموضو ِعي ِتها، وهو ما يس ّمى بـ ظاهرة ( الح ّمى اإلعالمية .) إن جزءا ال يستهان ِب ِه من أخالقيات اإلعالم والصحافة يحدده، بطبيعة الحال، التشريع والقانون، ولكنه ال يتد ّخل نهائيا في ترتيب األخبار والمواد الصحفية أو يف ِرض على الصحفي ما ي ِجب تص ِديره في الصفحة األولى أو تأخ ِيره في الصفحات األخيرة، أو تقديم خبر على ِحساب خبر آخر، أو حتى صياغة ماّدة صحفية من زاوية نظر معينة وخاّصة، وعليه فإن القانون ال يضيف إضافات جديدة إلى جا ِنب األخالقيات التطبيقية المعنوية للمهنة لكنه يأطرها بشك ٍل إلزا ِمي مادي بحت، فاألخالقيا­ت المهنية إنما تثمن القيم السامية الكبرى ( المصداقية، االستقاللي­ة، التنظيم والسلوك والممارسة الصحفية األنموذجية .) يقول الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه ( سيكولوجيا الجماهير :) « إن سن القوانين باستمرا ٍر ودون تو ّق ٍف، وكذلك سن التش ِريعات المق ِيدة التي تغلف أصغر عمل من أعمال الحياة ِب ِعبارا ٍت بيزنطية مع ّقدة؛ يؤدي في ِنهاية المطاف إلى التق ِليص التد ِري ِجي للدا ِئرة التي يم ِكن للموا ِطنين أن يتح ّركوا دا ِخلها بحرية، فالشعوب تقع ضحية ذ ِلك الوهم القا ِئل بأنه ك ّلما ِزدنا ِمن عدد القوانين؛ فإن المساواة والحرية تص ِبحان مضمونتين بشك ٍل أفضل، وهكذا تقبل ك ّل يوم بفر ِض إكراها ٍت قسرية جديدة .» وعليه فإنه مهما عظمت التشريعات والقوانين الرادعة، فإن الممارسات الصحفية عليها أن تقاد أوال بالضما ِئر والموا ِثيق األخالقية الصحفية التي تعلو قيمة وأثرا على التشريع والقانون .

khawlamort­azawi@gmail.com

 ?? ?? سعد المهندي
سعد المهندي
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar