Al-Watan (Qatar)

حمد حسن التميمي

-

المواجهة المهمة

يقضي معظم الناس حياتهم وهم يتحدون الظروف الخارجية وكل من يحاول إعاقتهم عن التقدم صوب النجاح الذي يطمحون إليه، في الوقت الذي يتجاهلون فيه التحدي األكبر الذي إن خرجوا منه منتصرين، فسيفوزون في أي معركة خارجية؛ أال وهو مواجهة الذات . إن من أهم أسباب اإلخفاق هو الهروب من مواجهة النفس، كون ذلك يتطلب درجة عالية من المصداقية والشفافية . هل سمعت يوم ًا أن شخص ًا على استعداد ألن تضعه في قفص بين األسود على أن يقف دقيقة واحدة على خشبة مسرح أمام مئات من الناس ليلقي كلمة؟! كذلك الحال بالنسبة لمواجهة الذات، حيث إن أغلبنا يفضلون فعل أي شيء على أن يقفوا أمام المرآة ليروا ذواتهم بتجرد تام. نميل بطبيعتنا البشرية إلى التكاسل واالسترخاء، ونشعر بضيق شديد من أي فعل أو تصرف يخالف هوانا ورغباتنا، ونكره بذل الجهد ونبحث عن الحلول السهلة البسيطة، حتى لو كانت تعاكس مصلحتنا، ونركض خلف المتع اآلنية على حساب أشياء كثيرة تحتاج صبرًا وكفاح ًا طويل المدى لكنها أعظم وأعلى قيمة . لهذا فليس من المستغرب أن يجد المرء صعوبة في مواجهة ذاته، بينما من السهولة بمكان أن يلقي باللوم على الناس والظروف وغير ذلك من أسباب واهية. ولعل هذا ما دعا الفيلسوف اليوناني « سقراط » إلى اإلدالء بمقولته الشهيرة « اعرف نفسك » ، التي حث من خاللها كل إنسان على معرفة ذاته بعمق والتعرف إلى أخطائه ونقائصه، حيث اعتبر مواجهة الذات أساس النجاح والحياة السعيدة، بل أساس الحكمة والفكر النير . فإذا أردنا غدًا أجمل وحياة مليئة بالحب والنجاح، فال بد أن نواجه ذواتنا قبل أن نسعى لمواجهة العالم الخارجي. ولتحقيق ذلك نحن بحاجة إلى االعتراف بأخطائنا ورؤية أنفسنا على حقيقتها بمنأى عن الحجج والمبررات الزائفة، وأن نملك هدفا في هذه الحياة كما قال الشاعر روبرت برنز : « الهدف من الحياة، أن تحيا لهدف .» وهنا يكمن الفرق الجوهري بين الناجح والفاشل. الناجح هو إنسان صاحب رسالة وهدف استطاع أن ينتصر على ذاته، فأخضع أهواءه لسلطان العقل، ولجم رغباته وتحكم فيها، ووجه مشاعره وأفكاره فيما يخدم مصالحه. في حين أن الفاشل يعيش بال غاية أو هدف ويخفق المرة تلو األخرى في معركة المواجهة مع الذات، بعد أن سلم مصيره إلى أهواء النفس، وترك أفكاره ومشاعره تنساب بحرية دون رقيب أو حسيب، فأغرق نفسه في القاع، وشرع يطلب النجدة، بينما مفاتيح النجاة بيده وحده، لكنه ألقاها في قعر بحر عميق . ال شك أن كل واحد فينا يدرك بالدليل القاطع من وحي حياته الشخصية، أنه عندما يسمح لألفكار السوداوية والمشاعر المثبطة بالتسلل إليه يفقد قدرته على مجابهة الحياة ذاتها، وأن االنصياع الدائم ألهواء النفس هو تذكرة عبور سريعة إلى مدينة الفشل . لكن الكثيرين منا يعيشون واقع ًا يخالف أحالمهم بد ًال من مجابهة الذات . وفوق ذلك كله، فإن العالم الخارجي ما هو إال انعكاس لما يكمن داخلك. إذا كنت تشعر بالسعادة والسالم الروحي فسترى الحياة جميلة رغم كل ما فيها من جوانب سلبية معتمة . وإذا كنت مليئ ًا بالكراهية والكآبة فسترى الدنيا مسرح ًا تراجيد ّيا رغم كل ما فيها من جوانب إيجابية مشرقة .

@hamadaltam­imiii

Instagram:

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar