Al-Watan (Qatar)

مواجهة المشروع الصهيوني

- عدنان صباح محام فلسطيني مقيم في لندن العربي الجديد

تتفاوت اآلراء عن توجهات قطاع من الشعب الفلسطيني في الداخل لمقاطعة انتخابات الكنيست، المرتقبة اليوم، مقابل المشاركة الكاملة.. وهنا يمكن اإلشارة إلى أّن هناك شبهًا كبيرا بين وضع الجمهوريين في أيرلندا الشمالية ووضع الفلسطينيي­ن في إسرائيل، سواء لناحية االنتماءات السياسية أو الدينية. كال الشعبين يعتبران السلطة الرسمية قوة احتالل غاشم تحكم بقوة األجهزة األمنية والعسكر وتعاملهم، أي الشعب األصلي، على أساس أنهم أعداء. الشعبان يريان، ولو حتى في الفضاء الخاص، أنه ليس هناك فارق كبير في سبب الوجود والممارسة واألهداف بين المؤسسة (والسلطة) الرسمية البريطانية في أيرلندا الشمالية ونظيرتها اإلسرائيلي­ة في فلسطين. كلتاهما تعمالن على تثبيت حكمهما وتسلطهما على شعب محتل بهدف إخضاعه وتذويبه في هوية المحتل. الحالة الفلسطينية أسوأ بكثير من الحالة األيرلندية، حيث يواجه الفلسطينيو­ن، الشعب األصلي، نظامًا احالليًا عنصريًا كولونياليًا مبنيًا على مبادئ األبرتهايد السافر. ومع أن الشعبين تعامال، كل بطريقته، مع السلطة الرسمية، إّال أّنهما استفادا، في الحالتين، من مساحة قانونية متوفرة للمشاركة في االنتخابات المحلية والبرلماني­ة، مع تباين في مدى استغالل تلك المساحة الديمقراطي­ة عند الشعبين وكيفيته، فبينما كان هناك انخراط شبه كامل في المؤسسة اإلسرائيلي­ة من الممثلين الفلسطينيي­ن في الكنيست تحت وهم الممارسة الديمقراطي­ة والحصانة البرلمانية لتحسين حقوق مواطنيهم وتحصيلها، لم ينخدع الجمهوريون األيرلنديو­ن، وظل الحزب الجمهوري األيرلندي (الشين فين) المعروف بمقاومته الحكم البريطاني في أيرلندا الشمالية، يطالب بانضمام اإلقليم إلى جمهورية أيرلندا. ومع أنه (الشين فين) يمارس نشاطه السياسي في أيرلندا الشمالية منذ تأسيسه عام ،1905 فإّنه يدفع مرّشحين في انتخابات البرلمان البريطاني بصفتهم الفردية، وليس ممثلين عن حزب أو إطار سياسي يرشح ممثلين عنه في االنتخابات البرلمانية. أضف إلى ذلك أن الفائزين من مرشحيه للبرلمان ال يشاركون في جلسات البرلمان مناقشاته في لندن. قد يبدو األمر لبعض المراقبين غريبًا أو عبثيًا. ما الفائدة من دخول االنتخابات البرلمانية إذا كانوا ال يريدون أن يجلسوا في البرلمان ويمارسوا دورهم في تمثيل مصالح الذين انتخبوهم؟ وبالنظر إلى تجربة «الشين فين»، يبدو أن هناك ضرورة للمشاركة في االنتخابات واالنتظام

في مؤسسات تمثل الشعب أمام السلطة. توفر حالة التشرذم السياسي لألحزاب الصهيونية ودورات االنتخابات المتقاربة فرصة لألحزاب العربية الستغالل ثقلها لتحقيق مطالبها وتلبية تطلعات جمهورها. وهكذا الدائرة، كلما تحسنت ظروف الشعب، زادت ثقته باالنتخابا­ت وممثليهم، ما يزيد نسبة المشاركة، ما يؤدي إلى زيادة األعضاء المنتخبين، والذي يؤدي إلى تقوية موقفهم أمام السلطة وتحصيل مزيد من الحقوق. يعود القرار بالمشاركة في الكنيست أو عدمه، ونجاعة هذا وذاك، لألحزاب نفسها، فيما مقياسه برنامجها االنتخابي. من المهم جدا أن تكون األحزاب على مستوى من الوعي والمسؤولية، بحيث تبقى مخلصة لبرنامجها الذي انتخبها الناس على أساسه. مخطٌئ من يظن أن الجماهير تنسى. حين ينتخب الناس يوقعون على ميثاق مع ممثليهم الذين انتخبوهم، أنهم سينفذون وعودهم بعد انتخابهم. وهناك أحزاب عربية ال تمتلك سمعة جيدة في هذا الجانب، وتنسى وعودها وتنكث بها بعد االنتخابات. أقول االنتخابات فقط، ألنه محسوم أن هذه األحزاب ال تصل إلى السلطة، وحين حصلت على ما يمكن وصفه ثقال برلمانيا لتؤثر في تشكيل الحكومة دخلت في دوامة الصفقات بين الكتل البرلمانية الصهيونية بدون مرجعية، وال انتباه إلى أن ذلك السلوك ضار جدا بسمعة تلك األحزاب وثقة منتخبيها بها، وستعاقب عليها في الجولة المقبلة. زد على ذلك أن ذلك الثقل البرلماني لم يؤت ُأُكله بتحصيل حقوق الناخب الفلسطيني أو الدفاع عنها بنجاح. لم يكن في ذهن الناخبين الفلسطينيي­ن أن بعض ممثليهم الذين انتخبوا، وألول مرة، في قائمة مشتركة، وعلى برنامج وطني بامتياز سوف يوصون بأن يشكل الحكومة الجنرال غانتس، وهو مجرم حرب. ُيحسن «التجّمع الوطني» في أنه ينأى بنفسه عن تلك الخطيئة، ويكفيه أن توصية أولئك لم يؤخذ بها، ولم يحصل أصحابها منها على ما كانوا يأملون، وبقي عليهم أن يرمموا ما بقي لهم من قيمة عند شعبهم. الرد الحقيقي من الشعب الفلسطيني صاحب األرض ال يكون بمقاطعة انتخابات الكنيست، لعدم الجدوى واليأس، وإنما المساهمة الفاعلة في االنتخابات، وتثبيت حقه الطبيعي في انتخاب من يمثله، وانتخاب أكثر عدد ممكن من ممثليه الذين يحملون همومه ويدافعون عن حقوقه أمام مؤسسات الدولة العنصرية وأمام المجتمع الدولي. والمواجهة مع نظام األبرتهايد مسيرة شاقة وطويلة النفس. دائما تبدأ بالوعيين، الفردي والجمعي، بالذات، وعناصر القوة المتوفرة، وأولها صوت المواطن واالستعداد للتضحية. عودا على بدء، كما نجح السود في أميركا وجنوب أفريقيا بالقضاء على العبودية والغاء قوانين التمييز العنصري، نجح األيرلنديو­ن بصبرهم وتضحياتهم وبثباتهم على موقفهم في الوصول إلى أهدافهم بتثبيت وحدة وطنهم، وتحصيل وتحصين حقوقهم قانونًيا وباتفاق ذي قيمة دولية. وحين تفاوضت بريطانيا مع االتحاد األوروبي على اتفاقية الخروج منه، لم تستطع وضع حدود جغرافية بين جنوب أيرلندا وشمالها، بسبب اتفاقية الجمعة المباركة. الشعب الفلسطيني يبقى واحدا، ويجب أن يكون موّحدًا في مواجهة المشروع الصهيوني. كّل مكان له وسائله، وانتخابات الكنيست هي إحدى تلك الوسائل. لديه في الداخل الفرصة اآلن، ويجب أخذها بقوة اإلرادة.

الرد الحقيقي من الفلسطينيي­ن أصحاب األرض ال يكون بمقاطعة انتخابات الكنيست

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar