Al-Watan (Qatar)

من فيض النوستالجي­ا

- داليا الحديدي كاتبة مصرية

النوستالجي­ون يستعيضون باالستشراق بشمس الغياب ويتعمدون استغراب أقمار الحاضر النوستالجي­ون يدربون الحاضر على احترام الماضي النوستالجي­ون يبخسون اليوم، ويقايضون الغد بلحظات األمس األثمن النوستالجي­ون يفرطون في التعلق باألبيض واألسود ولهم وله بالشفاف وعشق خاص للباستيل للنوستالجي­ين نفوس عافت التجاوب مع المتاح، فشغفهم هو المحال إنهم ينشبون معركة مع النسيان في محراب الخيال، لينصرون جيش الذكريات إنهم يكترثون باالفتراضي ال ُمر َمم بسحر أتربة زماااااااا­اااااااااا­ن ثم إنهم يبترون جغرافيتهم لترقيع تاريخهم النوستالجي­ون يقيلون لوحة للفنان الشهير«فابيان بيريز» شغفا بوضع برواز عتيق، مخدوش لصورة فوتوغرافية ممزقة ال ألق فيها، لكونها ُم َظ ّهرة بحروف، بخط إنسان أغلى من القلب.

{{{ النوستالجي­ون يزهدون في شقة مطلة مباشرة على البحر، إعالء للشرفة الجانبية ببيت جدتهم. النوستالجي­ون يسعفون لحيظة ماتت، إلحيائها برفع ذكراها، للقبض على جمر الرحيل أو لمالمسة نسيم غوالي مروا بأزقة الحياة. النوستالجي­ون يعبثون مع حلم يقظة شفاف يعلمون أن أرصدته

مكشوفة وحساباته وهمية. إنهم يرتوون من مقل بات ماؤها يقرع الخدود حتى صارت أخاديد، أسفا على البعاد. إلهام ما، يدفع النوستالجي­ن لتحمل بؤس واقعهم، أمال في تدشين احتفالية لذكرى الغد بإستخدام«السيلفي» مع أسالفهم وأخالفهم، أما النوستالجي المخضرم فال يحتاج «لسيلفي»، فقد سرق الحدث من الدهر، وحجية الحدث بحافظة فكره.

{{{ النوستالجي­ون ال يضعون أرصدتهم من أحداث يومهم في حساباتهم الجارية، بل في التوفير. ذاك الذي سيسحبون منه آلخر العمر. النوستالجي­ون يتعاطون مع واقعهم، كما مع زراب ّيهم من ال ُبسط، فكما السجاد تزداد قيمته كلما دهسته األقدام، كذلك ترتقي قيمة إحداثياتهم اليومية بمرور الدهر. {{{ الذكريات هي هوامش الماضى، قشور دنيانا، يسقطها الجاهل، فيما يدرك النوستالجي أن ُج ّل الفيتامينا­ت في القشور، وأن المالحظات الهامة ال تسطر سوى على الهامش. إننا بإزاء قوم يجدون السلوى في تذكار أنات مضت، الجترار التلذذ بذكرى العناية الفائقة المهداة ل ُسعا ِلهم في ال ِصغر. النوستالجي­ون واعون لقيمة مشاعرهم الشابة، فتراهم كما أشار ديستويفسكي يثمنون أخطاءهم الطازجة، عن صوابيات كهولتهم المحفوظة. النوستالجي­ون يسيرون بجانب حائط السراب، ظمأ لشربة مستخرجة من آبار َسب ِتهم، آحادهم وجمعهم، ثم يقومون بتصفية اآلبار النتقاء أعذب اللحيظات، الدخارها بحويصلة خياالتهم لتدفئتهم بشتاء العمر. النوستالجي­ون يميلون لألخشاب ال للفوميه، لالنتيك والفينتاتج، ال للمودرن، لمربى الجدات ال لـ «فيتراك»، للتليفون األرضي، ال للجوال. النوستالجي­ا جمرة في الذاكرة، يؤججها الرحيل وال يخمدها رماد مراح السالي، لكن يطفئها الشنآن. النوستالجي­ا هي نزهة في مروج الذاكرة وسياحة بين مدن الذكريات. إنها سطوة الماضي المستحيل على عجرفة الحاضرالمم­كن. إنها مادة تحصين نحقن بها واقعنا، لوقاية جزء مختار آلثارنا من الطمس. النوستالجي­ا هي إصدار قرار بإسقاط حكم اإلعدام من قانون الذكريات. النوستالجي­ون يخلدون الذكريات، ُتراهم َي ْخ ُل ُدون؟

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar