Al-Watan (Qatar)

قراءة في االنتخابات اإلسرائيلي­ة

- د. محسن صالح كاتب فلسطيني { صحيفة فلسطين اليوم

ليس صحيحا التوصيف المتداول للمعركة االنتخابية اإلسرائيلي­ة بأنها كانت بين اليمين الديني والقومي وبين ائتالف الوسط واليسار. إذ إن التوصيف األدق هو أنها كانت بين نتانياهو (الليكود) وحلفائه المحتملين، وهم بشكل عام من التيارات الدينية والقومية؛ وبين خصوم نتانياهو الرافضين لتوليه رئاسة الحكومة وهؤالء يتوزعون على تيارات مختلفة يمينية ويسارية ووسطية صهيونية، إضافة إلى األحزاب العربية التي ال تدخل في هذه التصنيفات. ولذلك، فإن اإلعالن عن فوز نتانياهو وحلفائه بـ 64 مقعد ًا، كان في الواقع إعالن ًا عن إفساح المجال لعودته لرئاسة الوزراء للمرة السادسة، ليتابع احتفاظه بالرقم القياسي في المدة الزمنية وفي تشكيل الحكومات في تاريخ الكيان الصهيوني. والحقيقة أن معسكر اليمين تجاوز منذ زمن موضوع األغلبية البرلمانية، بل إن ما تسمى قوى يسارية ووسطية تبنت في السنوات الماضية طروحات «يمينية» وكيفت نفسها على ذلك، للتجاوب مع البيئة اليمينية التي تجتاح المجتمع الصهيوني. وعلى سبيل المثال، فإن حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف الذي يقوده أفيجدور ليبرمان والذي حصل على ستة مقاعد تم احتسابه مع ما يسمى ائتالف الوسط واليسار، نظرا لموقفه المعادي لعودة نتانياهو لرئاسة الحكومة. كما أن حزب الوحدة الوطنية الذي فاز بـ 12 مقعدا هو في الواقع تحالف بين حزب أزرق أبيض برئاسة بني جانتس، وحزب أمل جديد برئاسة جدعون ساعر وهو حزب يميني منشق عن الليكود، وساعر نفسه كان من كبار قادة الليكود ومنافسا لنتنياهو على رئاسة الحزب. كما انضم لحزب الوحدة الوطنية اثنان من قادة حزب يمينا المتطرف الذي كان يقوده نفتالي بينيت هما ماتان كاهانا وشيرلي بنتو. وبالتالي لم يبتعد هذا الحزب عن تصنيفات اليمين. أي أن اليمين حصد في هذه االنتخابات نحو 80–75 مقعدا. ولعلنا نستذكر أن التحالف المعادي لنتانياهو اضطر حتى يتمكن من تشكيل الحكومة السابقة، إلى تسليم رئاستها في مرحلتها األولى لنفتالي بينيت اليميني المتطرف، وشارك في ائتالفها حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني أيضا. من ناحية ثانية، يجب التنبيه إلى أن هذه التصنيفات تبقى ضمن التنافس في خدمة المشروع الصهيوني وتقويته وزيادة نفوذه.

من ناحية ثالثة، عززت هذه االنتخابات الصعود اليميني الديني والقومي، فقد زادت مقاعد الليكود من 30 إلى 23، وشاس من 9 إلى 11، وحافظ يهودوت هتوراه على مقاعده السبعة. أما القفزة الكبرى فكانت لصالح حزب الصهيونية الدينية الذي زادت مقاعده من 6 إلى 14 مقعدا. وفي المقابل، وعلى الجانب المسمى وسطي ويساري خسر حزب العمل ثالثة من مقاعده السبعة، بينما خرج حزب ميرتس من الكنيست بخسارته لكل مقاعده الستة. وبالرغم من أن حزب يش عتيد حسن من موقعه بزيادة سبعة مقاعد، إال أن ذلك لم يمنع من التراجع العام لألحزاب المنافسة لنتنياهو وتكتله. أما من ناحية رابعة، فقد أعطى حزب الصهيونية الدينية الذي حقق 14 مقعدا، رسالة قوية على دوره األساس المتوقع في حكومة نتانياهو القادمة. والحزب ُيعبر عن تيار تصاعدت قوته بشكل كبير خصوصا في العقد األخير، وتزايد نفوذه في الجيش والقضاء وأجهزة الكيان الصهيوني المختلفة. وهو يجمع في أيديولوجيت­ه بين األرثوذكسي­ة اليهودية وبين الحركية الصهيونية. فهو أقرب إلى التدين «الحركي» وليس التقليدي، ويجمع بين ال ّتط ُرفين الديني والقومي اليهودي الصهيوني. أما الشريك الرئيسي الداخل في قائمة حزب الصهيونية الدينية فهو حزب القوة اليهودية (أوتزما يهودوت) برئاسة إيتمار بن غفير، وكان حصل على مقعد في انتخابات 2021 ضمن الصهيونية الدينية، بينما ارتفع نصيبه في هذه االنتخابات إلى ستة مقاعد ضمن الـ 14 مقعدا التي حصلت عليها القائمة نفسها. وبن غفير وحزبه موغل في اليمينية والعنصرية، وينتمي للمدرسة الكهانية المعادية للعرب، ولم يكن يخفي إعجابه بمائير كاهانا مؤسس حركة كاخ العنصرية، التي اضطر الكيان اإلسرائيلي لحظرها ألنها تسيء للصورة التي يريد أن يرسمها هذا الكيان عن نفسه. ويسعى بن غفير لتعيينه وزيرا لـ«األمن الداخلي» في حكومة نتانياهو المقبلة، ليكون مسؤوال بنفسه عن الشرطة والتعامل األمني مع الفلسطينيي­ن. ولديه برنامج من عشر نقاط يسعى من خالله لتسليح جنود االحتياط، وتخفيف قواعد إطالق النار على الفلسطينيي­ن (وهي خفيفة أصال)، وعمل قانون يعطي الحصانة للجنود الصهاينة من المالحقة الجنائية، وتشريع قانون بعقوبة اإلعدام على منفذي الهجمات الفلسطينيي­ن، وتشديد ظروف السجن على األسرى، والسيطرة على إدارة الشرطة في المسجد األقصى المبارك، والسماح بالصالة العامة لليهود في األقصى. كما يسعى إلبعاد من ُيّتهمون بعدم الوالء للكيان الصهيوني، ويدعو إلى سياسات استيطانية وتهويدية أكثر اتساع ًا وقو ًة وفاعلي ًة. ومن المتوقع أن يوافق نتانياهو الصهيونية الدينية في عدد من مطالبها، ولكن سيسعى إلى كبح بعض جماحها، وعدم «إحراجه» في مواقف قبل أوانها، أو تتسبب بدفع أثمان كبيرة. هذه بعض القراءات السريعة في نتائج االنتخابات، وبالتأكيد فهناك نقاط أخرى تحتاج إلى مزيد من التوقف عندها، كاألحزاب العربية، أو تشكيل الحكوم وغيرها.

من المتوقع أن يكون الكيان الصهيوني أكثر عدوانية في التهويد واالستيطان والعدوان على «األقصى»

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar