Al-Watan (Qatar)

حمد حسن التميمي

نصائح غير مهمة

-

يقول المثل الشهير: «كانت النصيحة بجمل» وفي زماننا هذا أصبحت النصيحة تقدم مجان ًا وعلى طبق من ذهب، لكن هل من أذن تصغي السمع؟! تبدأ قصة المثل السابق برجل ضاقت به الحياة، فخرج بحثًا عن مصدر رزق جديد، ثم عثر على بيت تاجر تعرف إليه ووظفه عنده. بعدها بسنوات، اشتاق الرجل ألهله، فطلب اإلذن بالمغادرة، وهو في طريق عودته التقى شيخًا أعطاه ثالث نصائح مقابل 3 جمال، فكانت النصيحة الواحدة مقابل جمل. رغم أن كل نصيحة، كانت تبدو عادية ألبعد الحدود، إال أن الرجل بعد وقت وجيز وظروف مستجدة مرت به، اكتشف أن ما أخبره به الشيخ يساوي وزنه ذهبًا، وأنه يمكن لفكرة صغيرة أو اقتراح بسيط تغيير حياة اإلنسان رأس ًا على عقب. من هنا كانت وما تزال النصائح الثمينة أغلى من كنوز األرض، إذ يمكن لنصيحة تبدو في الظاهر أنها متواضعة بل وساذجة أحيان ًا، أن تعود عليك بفوائد ال تعد وال تحصى إن أنت استثمرتها في المكان والزمان المناسبين. لهذا، يالحظ في الحياة أن هناك صنفين من الناس من حيث التعامل مع النصائح: فئة يصغي أصحابها السمع لنصائح اآلخرين، فيستفيدون منها لالرتقاء بأنفسهم وحياتهم، األمر الذي يجعلهم يصعدون سلم النجاح بسرعة كبيرة، كونهم ال يعتمدون على أنفسهم فحسب، بل يستثمرون تجارب غيرهم وحكمتهم. أما الفئة الثانية، فهم أولئك األشخاص الذين ال يستمعون ألي نصيحة من أحد، وال يكترثون ألي اقتراح أو رأي خارجي. هم أناس استبد الغرور بهم، فأعماهم عن رؤية الحقائق، وتلمس النور، واكتشاف أسرار النجاح من خالل االطالع على تجارب أقرانهم. وألنهم متكبرون، فهم ليسوا على استعداد لإلصغاء إلى أي مقترح، بل إنهم يعتبرون أي فكرة تطرح عليهم غير ذات أهمية. ويرجع السبب في رفض تلك الفئة من البشر ألي فكرة جديدة إلى عدم رغبتهم باالعتراف بأنه يوجد من هو أذكى أو أفضل منهم. فمجرد قبول النصيحة يعني أنهم لم يستطيعوا التوصل إليها بأنفسهم، بل سبقهم إليها شخص أشد حنكة وحكمة، األمر الذي يعني إقرار ًا ضمني ًا بأنهم أقل شأنا أو ذكاء. إن كثير ًا من الناس حول العالم ال يتقبلون النصيحة، رغم أن الواحد فيهم بحاجة ماسة إلى من ينصحه. تراه يتخبط في حياته الشخصية والمهنية، وال يدري أي طريق يسلك، وإن هو قرر المضي في مسار معين يكون اختياره خاطئا، ومع ذلك يرفض قبول المساعدة، حتى ال يعترف بأوجه قصوره، وبحاجته إلى من يدعمه ويشد أزره ويضعه على الطريق الصحيح. النجاح ليس وليد جهد فردي بحت، فكلنا في هذه الحياة نساند بعضنا بعضا. المدير لن يكون له قيمة وال وجود دون موظفين يؤدون العمل، والمعلم لن يجد بيئة تحتضن ما درسه دون طالب يدرسهم، والكاتب لن يبدع ولن تكون ألعماله قيمة إذا لم يكن هناك من يقرؤها إطالق ًا، وهلم ج ّر ًا. لهذا السبب ال يوجد نجاح دون االعتماد واالستفادة من الغير. لذا، فاإلنسان العاقل هو من يعي جيدا بأن النصيحة يمكن أن يساوي ثمنها جمال، بل وأكثر، وأنه يمكن تعلم الكثير حتى من أبسط الناس. لذا يتواضع، ويصغي السمع، ويفتح عقله الستقبال األفكار الخارجية ليستثمرها فيما ينفعه.

@hamadaltam­imiii

Instagram:

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar