االنتفاضة الثالثة والتحرير

التبشير باالنتفاضة الفلسطينية الثالثة، أو السؤال عن إمكانها، حاضر بكثافة دائمة في تداولنا السياسي والثقافي الفلسطيني في السنوات األخيرة. ال ينم ذلك عن حنين، بقدر ما ين ّم عن رؤية صحيحة للتخلص مما َع ِلق به الفلسطينيون في فخاخ مشروع التسوية، وانسجام مع ما ينبغي أن يكون عليه واقع الشعب الذي يواجه احتالال غاية في التعقيد، بيد أ ّن هذا التداول المل ّح خاطئ من جهة أخرى، ألنه يضمر غفلة عن الشروط الموضوعية التساع أي حالة كفاحية في السياق الفلسطيني الراهن، وارتباكا في تقدير حركة المقاومة الجارية في الض ّفة الغربية تحديد ًا. ال يبتعد عن هذا التداول، السؤال عن إمكانيات التحرير القريب لفلسطين. وإذا كان سؤال االنتفاضة يكشف عن رغبة، في حين أنه أيضا يتفاءل بالتحوالت الجارية، كسلسلة الهبات غير المنقطعة ومعاندة بعض الظواهر المسلحة للواقع السياسي الفلسطيني الذاتي، فإن سؤال التحرير يستند إلى بعض النبوءات التي كانت تنتظر هذا العام، وإلى الصراعات الصاعدة في العالم، واالنقسامات في قلب النخبة المهيمنة على العالم، واستمرار الغموض والسيولة في اإلقليم، وتردي الوسط السياسي اإلسرائيلي، وأخيرا معركة العام 2021 «سيف القدس»، التي تفاعلت مع ما يجري كاشفة ومعززة وفاعلة. لكن هذا ال يعني أيض ًا أ ّن الحديث عن التحرير بوصفه ممكن ًا قريب ًا غير خاطئ أيضا. ينبغي أن تكون الشعارات أو التوقعات المصاحبة لكل مرحلة كفاحية، مالحظة لواقع الفلسطينيين وقدراتهم، والظروف المحيطة بهم، ال سيما وأن المشروع الصهيوني مرتبط بجملة ظروف وشروط دولية، فتكون مقاومة الفلسطينيين عام ًال ضرور ّي ًا

للمساهمة في تغيير تلك الظروف والشروط، وتحويل الكيان إلى عبء على رعاته وداعميه وحلفائه.. ومن ثم فليس الواجب الفلسطيني منحصرا في ثنائية الفعل أو انتظار الخالص من الخارج، وإنما فعله الذاتي يساهم في بلورة شروط الخالص، دون أوهام كبيرة أنه بإمكانه بمجرد فعله الذاتي أن ينجز التحرير. كما أنه ال تناقض بين الرؤى الكلية بوصفها شعارا لمطلق المسار وعموم الكفاح والنضال، وبين اختيار شعارات متواضعة تناسب ك ّل مرحلة دون التخ ّلي عن الرؤية الكلية. يحيل ذلك إلى السؤال عن االنتفاضة أو التبشير بها، فالمفردة باتت مصطلحا أخذ معناه من االنتفاضتين الكبريين، األولى والثانية، إذ في األولى انعدمت السلطة المحلية مما مكن الفلسطينيين من االشتباك اليومي مع االحتالل، وفي الثانية امتلكت قيادة السلطة إرادة فسح المجال للجماهير لالشتباك مع االحتالل، وهو ما تطور في صورة تلك االنتفاضة. هذا الشرط الذاتي ضروري لتحول الشكل الكفاحي الراهن إلى انتفاضة بما يحمله ذلك المصطلح من معنى.