Al-Watan (Qatar)

االتحاد األوروبي والكيل بمكيالين

- سنية الحسيني كاتبة فلسطينية األيام الفلسطينية

كشفت الحرب الروسية - األوكرانية الدائرة حاليا في أوروبا بالدليل القاطع سياسة االتحاد األوروبي التي تكيل بمكيالين، وتميز بشكل صارخ لصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيي­ن. وتعد هذه السياسة انحرافا صريحا عن قيم االتحاد وأهدافه التي طالما تغنى بها. وتبدو الصورة أكثر وضوحا عندما تتم مقارنة اآللية الذي تعامل بها االتحاد في استقبال الالجئين السوريين بعد اندالع أزمة بالدهم خالل منتصف العقد الماضي، والالجئين األوكرانيي­ن الذين توافدوا إلى دول االتحاد بعد اشتعال الحرب الروسية - األوكرانية. . في الصراع األول، منح االتحاد األوكرانيي­ن دعمه المطلق، بينما شن هجوم ًا سياسي ًا ودبلوماسيا على الجانب الروسي المعتدي وفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية هي األشد في تاريخها. على الجانب اآلخر، اكتفى االتحاد بشعارات تؤكد اقراره بحالة االحتالل التي يرزح تحتها الفلسطينيو­ن وبحقهم في تقرير المصير، اال أنه منح الفلسطينيي­ن دعما مالي ًا مشروط ًا باستجابتهم لمعطيات العملية السلمية التي رسمتها واشنطن، وقبلت بها إسرائيل شكلي ًا للمماطلة وكسب الوقت لتحقيق أهدافها في األراضي المحتلة. وفي ذات االطار، يرفض االتحاد في بياناته ممارسات إسرائيل االحتاللية والتوسعية، إال أنه عمليا يعد حليف ًا وشريك ًا إلسرائيل في مجاالت متنوعة منها المجال العسكري. بعد هجوم روسيا على أوكرانيا، قدم االتحاد األوروبي دعمًا مفتوحًا ألوكرانيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماس­ية والمالية والعسكرية واالستخبار­ية، فاعتبر أن اإلجراءات التي تهدف لتغيير حدود الدول ال مكان لها في القرن الـ12. وأبقى االتحاد مؤسساته الرئيسية في حالة انعقاد دائم. وحصلت أوكرانيا في عام واحد على مساعدات غربية مالية وعسكرية تراوحت قيمتها ما بين 120 150و مليار دوالر، ثلثها ذهب لالحتياجات العسكرية، باإلضافة إلى دعم أوروبي مفتوح الستيعاب ودعم الالجئين االوكرانيي­ن. ونجح االتحاد بمعاقبة روسيا بقسوة، فجاء ردها المباشر والسريع بفرض عقوبات اقتصادية تعد األشد عالميا، كما فرضت عقوبات عسكرية وحظر للمجال الجوي األوروبي على روسيا ومنع وصول السفن الروسية لشواطئها. وتخلصت دول االتحاد من اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية بسرعة خاطفة، وهي رغبة أميركية لم تخفها واشنطن، رغم التكلفة االقتصادية التي وقعت على كاهل أوروبا، وخطر الدخول في حالة ركود. منذ أوائل البيانات التي صدرت عن االتحاد األوروبي حول موقفه من الصراع العربي - اإلسرائيلي وحتى اليوم، لم يتغير موقف االتحاد المعلن، الذي أقر بوجود احتالل إسرائيلي ألرض عربية، واعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأدان بناء المستوطنات اليهودية، اال أنه في ذات الوقت حافظ بالتوازي على موقفه الداعم لحق إسرائيل في الوجود وحقها في الدفاع عن نفسها، في األراضي المحتلة. وتبلور الدور الذي يلعبه االتحاد، ورغم تأكيده على حالة احتالل ظاهر في فلسطين، بثالثة معطيات، التعامل بتصريحاته مع الفلسطينيي­ن واإلسرائيل­يين بالتساوي، بدعوتهما مثال لضبط النفس، و«عدم استخدام العنف ضد المدنيين الذي ترتكبه جميع األطراف» على ذات األرض المحتلة من ناحية، واستخدام المال المقدم للفلسطينيي­ن، للضغط عليهم سياسيا، كما حدث على سبيل المثال عندما قطعت

أوروبا مساعداتها المالية عن الفلسطينيي­ن وشاركت في فرض حصار اقتصادي عليهم عندما شكلوا حكومة الوحدة الوطنية في العام ،2007 كما قطعت تلك المساعدات مؤخرا إلرغامهم على تغيير مناهج التعليم، التي يعتبرها االحتالل أداة تحريضية، من ناحية ثانية، واالحتفاظ بعالقة تحالف وشراكة متعددة األشكال وعالية المستوى مع إسرائيل، من ناحية ثالثة. بعد وصول الحكومة اإلسرائيلي­ة اليمينية المتطرفة إلى سدة الحكم بقيادة نتانياهو، تلقت اتصاالت تهنئة من قيادات دول االتحاد على الرغم من القلق الذي لم تستطع أن تخفيه جهات رسمية أوروبية من التصريحات العنصرية لوزراء هذه الحكومة، والتي تتعلق باالستيطان وتغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي. ويعكس قرار البرلمان األوروبي الذي جاء في منتصف الشهر الماضي بعنوان: «آفاق حل الدولتين إلسرائيل وفلسطين»، تلك المعادلة بوضوح، فتدخل االتحاد من خالل قراره في صلب القرار السيادي الفلسطيني، والمتعلق بالمناهج التعليمية، ونزع سالح المقاومة، التي وصفها القرار بـ «اإلرهاب المستمر ضد إسرائيل»، كما دعا إلى ضرورة اإلفراج عن اإلسرائيلي­ين األربعة وجثماني الجنديين اإلسرائيلي­ين اللذين تحتجزهما حركة حماس في قطاع غزة، ويستخدم المال السياسي إلجبار الفلسطينيي­ن، بدعوته مؤسسات االتحاد األوروبي لتعليق الدعم المالي عن السلطة الفلسطينية في حال عدم التزامها بتوجيهات االتحاد. في مطلع العام 2020 أبلغ االتحاد األوروبي منظمات المجتمع المدني الفلسطينية بشرط إضافي أرفقه في ملحق عقود التمويل، يلزمها فيه بعدم التعامل مع «اإلرهاب». لم ينجح االتحاد األوروبي كاتحاد بدولة الـ 27 مجتمعة، وكدول غربية منفردة، في إخفاء االنحياز الصريح إلسرائيل، التي تحتل أرضا عربية منذ عقود، رغم الشعارات التي ينادي بها، في ظل مقارنة األداء وسياسة الفعل التي نجح االتحاد في تنفيذها لردع روسيا، القوة القطبية والجارة الشرقية، العتدائها على أوكرانيا. هذا االنحياز الذي يمكن وصفه بالتمييز العنصري عندما تتم مقارنة آلية تعامل االتحاد األوروبي مع الالجئين األوكرانيي­ن مؤخرا وتعامله مع الالجئين السوريين خالل العقد الماضي. كما أثبت االتحاد األوروبي في حالتي الصراع الروسي - األوكراني والفلسطيني -اإلسرائيلي أن سياساته وقراراته ال تخرج عن سياسات واشنطن.

التعامل مع الصراع الروسي ــــ األوكراني.. والصراع العربي ــــ اإلسرائيلي جاء على جانبي نقيض

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar