Al-Watan (Qatar)

الواسطة والفراغات المشتركة

- م. أنس إبراهيم معابرة

أشر ُت في مقالي السابق إلى «الفراغات المشتركة»، وهي عبارة عن األماكن والفرص التي يتنافس مجموعة من األشخاص على إغتنامها، مثل الشارع الذي يضم الكثير من السيارات والمشاة وراكبي الدراجات الهوائية والنارية، ومثل الترقيات الوظيفية، والخدمات الحكومية وغيرها. فالشارع يتسع لعدد معين من السيارات فقط، وعلى جميع سائقي السيارات االلتزام بقواعد المرور، وكذلك الترقيات الوظيفية التي تتاح عادة إلى عدد معين من الموظفين المتميزين فقط، وبإمكان موظف الخدمات الحكومية تقديم الخدمة لعدد محدود من المراجعين فقط، وهكذا دواليك. وإذا تحققت العدالة في استغالل الفراغات المشتركة سيشعر الجميع بالرضا، وسيتحقق االستغالل األمثل لها دون خسائر، فستكون راضيا عندما يتم خدمتك في الدوائر الحكومية عندما يحين دورك، وستغضب كثيرا لو أن أحدهم قد تجاوز قواعد المرور واغتصب حقك في الطريق، أو أن المدير قد منح العالوة لزميل ال يستحقها. ومن الهام أيضا أن تعرف حقوقك وواجباتك حين الدخول في صراع على الفراغات المشتركة، وهنا قد تجد تباين ًا عجيب ًا؛ فستالحظ مث ًال أن السائق يضع الحق على المشاة اللذين ال يستعملون ممرات المشاة ويتسببون بحوادث الدهس، وبالمقابل؛ يعتبر المشاة السائق وتهوره في القيادة السبب الرئيس في حوادث المرور والدهس، ولو التزم كل منهم بالقوانين والتعليمات واألنظمة، لوجدوا السالمة جميعا من كل أذى. العدالة كلمة كبيرة تتسع للكثير من المفاهيم والمصطلحات، فليس من العدالة أن تتنافس مع زميلك على ترقية عمل وأنت ال تستحقها، وليس من العدالة أن تقف في أبواب الجمعيات الخيرية وأنت تعلم أن هنالك الكثير من الناس أحق منك بتلك المساعدة، وليس من العدالة أن تحصل على منحة دراسية أو قرض جامعي، وأنت تدرك أن هنالك الكثير من الطلبة أحوج منك اليهما. تعد الواسطة العدو األول لالستغالل األمثل للفراغات المشتركة، وتتسبب في قلب العدالة وإثارة النزاعات والمشاحنات، وتشيع أجواء الحقد والكراهية بين الناس، وتتسبب في عدد ال بأس به من المشاكل والجرائم أحيانا. إن المسؤول الذي يسمح لمنصبه ونفوذه في العبث بميزان التوزيع الطبيعي للفراغات المشتركة؛ ال يتعدى على حق شخص واحد فقط، وإنما يبتدع سنة سيئة قد يتخذها غيره من بعده سنة دارجة، تماما كما يحصل في بعض مجتمعاتنا اليوم، حيث تسند الوظائف إلى غير أهلها، وتحال الواجبات إلى الخاملين العاجزين عن القيام بها، ويمنى أهل الغنى بالمال الوفير، بينما ال يجد الفقير المؤهل فرصة لوظيفة أو ترقيه أو تحسين لظروفه، نتيجة عجزه عن الحصول على واسطة. وقد تجد التجاوزات ذاتها تحصل في األسرة الواحدة؛ فحين يكيل األب الحب الكامل ألحد أبنائه ويحجبه عن البقية، أو حين يفضل الذكور على اإلناث في المعاملة واألعطيات، فهو يتالعب بميزان العدالة الربانية ويخل في توزيع الفراغات المشتركة، ويتسبب في شرخ كبير في العالقة بين األوالد، قد يتسع بمرور الزمن. ال يتوقف تأثير الموضوع على األشخاص فحسب، بل يطال األوطان أحيانا، فحين تتوجه إلى صناديق االقتراع، وتختار شخصا غير كفئ للقيام بالواجبات الموكلة إليه، فأنت تساهم في قلب ميزان العدالة، وحين تعطى المشاريع التطويرية والتنموية إلى المعارف واألقارب على أساس الواسطة والمحسوبية، فسينتهي األمر بها إلى اإلخفاق والفشل الذريع. إذا كنت مسؤوال، ومهما كان منصبك؛ كمدير في شركة، أو وزير ًا، أو ملك ًا أو حتى رب أسرة، تأكد من إلتزامك بالعدالة في جميع مناحي حياتك، واحرص على اتباع اإلنصاف وإحقاق الحق في توزيع الفراغات المشتركة بين المتنافسين عليها، بذلك قد تكون أرضيت ربك وضميرك، أما رضا الناس فهو غاية لن تدرك.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar