Al-Watan (Qatar)

الخروج من المأزق السوري عنصرية االحتالل من بن «غوريون» إلى «بن غفير»

- عربي بوست أحمد العبسي كاتب سوري األيام الفلسطينية

الخروج من حالة السكون والخنادق في سوريا هو خروج يحمل خطورة كبيرة، ولكنه األمل الوحيد في تحقيق تقدم تجاه التغيير واألهداف، بينما اإلصرار على االنتظار و(الممانعة) والرفض والصراخ دون البحث عن بدائل ممكنة وحيوية، هو حالة من المنازعة السلبية في انتظار الموت، إنني أعتقد، أن هذا االنتظار هو خيانة للوطن، وخيانة للقيم وخيانة لحركية الحياة، وخيانة لدماء الشهداء ولقضيتهم المقدسة، فالتضحيات العظيمة لم ُتقدم في سبيل االنتظار، وفي سبيل السكون، بل من أجل العمل والدأب وتحقيق األهداف، وإحداث ولو خطوة واحدة في طريق التغيير المنشود، وإن من الخيانة أن تكون هذه التضحيات قد أصبحت سبب ًا لتعاسة الناس ولمأساتهم بسبب تخاذل القائمين عليها، بد ًال من أن تكون سبب ًا لسعادة الناس وحريتهم وخالصهم. إن إيجاد حل للخروج من حالة االستعصاء التي وصلت إليها القضية السورية هي فريضة العمل السياسي، وعلى السياسيين أن يعملوا من أجل فهم الواقع وإيجاد أي مخرج ممكن، عجزت عنه حتى اآلن كل الوسائل العسكرية واالجتماعي­ة والسياسية السابقة.. وإن السير خطوة واحدة هو عمل عظيم، ولو لم يوافق المزاج الشعبي العام، لكن يكفي أن يوافق الضمائر ويحقق كسرا للجمود الذي نعاني منه، وإن هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر وباحتماليا­ت التخوين، هي خطوة لن يقدم عليها إال الصادقون، الذين يبحثون عن خالص شعوبهم وأوطانهم، والسير في الطريق الشائك تجاه األهداف، دون أن يكترثوا لسجالت التاريخ والبطولة، أو أن يفكروا في سمعتهم اآلنية. إننا اليوم أمام تحديات قديمة جديدة، أضعنا ما يكفي من الوقت في عالم األحالم بحثا عن معجزة ال تضطرنا ألخذ مواقف قد تشوه التاريخ الناصع الذي كنا نبنيه ألنفسنا حجرا حجرا، ولكن الحقيقة التاريخية تخبرنا أن اإلنجاز لم يكن يوم ًا مبني ًا على أساسات ناصعة، لذلك علينا أن نكون شجعانا بما يكفي لبحث جميع الخيارات المطروحة دون استثناء من أجل الوصول إلى حل (مرحلي) يمنحنا خطوة واضحة نحو األمام.

يبدو اندفاع بن غفير نحو المزيد من العنف ضد الفلسطينيي­ن صادما للبعض وكأن دولة االحتالل لم تكن يوما كذلك، فيما الحقيقة أن كل ممارسات االحتالل بحق شعبنا منذ وصول أول مجموعات العصابات الصهيونية إلى فلسطين اتسمت بالعنف واألعمال غير اإلنسانية وغير المشروعة. لم يكن ثمة حكومة إسرائيلية قادرة على أن تتخلى عن طبيعة الصهيونية العدوانية، بل إنها كانت دائما تكشف عن وجه مختلف من أوجه الحركة العنصرية وتعمل على تثبيت كل ما سرق من قبل الحكومة التي سبقتها. السباق الحقيقي بين الحكومة اإلسرائيلي­ة كما بين األحزاب هو حول من يريق المزيد من دماء الفلسطينيي­ن ومن يسرق أرضهم ومن يشردهم. فقط كان االختالف الوحيد في الوسيلة التي يتم فيها تنفيذ ذلك، لم يكن أبدا هناك خالف على الفعل وعلى الغاية التي يجب تطبيقها أو تحقيقها. السؤال الفلسطيني لم يكن يوما سببا للخالفات اإلسرائيلي­ة الداخلية، كما لم تكن العالقة مع الفلسطينيي­ن هو من يحرك أو يؤثر في البرامج االنتخابية لألحزاب ويؤثر على جمهور ناخبيها، بالعكس فإن األحزاب التي جعلت من قضية العالقة مع الفلسطينيي­ن مركزا في برامجها السياسية مثل بعض أحزاب اليسار تكاد تختفي وصار بعضها خارج دائرة البرلمان، ألن الموضوع الفلسطيني ليس حازما وال حاسما في خيارات ناخب يتجه أكثر نحو اليمين. هل هناك اختالف في أي شيء منذ بن غوريون حين تمت النكبة حتى بن غفير. ربما على مستوى اللفظ والعبارات والمجامالت السياسية توجد فروقات بسيطة حيث كانت بعض الحكومات اإلسرائيلي­ة تقدم نفسها بوصفها ساعية للسالم وساعية لتحقيق عملية تسوية مع الفلسطينيي­ن، وكانت تعمل مع الشركاء الدوليين من أجل اإليهام بوجود مثل هذه الجهود دون أن يتحقق منها شيء. كانت بعض الحكومات خاصة تلك التي يكون في بعض مكوناتها االئتالفية اليسار حاضرا اكثر مقدرة على تقديم نفسها للعالم وربما الضغط باتجاه إدانة الفلسطينيي­ن أنهم ال يريدون السالم من إسرائيل بل يعيقون أي جهود حقيقية إلنجاز التسوية التاريخية المرجوة. في المقابل، فإن حكومة نتانياهو الحالية تقول

صراحة وبدون مواربة، إنها ال تريد السالم مع الفلسطينيي­ن وال تسعى خلفه فهو هدف غير موجود. كل ما يمكن للفلسطينيي­ن أن ينتظروه من رفاق نتانياهو وسياستهم هو المزيد من الدم والتهجير والقتل والمصادرة وتدنيس األماكن المقدسة. حكومة تقول بشكل واضح، إنها ال تسعى لتحقيق أي مصالحة تاريخية ال تكتيكية وال استراتيجية مع الفلسطينيي­ن فهي تعمل من طرف واحد من أجل تثبيت كل الحقائق على األرض، الحقائق التي تثبت البرنامج الصهيوني الذي تتبناه والذي يشكل جوهر االتفاق بين تلك األحزاب التي تألفت منها الحكومة األكثر يمينية في تاريخ دولة االحتالل، لكن في الجوهر هل ثمة فرق بين هذه الحكومة وكل ما ومن سبقها؟

يصعب القول بوجود هذه الفروقات ويصعب أيضا أن نصدق من يقول بوجودها. فمن جهة الممارسات الفعلية فإن كل الحكومات اإلسرائيلي­ة منذ بن غوريون حتى بن غفير كان هدفها األساسي استمرار احتالل أرض فلسطين، طرد الفلسطينيي­ن من أرضهم وتشريدهم وقتلهم وتعميق وتوسيع االستيطان. هذه كانت السمة األبرز لكل التنظيمات واألحزاب اإلسرائيلي­ة، إنه نفس الخالف بين العصابات الصهيونية قبل النكبة وخالل عملية تنكيب الشعب الفلسطيني بمساعدة بريطانية. كانت العصابات تختلف وتتصارع من سيقتل منا أكثر ومن سيستخدم الوسيلة المثلى من أجل تشريدنا. لم يكن هناك خالف بين «شتيرن» و«الهاغاناة» على من يكون بنا رحيما أو من يرأف باألطفال ويقتل الشيوخ أو أي شيء من هذا القبيل. كان الخالف والصراع دائما من يقتل أكثر وبأي وسيلة.. المهم أن يؤدي كل ذلك إلى إفراغ األرض من الناس وجعلها لقمة سائغة للمهاجرين المستوطنين الذين يريدون أن يسرقوا المزيد من األرض. نفس الصيغة التي ظلت تحكم الصراعات الصهيونية الداخلية. مرة أخرى ثمة من يرى وجوب أن يتم تقديم ذلك بخطاب أكثر عقالني واكثر نعومة وهنا يصبح يساريا وهناك من يرى أن صيغة الخطاب ليست مهمة وال اللغة وال مدى تقبل العالم لها، المهم أن يتم إنجاز الهدف وهنا يصبح يمينيا، هذا هو الفرق. أما بالنسبة لنا كفلسطينيين فال فرق إطالقا. إنه الفرق البسيط بين سياسة واحدة. الفرق الذي جوهره هو نظرة مكونات الحركة الصهيونية لنفسها. كيف يجب أن يرانا العالم. هل حقا نكترث للعالم؟ أم أن العالم الذي كان دائما ضد اليهود حتى نجحت الحركة الصهيونية في فرض إرادتها عليه ليس مهما. مرة أخرى فإن الموضوع الفلسطيني ليس جزءا من النقاش األساسي في إسرائيل والعالقة مع الفلسطينيي­ن ليست هي مربط الفرس في تحديد خيارات الناخب، بل إن ثمة قضايا أكثر خصوصية تتعلق بالمجتمع وهويته وقضايا تطرفه. واستبعاد الموضوع الفلسطيني من تقرير مصير االنتخابات اإلسرائيلي­ة مثال هو داللة على حقيقة غياب أي اختالف في المواقف الحزبية الصهيونية فيما يتعلق بهذا الموضوع.

سياسة حكومة نتانياهو.. المزيد من الدم والتهجير والقتل والمصادرة وتدنيس األماكن المقدسة

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar