ميلوني.. وتضارب والمصالح في ليبيا

ليبيا بالنسبة إليطاليا شريك من نوع العالقة المختلة، إذ تستورد إيطاليا من ليبيا النفط والغاز وتصدر لها مواد مصنعة، وبرغم تراجع حصة ليبيا في الواردات اإليطالية من مواد الطاقة، إال أنها ال تزال نسبيا حيوية، فضال عن عوامل أخرى تجعل منها نسبة هامة من ذلك جودة الخام الليبي وقربه من السواحل اإليطالية. ميلوني سترعى خالل زيارتها لطرابلس اتفاقا سيتم توقيعه بين شركة إيني والمؤسسة الوطنية للنفط، وهو عقد الستكشاف الغاز في البر والبحر، والذي يدور حوله جدل كبير، تلعب المناكفة السياسية في هذا الجدل دورا كبيرا، فمن يعارضون االتفاق ينطلقون من عدم شرعية حكومة الوحدة الوطنية وبالتالي بطالن تعاقداتها، ويجنح هؤالء وغيرهم إلى أن االتفاق قد يكون على حساب المصلحة العامة الليبية، وأنه لن يخلو من تالعب باعتبار أن الحكومة متورطة في فساد كبير، كما يعتقد عدد كبير من أعضاء مجلس النواب. السؤال هنا هو: كيف تقبل األطراف الدولية، خاصة الغربية وإيطاليا ليست بعيدة عن فضائها، بتوقيع هذا االتفاق بين الحكومة االيطالية وشركة إيني وحكومة الوحدة الوطنية، وقد اعترضت تلك األطراف على توقيع األخيرة اتفاقا للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق النفوذ البحري وفقا التفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، فكيف تكون حكومة الوحدة الوطنية غير مخولة بالتوقيع مع تركيا لكنها مهيأة للتوقيع على اتفاق مماثل تقريبا مع شركة إيني اإليطالية؟! أنا أتحفظ على دخول حكومة الوحدة الوطنية في تعاقدات وشراكات، فاألصل عندي أن الوضع ال يسمح بالولوج في

هكذا مسارات، ونحتاج لوضع أكثر استقرارا على الصعيد السياسي وانتخاب مجلس للنواب يختار حكومة جديدة تكون قادرة بكافة المعايير على الدخول في مثل هذه االتفاقيات والشراكات. وما يعنيني هو هذا التناقض وهذه االزدواجية في المعايير والتي هي مثال متكرر عن تراجع القيم عند الغرب عندما تكون المصالح على المحك، إذ أن جولة ميلوني في منطقة شمال المتوسط تخدم االتجاهات والمواقف الغربية في تأمين مصادر بديلة للنفط والغاز، وهي تواجه أزمة حادة جراء الحرب الروسية األوكرانية. الملف الثاني الذي ال يقل أهمية بالنسبة لروما هو الهجرة غير الشرعية والتي كشفت عوار الساسة اإليطاليين وسوء إدارتهم لهذا الملف، وال أتصور أن ميلوني ستأتي بجديد يعظم القيمة اإلنسانية ويضع المصالح المادية إليطاليا في درجة متأخرة، فكرسي السلطة له قواعده وأحكامه التي كثيرا ما تناقض القيم اإلنسانية التي جعلتها ميلوني مادة أساسية لخطابها السياسي وهي تواجه خصومها األوروبيين. { عربي 21