Al-Watan (Qatar)

اعتداء ات خفية

- داليا الحديدي كاتبة مصرية

عادة ما يتلقى المبدعون نصائح تدعوهم لعدم تفسير فحوى أعمالهم على أمل أن يعثر المتلقي على معنى أعمق مما كان يعنيه الفنان، وإن لم يكن يخطر على باله للتربح معنويا مما لم يقصد، وليقبل اإلطراء على ما لم ُي َق ِدم. لكني ألمس في نفسي حر ًصا على توضيح ن ّيتي، فلم استمت يوما لنيل إشادة ال أستحقها بل أكتب لتصويب هدف معين وال أثمن تحقيق «هاتريك». التنويه السابق ضروري ألن مقالي قد يلتبس على البعض، لذا يعن لي توضيح مرادي وهو أنه قد يغفل المرء عن شرح جحافل من االعتداءات الخفية التي تصيبه في مقتل، ويطلق عليها علماء النفس ‪aggression crimes(‬ ؛)Micro ألنه ال يمكن رؤيتها، بل فقط الشعور بها لكونها -جدا صغيرة- «كفيروس» متناهي الصغر لكنه قاتل. فيحدث أن قد تنتفض فرحا من قشعريرة سرت فيك كالسحر األبيض حين تغتسل عيناك بالطهر حين تلحظ أمام الصرافات غرة كل شهر، طوابير العمال الذين يرسلون خالصة قطرات عرقهم وثمار جهودهم لذويهم في رسالة صامتة تجاهر بـ:«إنكم بأعيننا». أشياء ال ُتباع، و ِنعم لن ُتشترى، بل ُتهدى إلينا يوم ًيا فتثري إنسانيتنا وتخصب مروءتنا وبها تعاد مياه الحياة لجداول معنوياتنا. على الجانب اآلخر من وجه عملة الحياة، نقابل من يشعروننا بهذيان أرواحنا، وبضمور انسانيتنا، وكم من الضغائن تفوح منها رائحة طغيان تعتمر صدور حليقة من الغفران. ولكثر ما تفيض جعبة المنغصات وحقائب األزمات، فنشعر أنه ال يبقى في قوس الصبر منزع، سيما وإن كانت السهام مبهمة والرامي ملثم أو مستند على الرحم أو بالتباس المعنى «أخ، لم أكن أقصد، كنت أمزح». والمشكل أن الرماة يقذفون نبالهم باحترافية عجيبة، فيدمون ويصيبون دون ترك آية بصمات، فيما يطلق عليه علماء النفس جرائم «المايكرو اجريشن». فنحن بإزاء اعتداءات من الصعب مالحظتها، كأن يحاك ضدك مؤامرات إلنقاض ظهرك أو لدفعك لهاوية ثلجية أو لقتلك معنويا بمسدس كاتم للصوت لتشويه سمعتك، تصوبه لقلبك سيدة يعلو صوتها بالزغاريد فيما تطعنك بغمده من الخلف. وكأن يسمح إنسان لنفسه باستباحة قلبك، كما يستلذ بتجاهلك في إطار عالقة تأرجحك كرقاص الساعة. فتدعس بتجاهلك على من اهتم بحمل همومك، أي أنك -أيها الغبي- قد لقنته درسا مفاده أن بعض الناس لن تلحظ األمور التي تبذلها ألجلهم إال عندما تتوقف عن بذلها. كحماة تمعن في أذية كنتها فتخاطبها: «صحيح شكلك قبيح، لكن أخالقك تعوض قبح منظرك». أو سلفة تلسع صهرها بتعليق من نوعية أصحيح مات والدك ولم يترك لك ميراثا سوى سيارة؟ أو كأن تسمم بدن أحدهم بقولك أنت صحيح: فقير لكن نضيف قد يكون مبعث البهجة صارخا وإن كان صانع تلك البسمة أبكم لكن المؤسف أن يكون عدوك جعجاعا، أرن، لكنه يدمي بمسدس كاتم للصوت. قد تكون مصادر السعادة جلية لكن قليلين من يلحظونها أو يلمسونها، وكذا، قد تكون بواعث األحزان ناتجة من اعتداءات ج ًدا خفية ُرغم عمق إيذائها، فال تتفنن باإليذاء، كيال تجعلهم يندمون على اهتمامهم بك يوما. ال تجعل من نفسك خطأ أو ذنبا يرجى التوبة منه.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar