Al-Watan (Qatar)

العودة لسياسة االغتياالت

استراتيجية الكيان اإلسرائيلي لن تقف عند حدود القطاع أو الضفة الستهداف قيادة قوى المقاومة

- عربي بوست

تتطرق إلى الذهن عدة أسئلة أو استفسارات حول االستراتيج­ية «اإلسرائيلي­ة» في التعامل مع قوى المقاومة المتصاعدة داخل فلسطين وخارجها عموم ًا، وفي قطاع غزة خصوص ًا.. وال بد أن نقر بأنه ليس من السهل أن نفهم «استراتيجية» مكون أي فاعل سياسي أو أمني أو عسكري، أو حتى اقتصادي أو تكنولوجي، ما لم نفهم عمق مفهوم مصطلح «استراتيجية» ونضع ذاك المفهوم بمكانه الصحيح. كما أنه تكاد، ال بل من المستحيل، االطالع على خطط الدول والحكومات الطامحة لتكون في مقدمة الدول األكثر قوة أو ازدهار ًا أو تقدم ًا، ما لم نفهم ونتتبع استراتيجية تلك الدول وتحركها المنطلق من وسائل ربما تكون ناعمة أو خشنة. «االستراتيج­ية» بحسب معجم المصطلحات السياسية والدولية للدكتور حسين ظاهر، هي باألصل مفهوم يوناني، يعني «فن إدارة الحرب»، ولفظة »STRATEGUS« تعني القائد الحكيم، والخبير الذي يضع الخطط. وفي القاموس اإلنجليزي هي «فن استخدام الوسائل لتحقيق األغراض أو أي شيء». وهي في المحصلة «علم وفن استعمال الوسائل المتاحة، وفقا لخطة متكاملة لبلوغ هدف نهائي وتحقيق سياسة معينة». بعد معركة «سيف القدس» مايو/ أيار ،2021 التي كسرت كل قواعد االشتباك، وأربكت كل الحسابات، وكانت المقاومة الفلسطينية لها اليد العليا في إدارة المعركة، فقد نفذ االحتالل اإلسرائيلي عمليات اغتيال في سوريا، باإلضافة إلى جولتين من المعارك في قطاع غزة، يسميها االحتالل االسرائيلي – معارك ما بين الحروب – مستهدفًا القيادة العسكرية لحركة الجهاد اإلسالمي. األولى: في 5 أغسطس/ آب ،2022 حيث قام الجيش «اإلسرائيلي»، باغتيال «تيسير الجعبري» قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» في غزة، وجاءت هذه العملية نتيجة لحالة من التصعيد تبعت اعتقال القيادي البارز في الحركة في جنين بالضفة الغربية بسام السعدي واالعتداء عليه بوحشية. الثانية: في فجر الثالثاء، 9 مايو/ أيار ،2023 اغتال جيش االحتالل «اإلسرائيلي»، 3 من قادة «سرايا القدس» الذراع العسكرية لحركة الجهاد اإلسالمي في فلسطين، عبر سلسلة من الغارات والهجمات التي نفذتها الطائرات ال ُمس ّيرة االنتحارية في عدة مناطق في قطاع غزة بشكل مباغت، وحملت جولة التصعيد هذه اسم «درع ورمح» إسرائيليا، فيما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية في غرفة العمليات المشتركة، اسم «ثأر األحرار». الثالثة: في 19 مارس/ آذار ،2023 نفذ جهاز الموساد اإلسرائيلي عملية اغتيال أحد القيادات العسكرية لحركة الجهاد اإلسالمي في ريف العاصمة السورية دمشق، ونعت «سرايا القدس» الجناح العسكري للحركة، في سوريا، شهيدها «علي رمزي األسود» 31 عاما، عقب عملية اغتيال نفذها الموساد، وأكدت «سرايا القدس» أن مخابرات االحتالل قامت باغتيال «األسود»، بإطالق النار عليه. أمام هذه الوقائع الثالث، وبالرجوع إلى مفهوم «االستراتيج­ية» التي يمكن من خالل دراسة نمط الدولة اإلسرائيلي­ة من الخارج، يمكننا أن نلحظ استراتيجية إسرائيل في التعامل مع قوى المقاومة الفلسطينية: أوال: إعادة تفعيل استراتيجية سياسة االغتياالت لقادة المقاومة الفلسطينية، وبالتالي من المرجح أن نشهد عمليات اغتيال قادمة، وجوالت عسكرية أكثر فتكا وأكثر ضراوة في المشهد العام الفلسطيني، خاصة أن قوى المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني يتعامل مع حكومة صهيونية

شديدة التطرف. ثانيا: ال يبدو أن استراتيجية الحكومة الصهيونية المتبنية لعمليات االغتيال ستقف عند حدود قطاع غزة أو الضفة الغربية، إذ من الواضح أن لديها «بنك أهداف» الستهداف قيادة قوى المقاومة الفلسطينية بالخارج أيضا. منذ أن أطلقت قوى المقاومة 6 أبريل/ نيسان ،2023 صواريخ على شمال فلسطين المحتلة من جنوب لبنان، أتهم رئيس وزراء االحتالل «نتانياهو» قيادة حماس بالمسؤولية والوقوف وراء إطالق الصواريخ، وتعهد بالرد الصارم، مشيرا إلى أن «إسرائيل» لن تسمح لحماس ببناء قدرات عسكرية في لبنان وغيرها، ولذلك فإن الحظر واجب ومهم، خاصة أن قوى المقاومة تتعامل مع احتالل غادر يمكن أن ينفذ أي عملية أمنية غادرة على حين غرة، واألدلة والشواهد كثيرة سبق ذكر البعض منها. ثالثا: ما كشفته القناة 12 «اإلسرائيلي­ة» أن المنظومة األمنية كانت تعرف الغرف التي يقطن فيها قادة الجهاد اإلسالمي داخل شققهم، وأن المخابرات الجوية كانت ترصد القادة طوال الوقت عبر الطائرات من دون طيار، وأن المخابرات البشرية في غزة كانت على تواصل دائم مع جهاز الشاباك، وتم استخدام التقنيات الذكية والقدرات السيبرانية المتقدمة التي سمحت لـ«إسرائيل» بمعرفة مكان وجود قادة حركة الجهاد اإلسالمي. هذا ما يدلل على أن قوى المقاومة الفلسطينية أمام احتالل متفوق أمني ًا واستخبارات­ي ًا، ولديه من اإلمكانات والقدرات التي يستطيع من خاللها الوصول للهدف، وعليه أيضا فإن من غير الجائز االستهانة بإجراءات الحماية والتعقب لدى قادة المقاومة، وال يجوز بأي حال من األحوال التخفيف من حالة االستنفار والعودة إلى الروتين أو التراخي. صحيح أن حركة الجهاد اإلسالمي قد تأثرت بفعل االغتياالت المتزامنة وغير المتباعدة ألبرز قياداته العسكرية الميدانية، إال أن ذلك لن يثنيها ولن يثني قوى المقاومة الفلسطينية عن المضي قدما في تطوير قدراتها وتعلم الدروس والعبر مع كل جولة أو معركة. أحسب أن السيناريو األكثر خطورة الذي بدا حاضرا بقوة لدى المؤسسة األمنية العسكرية «اإلسرائيلي­ة» بعد انتهاء المواجهة العسكرية األخيرة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هو دخول جولة قتال جديدة مباشرة مع حركة «حماس» تمتد فيها المواجهة إلى جبهات أخرى، وهو سيناريو واضح، ألنه سيشكل أحد أهم التحديات لدى المنظومة اإلسرائيلي­ة، والتي تأخذها في الحسبان ضمن مسار استراتيجي طويل األمد.

 ?? ?? محمد يوسف أبو ليلى باحث في الشأن الفلسطيني
محمد يوسف أبو ليلى باحث في الشأن الفلسطيني

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar