صلة األرحام واجب من واجبات الدين
لها عواقب حميدة على البار ووخيمة على العاق بها تقوى المودة وتزداد المحبة وتشتد عرى القرابة
أوضح فضيلة الشيخ د. ثقيل الشمري خالل خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع اإلمام أن صلة األرحام واجب من واجبات الدين، به تقوى المودة وتزداد المحبة وتشتد عرى القرابة وتزول العداوة والبغضاء، وقد حض الله سبحانه وتعالى على بر الوالدين وصلة األرحام، فقال «واتقوا الله الذي تساءلون به واألرحام إن الله كان عليكم رقيبا»، وقال «وآت ذا القربى حقه»، وقال: «واعبدوا الله وال تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى».
روى أبو داوود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل، قال الله تعالى «أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته أو قال بتته» والرحم عباد الله هو من تتصل بهم بنسب وقرابة كاآلباء واألمهات واألخوة واألخوات واألجداد والجدات واألعمام والعمات واألخوال والخاالت فاألقرب فاألقرب، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عمن يبر أو عن من هو األولى بصلته وبره، فقال: «يا رسول الله، من أبر؟ فقال أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك» وبر الوالدين قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث في البر ألن حق الوالدين من الواجبات الشرعية وتقديرا لفضلهما ورعاية إلحسانهما وصى الله تعالى بهما، فقال «وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه وبالوالدين إحسانا» وقال تعالى «ووصينا اإلنسان بوالديه إحسانا». وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من عقوق الوالدين بل قرنه مع الشرك في عظم الذنب والقبح قال صلى الله عليه وسلم «أال أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - أي أكبر الذنوب العظيمة عند الله - قالوا
بلى يا رسول الله، قال اإلشراك بالله وعقوق الوالدين.. إلى آخر ما جاء في الحديث، وهذا يدل على أن عقوق الوالدين من الذنوب العظيمة القبيحة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث اآلخر» رغم أنفه، يكررها ثالثا رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ يتساءل الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الذي تدعو عليه بأن يلتصق أنفه بالتراب، الرغام هو التراب؟ رغم أنفه يدعو عليه، أو يخبر عن حاله أنه سيكون حقيرا ذليال، قيل من يا رسول الله؟ قال من أدرك والديه أحدهما أو كالهما عند الكبر ولم يدخل الجنة، كأنه موسم لك أيها االبن البار بوالديه تضيعه وتخسر عندما ال تبرهما أو أحدهما، وقال صلى الله عليه وسلم «إن الله حرم عليكم عقوق األمهات» وخص األمهات هنا ألن األم في الغالب هي الجانب األضعف أو الجانب الضعيف، وألن لعقوق األمهات ميزة في القبح، إن الله حرم عليكم عقوق األمهات وانظروا إلى حال من يعق أمه، كيف تعق أمك أيها العاق بها؟ وقد حملتك طويال وتحملت وقاست عند وضعك ألما شديدا وكان صبرها عليك جميال وكانت تبذل لك كل شيء ما استطاعت إلى ذلك سبيال، كم جرعتك حلوا؟ وجرعتها مرا، «وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا». وأكد الخطيب ان بر الوالدين وصلة األرحام له عواقب حميدة على البار، وله عواقب وخيمة على العاق، فمن عواقبه الحميدة أن البر من اإليمان، وال يتصف بالبر إال المؤمن كامل اإليمان قال صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم اآلخر فليصل رحمه»، ومن عواقب البر الحميدة أنه سبب للبركة في العمر والبركة في الرزق يقول صلى الله عليه وسلم «من أحب أن يبسط له في رزقه - أي يوسع له فيه ويبارك له فيه - وينسأ له في أثره - أن يبارك في عمره- فليصل رحمه»، وصلة الرحم من الصلة بالله عز وجل قالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم «الرحم متعلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله»، فالواصل موصول من الله، والقاطع مقطوع عن الله وعن الرحمة وعن كل خير، من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله. وذكر الشيخ ثقيل الشمري أن صلة األرحام من األخالق الحميدة التي كان يتصف بها النبي صلى الله عليه وسلم
ويأمر بها، وكان كفار قريش عندما يذكرون من أخالق النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر أبو سفيان لملك الروم أن من صفات صلى الله عليه وسلم، أنه كان يأمر بصلة الرحم، وعبد الله ابن سالم رضي الله عنه قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أي في هجرته إلى المدينة انجفل إليه الناس، أي خرجوا إليه مسرعين، قال فانجفلت مع من جفل، أي أسرعت مع الناس التي تسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون قدم محمد، قدم محمد صلى الله عليه وسلم، قال فلما تثبت من وجهه، علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، لما في وجهه صلى الله عليه وسلم من النور والجالل والكمال والعزة والرحمة والهيبة، قال علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، ثم قال -أي النبي صلى الله عليه وسلم- أيها الناس نداء للذين استقبلوه، أيها الناس من أجل أن يتنبه المتلقون لما سيقوله صلى الله عليه وسلم أيها الناس: أفشوا السالم وهذا من قيم اإلسالم الراقية، أفشوا السالم، أي انشروه بينكم، وأكثروا منه، أفشوا السالم دليل على أن هذا الدين، وهذا النبي هو دين الرحمة والسالم.
وقال الخطيب إن إفشاء السالم له مردود طيب على النفوس، فأنت إذا رأيت إنسانا يمر عليك ويسلم، يكون له تقديرا في نفسك، وإذا؟ مر عليك إنسانا ال يسلم تقول إن هذا فيه وفيه، أو أنك تحب هذا المسلم عليك، أفشوا السالم وأطعموا الطعام أي بالبر واإلحسان، واإلكرام والصدقات وغيرها، وصلوا األرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسالم، فدل هذا على أن من أسباب دخول الجنة. صلة الرحم، وكذلك من أسباب العذاب العاجل في الدنيا قطيعة الرحم، روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العذاب في الدنيا، مع ما يدخر له في اآلخرة من البغي وقطيعة الرحم»، البغي وقطيعة الرحم من أسباب تعجيل العذاب. ولفت الشيخ د. ثقيل الشمري إلى أن من األمور التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن لكي يكون مستجاب الدعوة الرزق الحالل، والمكسب الحالل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة»، فدل هذا على أن من يكسبون المكاسب الخبيثة ويكسبون المال الحرام من الربا ومن الغش ومن بيع المحرمات والمخدرات وغيرها فإن هذه المكاسب الخبيثة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «رب اشعث أغبر - هذا اإلنسان الذي أتعبه طول السفر يرفع يديه إلى ربه يقول يا رب يا رب أنى يستجاب له ومطعمه حرام ومشربه حرام»، أنى يستجاب لهذا الشخص الذي يسلك هذا السلوك مع الله سبحانه وتعالى، فإن اإلنسان يبغي أن يكسب المكاسب الحالل من أجل أن يكون مستجاب الدعوة، وأوصت صالحة زوجها تقول له يا هذا اتق الله في رزقنا فإننا نصبر على الجوع وال نصبر على النار، الناس الذين يتقون الله تبارك وتعالى يحرصون على اللقمة الحالل وال يكسبونها من محرم وليعلموا أن المال الحرام سبب من أسباب موانع الدعاء وسبب من ألوان العذاب وسبب من أسباب قلة البركة، فالذين يأخذون أموال الناس بالسرقة والغش والتحايل أو الغصب أو غير ذلك من المكاسب، كلها مكاسب محرمة، فاألمة التي ال تتواصل في أرحامها وال تكسب من حاللها فإنها مجتمعات مختلة، ونحن بحاجة ألن تعود هذه األمة إلى منابعها األصلية وإلى هدي نبيها صلى الله عليه وسلم لكي تكون هذه المجتمعات مجتمعات صالحة فيها التواصل والتراحم واإلكرام والصدقات والصلة وكل ذلك عن طيب نفس ومن حالل.