Al-Watan (Qatar)

نهج المقاومة هو األمل والحل

- - alhewar@alhewar.com صبحي غندور مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

يوم 25 أيار/ مايو عام ،2000 كان يوم ذل ومهانة إلسرائيل ولجيشها ولعمالئها في الشريط الحدودي مع لبنان. لكن هذا اليوم كان من دون أي شك، يوم كرامة واعتزاز لدى عموم اللبنانيين والعرب في أوطانهم، كما في أي بقعة من األرض تواجدوا فيها. كان درس المقاومة في لبنان مه ّم ًا لك ّل العرب: فبعد سنوات من مراهنات وحيدة على «عملية السالم» خالل عقد التسعينات، وعلى المفاوضات مع إسرائيل منذ توقيع معاهدات «كامب ديفيد»، وعلى تطبيع العالقات معها قبل استرجاع الحقوق العربية وقبل حل جوهر الصراع، أي القضية الفلسطينية.. جاء درس المقاومة اللبنانية ليؤ ّكد أ ّن «الحرية تؤخذ وال ُتعطى»، وبأ ّن «الح ّق بغير ق ّو ٍة تدعمه هو حق ضائع». فالحق اللبناني بتنفيذ قرار مجلس األمن رقم 425 الصادر في العام ،1978 كان عمره أكثر من 22 عاما، لكن إسرائيل لم تستجب إلى هذا «الحق اللبناني» المدعوم بالشرعية الدولية إال حينما رافقت هذا الح ّق ق ّوة المقاومة لالحتالل، هذه المقاومة التي استندت أيض ًا إلى ق ّوة نهج العطاء والتضحية والبناء التنظيمي السليم، والى قوة التضامن الوطني اللبناني الشامل معها وحولها على المستويين الشعبي والرسمي. أيضا، استفادت هذه المقاومة من دعم أنصار هذا الح ّق عربي ًا وإقليمي ًا ث ّم التضامن العربي معها الذي تجلى بصورة واضحة خالل شهر آذار/مارس عام ،2000 حينما تضافر العرب عموما بالوقوف مع لبنان ومع حقه بالمقاومة المشروعة، بعدما حصل في هذا الشهر من عدوان إسرائيلي كبير على لبنان ومنشآته والبنى التحتية فيه. لقد خرجت أصوات وكتابات لبنانية بعد عدوان آذار/ مارس 2000 على لبنان تطالب بتسريح المقاومة اللبنانية وبعدم جدواها وبأ ّنها تك ّلف تضحيا ٍت كثيرة للبنان وشعبه، وترافقت هذه الحملة آنذاك مع تصريحات أميركية وفرنسية وإسرائيلية تصف المقاومة باإلرهاب.. لكن جاء يوم 25 أيار/ مايو 2000 فكان شرف ًا عظيم ًا للبنان ولمقاومته الوطنية بأن يحصل االنسحاب اإلسرائيلي دون اتفاق أو مفاوضات تحفظ ماء وجه المحتل حينما ينسحب، كما حدث على جبهات عربية أخرى. ولقد راهنت إسرائيل على أن انسحابها المفاجئ والسريع سيكون حالة مشابهة لما حدث بعد انسحابها من الجبل اللبناني عام ،1983 حيث استتبع االنسحاب معارك عسكرية واسعة بين األطراف اللبنانية المسلحة هناك، وبطابع طائفي دفع لبنان ثمن ًا غالي ًا له. لكن كل هذه المراهنات اإلسرائيلي­ة سقطت. وقد أضاف األداء السليم للمقاومة في التعامل مع لحظة االنسحاب اإلسرائيلي السريع والمفاجئ إلى ما حققته المقاومة من رصي ٍد هام ج ّدا على صعيد العمليات العسكرية، حيث حرصت هذه المقاومة على االستفادة من سلبيات تجارب أخرى حصلت في لبنان والمنطقة والعالم، إذ حرصت المقاومة اللبنانية على حصر عملياتها في األرض اللبنانية المحتلة ولم تذهب في عملياتها إلى عواصم العالم ومؤسساته المدنية، بل حتى لم تسمح بقتل بعض المدنيين في الشريط الحدودي رغم تعاونهم مع إسرائيل. كذلك حرصت المقاومة اللبنانية على التأكيد أن االنتصار هو لك ّل اللبنانيين ولك ّل المناطق ولكل الطوائف. إ ّن سالح المقاومة لم يح ّرر لبنان فقط من االحتالل اإلسرائيلي، بل كان له الفضل فيما يشير اآلن البعض إليه من أهمية السيادة اللبنانية على كل األراضي اللبنانية. فإنهاء االحتالل اإلسرائيلي كان هو المدخل لسحب القوات السورية على مراحل، ثم إنسحابها الكامل من لبنان تنفيذ ًا ال ّتفاق الطائف، ث ّم هل كان ممكن ًا مطالبة المسلحين الفلسطينيي­ن بعدم االنتشار المسلح خارج المخيمات لو كانت هناك قوات إسرائيلية محتلة في مناطق هذه المخيمات؟.. ما بعد التحرير! إن الهزيمة العسكرية اإلسرائيلي­ة في لبنان لم تكن هزيمة كاملة للمشروع الصهيوني فيه، فإسرائيل لم ولن تتراجع عن مشروعها الهادف إلى تقسيم لبنان وكل المنطقة العربية، وتشجيع الصراعات المحلية المسلحة والحروب األهلية فيها. لقد كانت السنوات الماضية حافلة بالتط ّورات والمتغ ّيرات اللبنانية والعربية والدولية. وكم هو مؤسف الحال اليوم، مع ظهور تصدع بوحدة عناصر كثيرة (لبنانية وعربية وإقليمية) كانت في العام 2000 وراء االنتصار على االحتالل اإلسرائيلي!. مشعل المقاومة ضد االحتالل اإلسرائيلي، الذي قد تحمله هذه الجهة أو تلك، ال يجب أن يخمد أبدا، فالحفاظ على نهج المقاومة هو تأكيد لمقولة (األرض مقابل المقاومة) بعدما ثبت فشل المقوالت األخرى، وفي هذا األمر أيضا إعادة الحيوية لنهج تحتاجه اآلن المنطقة العربية، خاصة على صعيد القضية الفلسطينية، وهو نهج رفض الذل والهوان مع العدو اإلسرائيلي، نهج يقدر على استعادة األرض والكرامة. نهج يضع خ ّط ًا فاص ًال بين اليأس من واقع المفاوضات، وبين اليأس من إمكان تحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. هذه هي دروس تجارب المقاومتين اللبنانية والفلسطيني­ة معا، وهذا هو نهج المقاومة، الذي يعني أو ًال وأخير ًا رفض التراوح في المكان نفسه، فيتح ّرك بإقدا ٍم وصب ٍر وعزيم ٍة وثقة بالله وبالنفس، وينتصر رغم حجم الخسائر والتحديات.

سالح المقاومة لم يحرر لبنان فقط من االحتالل بل كان له الفضل في أهمية السيادة على كل األراضي اللبنانية

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar