Al-Watan (Qatar)

وعد المليـون قـــــــذي­فـــــــــ­ـة

-

تواجه أوكرانيا نقصًا حادًا في الذخيرة وقذائف المدفعية، ووعدت أوروبا بتقديم مليون قذيفة مدفعية خالل عام ،2023 فما مدى قدرة داعمي كييف على االلتزام؟ وكيف يؤثر ذلك على التقدم الروسي في ساحة المعركة؟ وتصف روسيا الحرب في أوكرانيا بأنها «عملية عسكرية خاصة»، بينما يصفها الغرب بأنها «غزو عدواني غير مبرر»، لكن بعيدا عن التسمية، فتلك الحرب التي اندلعت في فبراير/ شباط ،2022 وال تبدو لها نهاية وشيكة، يدفع العالم بأسره ثمنًا باهظًا لها. ورغم ذلك يبدو أن طرفيها، سواء روسيا أو الغرب، يستعدان الستمرارها على المدى القصير والمتوسط، وبالتالي، فإن توفير األسلحة والذخيرة يمثل الهم األكبر للطرفين، وهكذا قدم المعسكر الداعم ألوكرانيا، أي أميركا وأوروبا، تعهدات بإرسال مزيد من األسلحة الثقيلة لمساعدة كييف على الصمود أمام تقدم موسكو.

أوروبا ووعد المليون قذيفة

ومن هذه التعهدات، يبرز الوعد األوروبي لكييف بتوفير مليون قذيفة مدفعية خالل العام الجاري ،2023 فما مدى واقعية هذا الوعد؟ صحيفة نيويورك تايمزاألمر­يكية نشرت تقريرا يرصد اإلجابة. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، تعمل األذرع اآللية العمالقة والسخانات عالية التقنية على قدٍم وساٍق في واحد من أكبر مصانع الذخيرة في أوروبا؛ من أجل إنتاج قذائف المدفعية عيار 155 ملم التي تشتد الحاجة إليها. وإذا سارت األمور وفقا لما خطط لها، سوف تنتج الشركة األم لهذا المصنع، وهي شركة ،Nammo ما يصل إلى 200 ألف قذيفة سنويا بحلول عام ،2028 أي 20 ضعف حجم اإلنتاج قبل الحرب. لكن هذه الكمية لن تقترب حتى من عتبة الكفاية -ولن تصير كافية في أي وقت قريب- في حين أن القوات األوكرانية تقول إنها تحتاج إلى 250 ألف قذيفة في المتوسط من قذائف عيار 155 ملم كل شهر، للتصدي للتقدم الروسي. وفي واقع األمر، يبقى اإلنتاج اإلجمالي المشترك للـ 11 مصنعا التي تصنع هذه القذائف في أوروبا، أقل بكثير من الوفاء باالحتياجا­ت الماسة ألوكرانيا. إنها مشكلة يتردد صداها حول أنحاء الدول األعضاء في منظمة حلف شمال األطلسي (الناتو)، إذ إن مرور أكثر من ثالثة عقود على نهاية الحرب الباردة دفع كثيرا من هذه الدول إلى تقليص اإلنفاق العسكري إلى أدنى مستوى له لمنح أولوية إلى سخاء اإلنفاق على الرفاه االجتماعي. واآلن، في ظل الصعوبات التي تواجه حتى الواليات المتحدة من أجل الوفاء بمطالب منظومات التسليح والمواد األخرى، يطرح المسؤولون والمحللون تساؤال على نحو متزايد حول ما إذا كانت أوروبا سوف تنجح في توسيع نطاق إنتاجها بقطاع الصناعات العسكرية المنكمش، وبدرجة تكفي إلمداد أوكرانيا بالمساعدات التي تحتاجها. اإلجابة هي كال، على ما يبدو، أو على األقل على المدى القصير. يأمل حلفاء الناتو في الوفاء باحتياجات أوكرانيا اآلنية من المخازن التي لديهم في بالدهم ومن خارج البالد في الوقت الراهن، بينما يسابقون الوقت لزيادة اإلنتاج بأقصى ما يمكنهم كي يكونوا على أهبة االستعداد في حال طال أمد الحرب لسنوات.

معوقات التصنيع العسكري

مورتن برانتزايغ، الرئيس التنفيذي لشركة ،Nammo قال في تصريحات للصحفيين: «إنها حرب تتعلق بالقدرة الصناعية اآلن، ليس من أجل مساعدة أوكرانيا وحسب، بل أيضا إلعادة بناء المخزون». وقد أدلى بهذا التصريح من واشنطن، حيث كان يلتقي بمسؤولين في الكونغرس األميركي في وزارة الدفاع األميركية (البنتاغون). وأوضح برانتزايغ: «أعتقد أنه كان ال بد لنا أن نستوعب األمر بهذه الطريقة من قبل، وأن نتحرك بهذه الطريقة من قبل، لكننا حيث ما نحن عليه اآلن»، مضيفا أنه كان «مسارا أطول في أوروبا» لدفع البالد نحو إعادة بناء الصناعة بما يضاهي نظيرتها في الواليات المتحدة، التي وصفها بأنها «أقل حمائية» وأقرب إلى كونها ذات «نظرة طويلة األجل على السوق». وافق االتحاد األوروبي في شهر مارس/آذار 2023 على إنفاق ما يصل إلى 2.14 مليار دوالر للمساعدة في تسليم أوكرانيا مليون قذيفة عيار 155 ملم في غضون 12 شهرا، وهي نقطة مرجعية استوفتها الواليات المتحدة بالفعل، في ظل وجود مخزوناتها األقوى ونظم التمويل األكثر انسيابية، لكن أوروبا سوف يجب عليها أن تجتهد بشدة لتحقيقها. قال غابريليوس الندسبيرجي­س، وزير الخارجية الليتواني، وأحد أقوى مناصري مساعدة أوكرانيا: «ثمة احتمالية بأننا لن نتمكن من الوصول إليها». وسوف يعتمد هذا األمر بدرجة كبيرة على شركة ،Nammo التي تعد واحدة من أكبر مصنعي القذائف في القارة العجوز. تقع المقار الرئيسية لشركة Nammo على بعد ساعة واحدة شمال العاصمة النرويجية أوسلو. وتعد هذه الشركة ذات ملكية مشتركة بين الحكومة النرويجية وشركة دفاع، هي ذاتها في غالبيتها مملوكة لفنلندا. وتنتج Nammo الذخائر في 9 دول أوروبية، باإلضافة إلى الواليات المتحدة، وتخزنها فيها، وتتطلع نحو توسيع مستوى إنتاجها في كلتا القارتين. لكن مسؤوليها التنفيذيين تعطلت خططهم بصفة متكررة بسبب إحجام عديد من البالد عن االلتزام بالزيادات الكبيرة في اإلنفاق العسكري. قال برانتزايغ للصحيفة األميركية: «توجد قرارات عاجلة مطلوبة من البالد، أن تكون مستعدة لتمويل هذه القدرات الصناعية الهائلة المطلوبة». وشدد على أن ذلك «مستحيل» تحقيقه بدون عقود طويلة األجل. ينطبق هذا األمر بشكل خاص على قذائف المدفعية عيار 155 ملم، التي كانت ضمن أول األشياء التي قلصتها البالد األوروبية من موازناتها الدفاعية عقب الحرب الباردة. على سبيل المثال، لم تطلب النرويج أيا منها من شركة Nammo منذ تسعينيات القرن الماضي.

ما مشكلة إنتاج قذائف المدافع التي تحتاجها أوكرانيا؟

كشفت مجموعة من وثائق البنتاغون السرية، التي ُنشرت مؤخرًا على وسائل التواصل االجتماعي، عن أن مسؤولي كوريا الجنوبية «أشاروا إلى احتمالية» بيع 330 ألف قذيفة مدفعية إلى بولندا، بعد مواجهة ضغوط من واشنطن، لكن مثل هذه الصفقة، في حال مضيها قدما، لن تقدم إال نسبة بسيطة من القوة النارية المطلوبة. كما عززت النرويج وضعها عن طريق طلب ما قدره مسؤولو الصناعة بـ 35 ألف قذيفة 155 ملم، مقابل مبلغ إجمالي يصل إلى 408 ماليين دوالر. وقال مسؤولو شركة ،Nammo الذين لن يكشفوا عن إنتاج الشركة الحالي من قذائف 155 ملم ألسباب أمنية وتنافسية، إن النرويج كانت تطلب منهم إنتاجا تبلغ قيمته في حدود «عشرات اآلالف» من الدوالرات. ومع ذلك، قال برانتزايغ إنهم سوف يستغرقون ما ال يقل عن 3 سنوات من أجل الوفاء بطلب النرويج، الذي ال يزال في مرحلة المفاوضات ولم تدفع الحكومة بعد أية أموال متعلقة به. باعت شركة Nammo على مدار السنوات كميات مستمرة، لكنها قليلة، من الذخيرة إلى شمال أوروبا والواليات المتحدة. ولكن، مثل الصناعات الدفاعية األخرى، كانت تفتقر بشكل مؤسف إلى الموارد المطلوبة للوفاء بالطلب الهائل في أعقاب اندالع الحرب في أوكرانيا. وخالل العام الماضي، كانت الشركة تشتري المزيد من المعادن، والمتفجرات الالزمة لدفع القذائف، والمواد األخرى المستخدمة في إنتاج مزيد من القذائف. لكن بناءها يتطلب مزيدا من الروبوتات وآالت التصنيع األخرى، التي سوف تسلم أولى مراحلها إلى مصنع روفوس في يونيو/حزيران، بعد أن وسع المصنع من مساحته األرضية في مايو/أيار الماضي إليوائها. وإلى أن يحدث ذلك، سوف يبقى معدل اإلنتاج «طبيعيًا نوعًا ما»، حسبما قال آرني بوريسين، العامل المخضرم منذ 30 عاما في شركة ،Nammo الذي يشرف على أحد خطوط تجميع قذائف المدفعية 155 ملم في قرية روفوس بالنرويج. تشّيد الشركة مصنعًا جديدًا أكبر إلنتاج قذائف 155 ملم، لكنه لن يستكمل قبل أواخر عام .2024 ولكن حتى في ذلك الحين، سوف تكون هناك حاجة إلى مزيد من العمال لتشغيل اآلالت، وذلك وفقا لبوريسين، الذي أوضح أنه ال يزال هناك تحٍد متمثٌل في تعيين األشخاص ذوي الخبرات الهندسية، أو المهارات األخرى الضرورية لإلشراف على تجميع األسلحة ذات التقنية العالية. كذلك تواجه شركة Nammo تحديات أحدث على صعيد إنتاجها المستقبلي: التي تتمثل في التنافس المحتمل مع تطبيق تيك توك على إمدادات الطاقة المتاحة جنوب النرويج، بعد أن انتقل تطبيق مشاركة الفيديوهات الشهير إلى منشأة تخزين بيانات قريبة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني. أغضب هذا برانتزايغ، الذي قال إن تخصيص الطاقة العامة يخاطر بـ«منح أولوية إلى فيديوهات القطط مقابل مشروعات الدفاع التي تشتد الحاجة إليها». ينكر سفاين أتل هاجاسيث، الرئيس التنفيذي لشركة ‪Green Mountain Data‬ Centers لمراكز البيانات، التي تؤجر منشأة تخزين البيانات إلى تيك توك، أن تكون المنشاة مصدر تهديد لشركة ،Nammo قائال إن المنطقة لديها اآلن فائض في الطاقة. وقال المسؤولون التنفيذيون في الصناعات الدفاعية إنه في ضوء النقص المشهود في الذخيرة، فإن شركات الصناعات الدفاعية تحشد الموارد أمال في تسريع وتيرة اإلنتاج. قال دومينيك جيليت، وهو نائب رئيس تنفيذي في شركة Nexter الفرنسية، إن شركته وسعت مدى يوم العمل بالنسبة للموظفين، ليصير 3 نوبات، بعد أن كان نوبة واحدة، لمواكبة الطلبات في وقت الحرب. تبني شركة Nexter هي األخرى قذائف عيار 155 ملم المضادة للدبابات وذخيرة الدفاعات الجوية، لكنها تحتاج إلى قطع غيار وتوريدات إذا أرادت مضاعفة إنتاجها، وهو ما جلب جيليت إلى شركة Nammo في األسبوع الماضي للحصول على بعض المساعدة من أحد المنافسين. قال جيليت إن روسيا عندما بدأت الهجوم، «اعتقد الجميع أن األمر لن يطول». ولكن بعد مرور أكثر من سنة، «تتغير األمور حقا»، في إطار ما وصفه بـ «النظام البيئي» لصناعة الذخيرة في أوروبا، وأوضح جيليت: «يعرف الجميع أننا متنافسون، أحيانا، لكننا شركاء أيض ًا بالنسبة لبعض أجزاء المكونات». بدا بوريسين، عامل شركة Nammo المخضرم، متعجال في األسبوع الماضي عندما كان ينظر إلى طاولة تحتوي على القذائف الفضية الالمعة التي تنتظر تعبئتها بالمتفجرات. قال بوريسين: «ثمة حرب اآلن، لكن قدرات إنتاج األشياء التي على هذه الشاكلة تتالءم مع (أوقات) السلم».

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar