Al-Watan (Qatar)

اإلسالم وحق التعاقد االجتماعي في الدولة الحديثة

- باحث عربي مستقل رئيس المركز الكندي لالستشارات الفكرية

من أين تبدأ رحلة تنظيم الدولة والمجتمع، في الكيانات الوطنية المعاصرة؟ ُنذّكر هنا بأن الرحلة الغربية، تقوم على مفهوم مشترك في البحث عن المصلحة لعضو الجماعة الوطنية، فهل هي حكر على الدولة المدنية الحديثة، أم أي إطار لجغرافيا وطن، أو حتى والية، وماذا لو كانت أمة، مترامية األطراف، أين ُيشّكل فيها، مفهوم التعاقد االجتماعي، بمعناه في تحقيق المصلحة لذوات األفراد للمجتمع معا، ال نجد في ذلك أي غضاضة في نصوص التشريع اإلسالمي ومقاصده. والقول إن في اإلسالم بالغ تعبد ديني محض، ال يتعارض مع نظم الدولة ودسترتها، من حيث تحقيق هذه المصلحة، مادامت متفقة مع الوحي، فالعبادة كمقصد لها روحها األصلية في النظم الدنيوية في اإلسالم، كما أن (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) هو أصل قطعي تنظم عليه وسائط الحقوق للشعوب، وهو أرضية صلبة لمفهوم التعاقد االجتماعي. ومن هنا نفهم معنى استدعاء روسو ومن قبله لألسرة، في بنية التنظيم االجتماعي للدولة، فهنا زوجة وأوالد وهناك شعب، وهنا سيد قائد لمنزله، وهناك زعيم ذو سيادة تنفيذية على شعبه، وأول منطلق تصحيحي، هو أن السيد القائد لمنزله، هو ذو سيادة رعوية تربوية، ال تقوم في األصل على تعاقد بل على بذل وتضحية. ولذلك هو في اإلسالم راع ألسرته، كما أن الزوجة راعية في بيتها، فهي مسؤولية تربوية أخالقية، وإن تعاقد الناس عليها بنا ًء على فطرتهم، وليست نظام ًا مادي ًا شرطيا، فهنا خلل أساسي في علم االجتماع الغربي، ارتد بعد ذلك بصورة عكسية ضد مفاهيم األسرة وانسجامها. والمفهوم الرعوي هنا هو منهج أخالقي ُيحّفز الذات على اإلحسان، كل وركنه في المنزل، وليس مسلكا قانونيا صراعيا، فإن اختلت مسؤولية كل من اآلباء تجاه بنيهم، واألبناء تجاه آبائهم، أعيد األمر إلى منظومة القضاء التي ُترّجح اإلحسان وتحفز عليه، ومنه مسؤولية األبناء بعد عجز بنيهم، عن رعايتهم ونفقتهم، هذا ركن ملغي كليا في الحياة الغربية وتشريعاتها، حيث يوضع األب في مسؤولية التكليف التعاقدي، قبل البلوغ حيث يقول روسو: (ثم يعود األطفال وبنيهم بالتساوي معه بعد البلوغ، ويحلون

من الطاعة الواجبة عليهم). مبدأ مادي صراعي صرف، أسس له روسو وهو ُيشّرع لمنظومة قوانين، ُتنظم عالقات الصراع بين الدولة والمجتمع وبين المجتمع ذاته، وهو هنا يريد أن يكرس لمفهوم السيادة، هذه السيادة للحر البالغ وكل إنسان يولد حرا، ولكن ال تؤسس حريته على منابذة أبيه، أو إعالن التساوي التعاقدي معه في منزل األسرة. إذ أن مفهوم السيادة يحضر في البيان العام للحق السياسي واالقتصادي والثروة المكتسبة، وال َيلزم منه أن ُيربط بفصل االبن عن أبيه أو البنت عن أبويها، وإعالنه فردًا مستقًال في مواجهتهم، وكون الفرد ينشأ بعد بلوغه ويستقل بآرائه وحتى إدارة شؤونه وعائلته، ال يلزم منه جعل هذا المدار شرطُا أو تكييفا تعاقديا قانونيًا، وكل من انحرف عن الجادة ومسؤولية الفطرة، ُيقّوُم بنظام العدل التشريعي، هذا القانون يفترق في المعرفة اإلسالمية، في األسرة، عن الصراع المادي المصنوع في التشريع القانوني االجتماعي. عبر روسو بعد هذه المقدمة في مفهوم السيادة الفردية، إلى اإلطار المرجعي للتعاقد، وانتقد مفهوم غروسيوس وهوبز، كونهما نظما السلطة عبر التبعية ال الحقوق، وحدد في الفصل الثاني لعقده االجتماعي، مدار النقد كونه يترك مساحة، إلعالن أن الناس ليسوا متساوين، وأن الطبيعة بحسب عقيدة ارسطو السياسية، تضمن في األصل أن يولد البشر غير متساوين، فمنهم من يكون مؤهال للعبودية، ومنهم للسيادة، وهذا تعقُب مبّكر لروسو مع كون هوبز، وهذا التعقب النقدي يوصله روسو لمبادئ االمبراطور الروماني كليغوال. يهمنا هنا أن النقطة المفصلية التي يشير لها روسو، وهي سؤال التساوي في الحقوق، عادت عند حشود ضخمة من فالسفة الغرب، لتطبق نظرية (القطعان) حسب ما أسماه روسو على الشعوب المستعمرة، والذي لم يتطرق لهم روسو مطلقا هنا، ولكنه وجد أن في أصل االنطالق الفلسفي اللبرالي، توجد معضلة تمييز أصلية، في رحلة البحث عن أصل المنفعة، في تحقيق نظام التعاقد بين الدولة والمجتمع، فمن باب أولى بروزها في التعامل مع بقية األمم (الدونية) في تصنيف الغرب الحديث. ولم أجد لدى روسو انتكاسة يدان بها، في هذا المضمار، بحيث يقلب احتجاجه عليه، لو كان قد تورط بدعم أي تشريعات أو حروب ضد عالم الجنوب، بحكم دونيتهم، وهذه نقطة تحسب لروسو، وتساعدني في تبرير انتخابه، كنموذج لرحلة االستغراب في العمران االجتماعي والتعاقد الدستوري للغرب.

مهنا الحبيل

mohanahuba­il@hotmail.com

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar