Al-Watan (Qatar)

رفـح.. كارثة إنسـانية معلنة

ترحيل النازحين إلى أين؟ ترحيل النازحين إلى أين؟ الترحيل الثالث إلى المواصي؟ شواهد على معاناة إنسانية ال تحتمل مناورة أو جزء من مشروع اإلبادة ؟

-

ماهر الشريف

وما أن صدر تصريح بنيامين نتانياهو المذكور حتى توالت المواقف اإلقليمية والدولية المحذرة من مخاطر وقوع كارثة إنسانية في محافظة رفح في حال قيام جيش االحتالل بشن هجوم واسع النطاق عليها، وال سيما بعد أن تحولت المحافظة، الواقعة على الحدود المغلقة مع مصر، إلى «مخيم مؤقت ضخم»، وإلى المدخل الرئيسي للمساعدات اإلنسانية، التي ال تزال غير كافية. فخالل األشهر األربعة الفائتة، نزح إليها أكثر من مليون فلسطيني وفلسطينية، أي ما يقرب من نصف إجمالي سكان قطاع غزة، وخمسة أضعاف عدد سكانها قبل بدء الحرب اإلسرائيلي­ة على القطاع في تشرين األول أكتوبر الماضي. 1.4 59 /

في التاسع من هذا الشهر، قال بنيامين نتانياهو: «إن المدنيين المحتشدين في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، سيتمكنون من إخالء المكان قبل أن يبدأ الجيش اإلسرائيلي عملياته هناك»، بحسب ما أوردت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل». لكن ديوانه لم يقدم أي تفاصيل حول الموعد الذي يمكن أن تتم فيه عمليات اإلجالء، وال اليوم الذي يمكن للجيش اإلسرائيلي دخول المدينة فيه، وال المكان الذي يمكن أن يستقر فيه هؤالء (النازحون)، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، التي أضافت أن «حوالي مليون فلسطيني لجأوا إلى رفح بعد أن اجتاح الجيش اإلسرائيلي غزة وأمر السكان بإخالء األجزاء الشمالية والوسطى من القطاع»، بحيث «انتقل العديد من األشخاص عدة مرات خالل األشهر األربعة الماضية»، وهم يقولون إنه «لم يعد هناك مكان يذهبون إليه في غزة، وإن العثور على ما يكفي من الغذاء والماء والدواء أصبح صراع ًا يومي ًا». وبينما حذرت وزارة الخارجية األميركية من أن «تنفيذ مثل هذه العملية اآلن (في رفح) من دون تخطيط ومن دون تفكير، في منطقة تضم مليون نسمة، سيكون كارثة»، أشارت صحيفة «التايمز» البريطانية إلى أن رئيس الوزراء اإلسرائيلي «ال يهتم كثيرا بالمخاوف األميركية»، ذلك إنه بين خيار«مواجهة الدعوات لضبط النفس من الواليات المتحدة»، وخيار«المطالبة بمزيد من العدوان من وزراء اليمين المتطرف الذين يهددون بإسقاط حكومته االئتالفية»، اختار الخيار الثاني «من خالل اتخاذ قرار بمهاجمة رفح». وتوجهت صحيفة «لوريان لو جور» البيروتية للتحدث إلى الالجئين في رفح، الذين «نصبوا عشرات اآلالف من الخيام والمساكن المؤقتة المصنوعة من الصفائح المعدنية واألعمدة المعدنية وأغصان األشجار»، ومن بينهم أم أحمد البرعي، النازحة من مخيم الشاطئ في شمال القطاع، والتي تبلغ من العمر عاما، وتعيش مع بناتها األربع وثالثة من أحفادها، والتي تقول: هربنا أوال إلى خان يونس، ثم وصلنا إلى خربة العدس (شمال شرق رفح)؛ باألمس، لجأنا بالقرب من المستشفى القطري مع أختي وعائلتها، بعد سماع تصريحات بنيامين نتانياهو، وتضيف: إذا هوجمت رفح فستكون هناك مجازر، وال أعرف إذا كنا سنتمكن من الفرار إلى مصر أم أن المجازر ستطالنا. وقد عبر منسق الشؤون اإلنسانية في األمم المتحدة، مارتن غريفيث، يوم الجمعة في التاسع من الشهر الجاري، عن قلقه من احتمال قيام الجيش اإلسرائيلي بغزو محافظة رفح وترحيل سكانها، وتساءل عن المكان الذي «من المفترض أن يذهب إليه» النازحون هذه المرة، في حين أن الكثيرين منهم «يتوقعون حمام دم جديد في غزة»، وأضاف: لقد دمرت منازلهم، وتم تلغيم شوارعهم، وقصفت أحياؤهم، لقد ظلوا على الطرقات لعدة أشهر، متحدين القنابل والمرض والجوع؛ أين من المفترض أن يكونوا آمنين؟.

بحسب الصحفي اإلسرائيلي المناهض لالحتالل جدعون ليفي، فإن الجيش اإلسرائيلي يقترح ترحيل النازحين في رفح إلى منطقة المواصي، الواقعة على الشريط الساحلي، جنوبي غرب قطاع غزة، وتمتد بطول

كيلومترًا وعرض كيلومتر واحد، وتقّدر مساحتها بنحو من مساحة قطاع غزة، وتغلب عليها كثبان رملية تتخللها منخفضات زراعية خصبة. ففي مقال بعنوان: «أتوسل إليكم: ال تدخلوا رفح»، نشره في صحيفةهآرتس­في فبرايرالجا­ري،نبه جدعون ليفي إلى أن «الغزو اإلسرائيلي لرفح سيكون هجوما على أكبر مخيم للنازحين في العالم، وسيدفع الجيش اإلسرائيلي إلى ارتكاب جريمة إبادة خطرة سبق أن قام بها، إذ ال يمكن نقل مليون شخص ينقصهم كل شيء ومعظمهم نازحون، للمرة الثانية والثالثة، من مكان آمن إلى مكان آخر يتحّول دائمًا إلى حقل للقتل، وال يمكن نقلهم كقطعان تساق إلى المسلخ، فحتى القطعان ال تنقل بهذه الوحشية، ناهيك بأنه ال يوجد حتى اآلن مكان ينتقل إليه هؤالء الناس، وال يوجد في غزة المدمرة مكان يمكن الهرب أو اللجوء إليه؛ إذا، فإذا جرى إجالء نازحي رفح إلى المواصي، كما يقترح الجيش اإلسرائيلي في خطته اإلنسانية، فستتحول المواصي إلى كارثة إنسانية لم نر مثلها في غزة من قبل». وينقل الصحفي عن الصحفية اإلسرائيلي­ة المناهضة لالحتالل عميرة هاس أنه «إذا جرى إجالء نحو مليون شخص إلى المواصي، فإن الكثافة السكانية ستصل هناك إلى شخص في كل متر مربع؛ وكما هو معروف، فإنه ال يوجد شيء في المواصي؛ ال بنى تحتية، وال مياه، وال كهرباء، وال منازل، فقط رمال ورمال، ودماء، وأوبئة، ومجاٍر؛ ومجرد التفكير في ذلك ليس أمرًا يجمد الدم في العروق فحسب، بل أيضا يشير إلى أي حد وصلت الإنسانية إسرائيل في خططها». 12

‪% 3‬ 62,000 52 11 شباط/

يتزايد القلق بين النازحين بشأن احتمال شن هجوم على رفح، في ظل تصاعد الغارات اإلسرائيلي­ة على المدينة. «نحن ننتظر الموت»، يقول جابر أبو علوان، البالغ من العمر عاما، وهو نازح من خان يونس، ويضيف: اشتدت التفجيرات بعد تصريحات نتانياهو. ويعبر محمد الجراح عن خوفه من المجهول، ويقول: ال أعرف إلى أين سنذهب، ويبدو أن عملية رفح تقترب، ألن التفجيرات زادت بشكل كبير. أما أم عماد، البالغة من العمر عاما، فقد استغرقت رحلتها من خان يونس ثالثة أيام سيرا على األقدام للوصول إلى رفح، وكانت تنام بين الخيام في الخارج 70 تحت المطر، مثل آالف الفلسطينيي­ن الفارين من القتال في غزة.«لم أجد مأوى، لم أجد خيمة، لم أجد أي شيء، أقضي الليل في الشارع، تحت المطر الغزير، ولدي أطفال أيتام معي ليس لهم أب»، تقول السيدة العجوز ووشاحها األسود يرفرف في الريح. وخلفها، من جهة الغرب والجنوب من مدينة رفح، يتشكل صف من الخيام البيضاء، أقيم بعضها على طول تلة من األرض الرملية، توضع عليها شبكات وأسالك شائكة يبلغ ارتفاعها عدة أمتار. أما عبد الله حلس، البالغ من العمر عاما، فيقول:«ال أعرف أين سننام»، وهو على وشك البكاء. وتتدفق مياه الصرف الصحي إلى الشوارع المليئة بالقمامة. ويواصل الفلسطينيو­ن الفرار من منطقة إلى أخرى، ويتنقلون سيرا على األقدام أو على عربات أو بالعشرات في شاحنات تعمل بالديزل، الذي ارتفع سعره عشرة أضعاف. وفي شارع مزدحم غربي المدينة، تنتظر هند أحمد، البالغة من العمر عاما، مع أطفالها الثالثة سيارة أجرة أو عربة للوصول إلى خيمة نصبها زوجها، وتقول: بقينا في أحد الفصول الدراسية ألكثر من شهر مع أكثر من شخصا لكن الوضع أصبح كارثيا .)...( لذلك قررنا أن نعيش في خيمة رغم البرد، وتضيف: ما يحدث ليس له أي معنى. دعهميفتحون­المعابرحتى­نتمكنمن لميبق شيء في غزة: ال مدارس وال تعليم وال ضروريات أساسية، فيقاطعها رجل يعبر الشارع بصوت عال وغاضب: لن نترك غزة، لقد جاء اليهود إلى هنا وهم من يجب أن يغادروا. ويشير مكتب األمم المتحدة لتنسيق الشؤون اإلنسانية (أوتشا) إلى أن النازحين «يواجهون ظروفا كارثية في األماكن المكتظة بالسكان، داخل مراكز اإليواء وخارجها»، ويتابع: تنتظر الحشود لساعات حول مراكز توزيع المساعدات، والناس يعانون من الجوع والعطش ويحتاجون إلى الرعاية والحماية. وقد زاد هطول األمطار الغزيرة من معاناة هؤالء النازحين، إذ جرفت السيول الخيام والعشرات من المالجئ المؤقتة التي تم بناؤها على عجل. وتصرخ عزيزة الشبراوي، البالغة من العمر عاما والتي انتقلت ثالث مرات منذ بدء الحرب اإلسرائيلي­ة على القطاع: بنتي حافية القدمين )...( وكأننا متسولون، وهي تحاول تفريغ الماء من خيمتها القماشية المغطاة بالنايلون، وتضيف: ابني مريض بسبب البرد، طلبنا بطانيات وخيما، لكن دون جدوى، فال أحد يهتم بنا، وال أحد يساعدنا. أما بالل القصاص، البالغ من العمر عاما، من خان يونس، فهو ينام في العراء منذ خمسة أيام بعد أن غمرت المياه خيمته، ويقول بتأثر شديد: «اآلن نريد فقط أن نموت، ال نريد طعاما وال ماء». وعلى مسافة غير بعيدة، نزح بالل أبو بكر، البالغ من العمر عاما، من مخيم الشاطئ لالجئين مع أفراد عائلته، ويقول: إن هناك تسعة منهم يتقاسمون البطانية، وما نحتاجه بشدة هو الفرشات والبطانيات والمالبس؛ بعد التفجيرات نعاني اليوم من الشتاء والبرد، فإلى متى؟. 38 29 41 49 24 50 المغادرة!

يعتقد بعض المحللين أن تلويح رئيس وزراء حكومة الحرب اإلسرائيلي­ة بهجوم جيش االحتالل الوشيك على محافظة رفح ما هو سوى مناورة يريد منها الضغط على حركة «حماس» كي تقبل بشروطه في المفاوضات الجارية إلطالق المحتجزين اإلسرائيلي­ين لديها، وخصوصا بعد أن رفض مطالب الحركة، وأهمها الوقف الكامل للعمليات العسكرية من الجانبين، وإعادة تمركز القوات اإلسرائيلي­ة بعيدا خارج المناطق المأهولة في كل قطاع غزة، واصفًا تلك المطالب بـ الوهمية، ومؤكدًا أن إسرائيل «لن تقبل أبدا باتفاق يمنح حماس سيطرة جزئية أو كاملة على األراضي التي تحكمها منذ سنة

وكان مسؤول في حركة «حماس»، قد صرح لوكالة فرانس برس «بأن المفاوضات بين الوسطاء القطريين والمصريين وحركة حماس، التي انطلقت الخميس في الثامن من هذا الشهر في القاهرة لمحاولة التوصل إلى اتفاق هدنة تشمل تبادل المحتجزين اإلسرائيلي­ين واألسرى الفلسطينيي­ن، انتهت الجمعة، وأن وفد الحركة غادر القاهرة، من دون مزيد من التفاصيل، في انتظار الرد من إسرائيل». بيد أن محللين آخرين يرون أن قيام جيش االحتالل بشن هجوم واسع على محافظة رفح هو أمر «ال مفر منه»، وهو يندرج في نطاق مشروع اإلبادة الجماعية والتطهير العرقي اإلسرائيلي، وخصوصًا بعد أن تبّين أن أهداف إسرائيل من الحرب ال تزال تبدو بعيدة المنال، مع عودة حركة حماس إلى الظهور في أجزاء من مناطق شمال غزة، التي كانت الهدف األول للهجوم اإلسرائيلي والتي شهدت دمارا هائال، ومع عجز إسرائيل عن إنقاذ المحتجزين في أيدي الحركة باستثناء محتجزة واحدة. فالكاتب الفرنسي ناثان داس يرى أنه قد مر أكثر من أربعــة أشـهــر منذ بداية حرب اإلبادة الجماعية التي تشــنهــا إســرائيل على قطــاع غزة ؛ أربعة أشهر أسقط خاللها الجيش اإلسرائيلي على القطاع من المتفجرات ما يعـــادل قنبلتيـــن ذريتين من النوع الذي أسقطته الواليـــا­ت المتحــدة على هيروشــيمـ­ــا في سنة أربعــة أشـهــر «أدى خــاللهــا هذا القصــف الضخم إلى تدمــيــر ما يقرب من من المنــازل في القطاع،

منها في نصفه الشمالي»؛ أربعة أشهر «عمل خاللها الجيش اإلسرائيلي بال هوادة على تحويل جميع البنى التحتية الخدمية مثل المياه والكهرباء والخدمات الصحية، بما في ذلك المستشفيات، إلى رماد، وكذلك الشبكة التعليمية (المدارس والجامعات) والمواقع الثقافية والدينية والمباني التاريخية»؛ أربعة أشهر «فقد خاللها ما يقرب من ألف شخص حياتهم، بينهم أكثر من طفل»؛ وهو سيواصل مشروعه، إذ أمر بنيامين نتانياهو جيشه «بترحيل مليون فلسطيني يوجدون في رفح»، ووضع خطة لتحقيق ذلك، بحيث يكون الترحيل من رفح «الثالث منذ بدء الحرب بعد الشمال وخان يونس»؛ ونظرا إلى أن الجيش اإلسرائيلي «سيمنع فلسطينيي رفح، بكل تأكيد، من العودة إلى شمال القطــاع في زمن الهجوم، وإذا ما استطاعوا ذلك فإن الشمال لم يعد سوى كومة من الرماد واألنقاض»، وهم «لن يكون في وسعهم التوجه نحو الجنوب»، لذلك لن يكون أمامهم سوى التوجه «نحو مصر وسيناء، كما اقترحت ذلك وثيقة وزارة االستخبارا­ت في تشرين

أكتوبر الفائت». لعل رئيس حكومة الحرب اإلسرائيلي­ة يناور كي يضغط على حركة «حماس» في المفاوضات، لكن ال شيء سيردعه، وال حتى «الضغوطات» األميركية المنافقة، عن مواصلة مشروعه سوى استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني وتصميمه على الصمود فوق أرض وطنه. .»2007 85 األول/ 5000

‪% 70‬ 28 1.3 30 ؛1945 %

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar