Al Araby Al Jadeed

خنق الواردات ليس حًال

- مصطفى عبد السالم

خالل الفترة املاضية، لجأت العديد من الحكومات العربية إلى أسلوب خنق الواردات بهدف كبح فاتورة االستيراد املرتفعة، والحفاظ على ما تبقى من احتياطي نقد أجنبي ووقف تهاوي العملة املحلية مقابل الدوالر على خلفية أزمة عملة طاحنة، وأحيانا تحت مزاعم حماية الصناعة الوطنية وتشجيع اإلنتاج املحلي وزيادة قدرة املصانع املحلية على توفير فرص عمل للشباب. الخنق جاء إما بشكل مباشر عبر وضع قيود تتعلق بالتمويل واإلفراج الجمركي، أو عبر زيادة الدوالر الجمركي والضرائب والرسوم الجمركية على السلع املستوردة بمعدالت غير مسبوقة. في مصر، صاحبة أكبر نصيب من الواردات بقيمة تصل إلى نحو 80 مليار دوالر في السنة، وضعت الحكومة قيودًا على حركة الواردات بهدف تقليصها مع تفاقم أزمة العملة منذ مارس/ آذار، صاحب الخطوة تلكؤ البنوك في فتح االعتمادات املستندية املطلوبة لتغطية فاتورة االستيراد، وعدم تلبية احتياجات املستوردين من النقد األجنبي، ولجوء التجار إلى السوق السوداء لتدبير النقد األجنبي بسعر مرتفع. وفي الجزائر تم وضع قيود شديدة على الواردات، خاصة التي ال تمثل أولوية من وجهة نظر الحكومة، كالسيارات والهواتف املحمولة واألجهزة املنزلية واألغذية، وأدت الخطوة بالفعل إلى حدوث خفض كبير في كلفة الواردات. ووفق تصريحات الرئيس عبد املجيد تبون أمس، فإنه تم خفض كلفة الواردات من 63 مليارا إلى 38 مليار دوالر، ما سمح بشفط فائض من العملة كان يتوجه إلى الخارج بسبب تضخيم الفواتير وما وصفه بـ «التوريد املزيف». تكرر املشهد في بلدان عدة، منها العراق واألردن ولبنان وسورية والسودان وتونس واملغرب وغيرها. خفض فاتورة الواردات وخنقها ليس حال، بل قد يكون بداية خلق أزمة جديدة وحقيقية تتعلق بهيكل اإلنتاج ونوعية البضائع والسلع املنتشرة داخل الدولة وتشجيع املنتجني على إنتاج سلع رديئة ومغشوشة وترويجها استغالال لحاجة املستهلك الشديدة إليها، فجزء كبير من الواردات مهم للصناعة وعبارة عن مدخالت إنتاج وسلع وسيطة ومواد خام وسلع أولية ليس لها بدائل محلية، وهذه السلع تدخل مباشرة ضمن مكونات الصناعة واإلنتاج الزراعي والخدمي، وفي حال عدم توافرها فإن ذلك سينعكس سلبا على قطاع اإلنتاج وصادرات البالد. حل األزمات االقتصادية ومنها أزمة العملة ال يبدأ من وضع قيود على الواردات بل يبدأ من تشجيع اإلنتاج املحلي واالستثمار املباشر وتحسني موارد النقد األجنبي، وإحداث طفرة في الصادرات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar