إيران تجمد مسار التقارب التركي السوري
اقـتـحـمـت طـــهـــران، قـــســـرًا، مــســار الــتــقــارب الــتــركــي الـــســـوري، الــــذي تـــرعـــاه مـوسـكـو، بــــهــــدف تـــعـــطـــيـــلـــه، وإرســـــــــال رســــائــــل إلـــى الــــــروس واألتـــــــراك بـــأنـــه ال يــمــكــن تـجـاهـل حــجــم وجــــودهــــا الــعــســكــري فـــي ســـوريـــة، وثـقـل تغلغلها فــي دوائــــر صـنـاعـة الـقـرار فـــي دمـــشـــق. واســتــجــاب الــنــظــام الــســوري لهذا التعطيل، بعد أن كان يـازم الصمت تجاه مطلب أنقرة إعـادة العاقات، وبعد أن وافـــــــق الـــــــــروس مـــجـــبـــرًا عـــلـــى حــضــور اجتماع موسكو لــوزيــري الــدفــاع التركي والــــســــوري وبـــرعـــايـــة روســـيـــة. فــقــد وضــع رئــــيــــس الــــنــــظــــام، بــــشــــار األســــــــد، شــرطــني تعجيزيني ألنقرة، إنهاء االحتال التركي ووقــــف دعـــم اإلرهـــابـــيـــني، وكــررهــمــا وزيــر خـــارجـــيـــتـــه، فــيــصــل املـــــقـــــداد، فــــي مــؤتــمــر صحافي عقد خال زيارة نظيره اإليراني، أمير عبد اللهيان، دمشق، السبت الفائت، الــتــي سـتـلـيـهـا زيـــــارة لـلـرئـيـس اإليـــرانـــي، إبراهيم رئيسي، وسبقتها زيـــارة «هيئة الصداقة السورية اإليرانية»، التي اتفقت على عــودة تـوريـد النفط والـغـاز وتوقيع اتــفــاقــات مــع وزارة االتـــصـــاالت الـسـوريـة على افتتاح شركة هواتف نقالة وتجميع هـــذه الــهــواتــف وتــوريــدهــا، ومـــع املـصـرف الزراعي ووزارة األشغال واإلسكان ووزارة االقتصاد لتوريد ما تحتاجه سورية من سلع. تأتي تلك العقود ضمن توافق على تـجـديـد «وثـيـقـة الـتـعـاون االسـتـراتـيـجـي» طـويـل األمـــد بـني الـبـلـديـن، وإعــــادة توريد مشتقات الطاقة وفق الخط االئتماني أو خارجه؛ بعد قطيعة ألشهر بسبب غضب طهران من دمشق، ألسباب منها التقارب مع أنقرة ومـع اإلمـــارات. ولتأنيب دمشق بعد حادثة تفجير سيارة ضابط إيراني بالقرب من دمشق، التي تتهم فيها إيران إسرائيل بتدبير الحادثة. كـــــان الــتــطــبــيــع الــــــذي روجـــــــه األتــــــــراك فـي األســـــابـــــيـــــع املــــاضــــيــــة مـــقـــتـــرحـــا روســــيــــا،
واعـــتـــقـــدت مــوســكــو أنــــه ســيــكــون نتيجة طبيعية للمسارات التي اختارتها بديا مـــن مــســار جـنـيـف، أي مــســار أســتــانــا في ،2017 وتـــفـــاهـــمـــات ســوتــشــي فـــي ،2018 ومـــــســـــار الـــلـــجـــنـــة الـــــدســـــتـــــوريـــــة، وكـــلـــهـــا حصلت بموافقة أميركية وأمـمـيـة، فيما قـبـلـت املـــعـــارضـــة الـــســـوريـــة املـــدعـــومـــة من أنقرة، السياسية منها والعسكرية، بتلك املـــســـارات، ومـــا نـجـم عنها مــن تفاهمات، وســـلـــمـــت مــنــاطــق واســـعـــة لــلــنــظــام، على مــــــــراحــــــــل، مـــــقـــــابـــــل ســـــيـــــطـــــرة الــــفــــصــــائــــل الــعــســكــريــة بـــدعـــم تـــركـــي عــلــى أجــــــزاء من الشريط الحدودي مع تركيا. لكن روسيا تجاهلت أن إيــران كانت مشاركة في تلك املــــســــارات، وراضـــيـــة عـنـهـا، ومليشياتها قاتلت إلى جانب جيش النظام في معظم مـــعـــاركـــه، ودفــــعــــت أمــــــــواال بـــســـخـــاء، عـلـى عكس الروس، من أجل توسيع نفوذها في سـوريـة، ونجحت في ربـط مصير النظام بـــاســـتـــمـــرار وجــــودهــــا فـــي ســــوريــــة، وهــي من تقدم القتصاده جرعات اإلنـعـاش في اللحظات الحرجة، وقد حصلت على عقود واستثمارات طويلة األمـد. وبالتالي، هي األكثر قربا ودعما لدوائر القرار في دمشق مـــن روســــيــــا، فـــي وقـــــت تـــخـــوض األخـــيـــرة حـــربـــا ضــــروســــا فــــي أوكــــرانــــيــــا، وتـتـلـقـى الضربات األوكرانية بساح حلف الناتو، ما اضطرها إلى سحب بعض مليشياتها، مــثــل فــاغــنــر، وتــخــفــيــض حــجــم وجـــودهـــا العسكري في سورية. كانت التصريحات التركية في األسابيع األخـــيـــرة تــــروج بـكـثـافـة خـــطـــوات عملية للقاء الـرئـيـسـني، أردوغــــان واألســــد، تلك املــصــافــحــة الـثـمـيـنـة ألردوغـــــــان سـتـرفـع رصيد حزب العدالة والتنمية التركي في االنتخابات املصيرية منتصف الصيف املقبل، ألنها ستعني تراجعا تركيا عن سياسة دعم املعارضة السورية، وتترافق مــــع وعــــــود بـــــإعـــــادة جـــــزء مــــن الــاجــئــني الــــســــوريــــني إلـــــى ســــوريــــة بــــاالتــــفــــاق مـع نـظـام األســـد. وبـوتـني أيـضـا مهتم ببقاء
أردوغـــــان وحــزبــه فــي الـسـلـطـة، ويخشى من ذهاب تركيا، من بعده (أردوغان)، إلى أحضان الغرب و«الناتو» أكثر، وخسارة الــــدور الـــذي تـقـدمـه إلـــى روســيــا للتغلب على الـعـقـوبـات االقـتـصـاديـة، خصوصا ما يتعلق بالخدمات املصرفية، وتمرير الـــنـــفـــط والــــغــــاز الـــروســـيـــني واملــنــتــجــات الــزراعــيــة، والــــدور الـــذي تلعبه بصفتها وســـيـــطـــا فــــي املــــفــــاوضــــات بــــني روســـيـــا مـــن جــهــة وأوكـــرانـــيـــا والـــغـــرب مـــن جهة أخــرى. ولذلك، تريد موسكو إنجاز لقاء الرئيسني خدمة ألردوغان، وتريد نقاش إمكانية العودة إلـى اتفاق أنقرة معدال، يسمح لتركيا بالتوغل 30 كم في األراضي السورية. ال يريد النظام السوري تقديم خـــدمـــة «املـــصـــافـــحـــة» مــجــانــا ألردوغــــــان، وال يــــرغــــب فـــــي إعــــــــــادة الــــاجــــئــــني إلــــى مناطق سيطرته، خصوصا أنــه يعاني مـن أزمـــة اقتصادية خـانـقـة. لـذلـك، وافـق الروس على حضور االجتماع العسكري فـــي مـــوســـكـــو، وتــشــكــيــل لــجــنــة مـيـدانـيـة مــــن الــعــســكــريــني مــــن الـــطـــرفـــني، الــتــركــي والسوري، ملتابعة مسار التطبيع، لكنه، في اللحظة الحرجة، أقحم اإليرانيني في هذا املسار، ليعينوه على وضع العراقيل في وجه عمل هذه اللجنة.
كان التطبيع الذي روجه األتراك في األسابيع الماضية مقترحًا روسيًا