هل نخشى الذكاء االصطناعي؟

يسلب تطبيق ChatGPT (روبوت محادثة) عقول بعضهم أخيرًا. يتم تصويره على أنه العمالق اآلتي البتالع غوغل ويكبيديا والقادر على اإلجابة عن أي سؤال وكتابة النصوص. التقليل من أهمية هذا التطور خطل، لكن التضخيم مبالغة. يقر القائمون على البرنامج بمحدوديته راهنًا، وينعكس ذلك في بعض األجوبة التي يتم تقديمها، كاإلشارة إلى أن املعلومات املخزنة لديه تتوقف عند العام ،2021 وبأنه ال يملك أجوبة عن كل األسئلة... تطوير البرنامج خالل السنوات املقبلة يعني أننا ّسنكون أمام نسخ أفضل بالتأكيد، ما يكسبه مزيدا من األهمية. وهنا تحديدًا يحق ملنتجي املحتوى طرح هواجسهم بشأن ما يمكن أن تقدمه برامج الذكاء االصطناعي مستقبال. لكن بعض التجارب على التطبيق تقود إلى مالحظات ومخاوف أبعد من ذلك. أوال، تختلف نوعية املعلومات التي يوفرها بحسب اللغة املستخدمة في طرح األسئلة. بديهي القول إن اإلنكليزية هي املهيمنة، كذلك يستطيع اإلجابة عن أسئلة كثيرة بالفرنسية. أمــا العربية فيمكن مالحظة أنها هامشية بالنسبة للبرنامج. يعجز التطبيق عن التعريف بشخصيات عامة أو أحداث مفصلية تعود إلى ما قبل أكثر من عقد. مثال، يمكن سؤاله عن من هو رئيس الوزراء اللبناني األسبق، رفيق الحريري، ومن اغتاله بالعربية، فتكون اإلجابة من نوع «ال توجد معلومات محددة عن شخص باسم رفيق الحريري. يرجى تزويدنا بمزيد من التفاصيل حتى يمكننا املساعدة في اإلجابة عن سؤالك»، ثم طرح السؤال باللغة اإلنكليزية، فتأتي اإلجابة متضمنة معلومات عنه وعن املحكمة الدولية التي خصصت ملحاكمة املتهمني باغتياله. كذلك األمر عند الطلب منه كتابة مقال عن األزمة الليبية أو اليمنية، يستطيع البرنامج كتابة تفاصيل كثيرة عن الصراعني باإلنكليزية، بينما يظهر أن املعلومات باللغة العربية قديمة ال تتعدى زمن معمر القذافي وعلي عبد الله صالح. ثانيًا: يميل التطبيق إلى تقديم معلومات عامة وغير معمقة على قاعدة السهل املمتنع. ثالثًا: يمكن مالحظة اختالف في األجوبة التي يقدمها عندما يتعلق األمر بمواضيع سياسية وإشكالية. مثال، يمكن سؤاله عما إذا كان خليفة حفتر مجرم حرب، فيعدد جميع االتهامات املنسوبة إليه من األمم املتحدة ومنظمات حقوق اإلنسان، ويتوقف عند نفي حفتر هذه االتهامات والتبريرات التي يقدمها ثم يعود البرنامج إلى القول إن «من الصعب القول ما إذا كان حفتر مجرمًا أم ال. ومع ذلك، فإن االتهامات املوجهة إليه وإلـى قواته جــادة وذات مصداقية، ويجب التحقيق فيها بدقة». لكن عند طرح أسئلة خاصة بالصراع الفلسطيني اإلسرائيلي، يصبح التطبيق أقرب إلى متحدث أممي يتحدث عن «نزاع طويل األمد ومعقد للغاية». وال ينسى أن يخبرنا أن «الصراع اتسم بعدد من الحروب والهجمات اإلرهابية وأعمال العنف». وعند سؤاله عما إذا كانت إسرائيل دولــة فصل عنصري، يخبرنا أن «مسألة ما إذا كانت إسرائيل دولــة تفرقة عنصرية أم ال هي مسألة مثيرة للجدل ومسيسة إلى حد كبير». وبعد استعراض سريع لوجهتي النظر حول مؤيدي هذا التوصيف ومعارضيه يذكرنا بأنه «مـن املهم النظر فـي تعقيد الـصـراع، والسياق التاريخي ووجهات النظر واآلراء املختلفة حول هذا املوضوع، قبل استخالص أي استنتاجات». لـكـن عـنـد ســؤالــه عــن مــن هــي املـنـظـمـات الـتـي وصـمـت إسـرائـيـل بـأنـهـا دولـــة فصل عنصري، يقدم معلومات عن تقارير هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وبتسيلم قــام بحجبها فـي إجابته األولـــى، ثـم يختم بـذكـر أن «اسـتـخـدام مصطلح «الفصل العنصري» من بعض منظمات حقوق اإلنسان ال يعكس بالضرورة وجهات نظر جميع منظمات حقوق اإلنسان أو املجتمع الدولي ككل. هـنـا تـحـديـدًا تكمن خــطــورة بــرامــج كـهـذه فــي زمـــن هيمنة رغـبـة األجــيــال الـجـديـدة بالوصول السريع إلى املعلومات، وغياب اإلملام الكافي بأحداث/ وقائع سياسية، في األجوبة التي يقدمها البرنامج.