Al Araby Al Jadeed

رعاية صحية هزيلة في مستشفيات القامشلي السورية

يعاني القطاع الصحي في سورية حاليًا من تراجع غير مشهود في تاريخ البالد، نتيجة 12 عامًا من الحرب. و ُت َع ّد مدينة القامشلي مثاًال حيًا

- هاتاي ـ عبد اهلل البشير

انعكست هـجـرة األطــبــا­ء وضـعـف البنى التحتية بطريقة كارثية على املصابني بـــــاألم­ـــــراض املـــزمــ­ـنـــة فــــي مـــنـــاط­ـــق شــمــال شرق سورية التي تسيطر عليها اإلدارة الـذاتـيـة، وال سيما مدينة القامشلي، إذ يواجه هؤالء املرضى مشكالت في توفير األدويــة، وحتى في التنقل لتلقي العالج خارج مناطق سيطرتها. وسوء البنى التحتية ال يقتصر فقط على املستشفيات العامة التي يعمل معظمها بــأجــهــ­زة ومــــعـــ­ـدات مـنـتـهـيـ­ة الـصـالحـي­ـة، ومـــن املـفـتـرض أن تـكـون خـــارج الـخـدمـة. فــهــذا الـــواقــ­ـع يـشـمـل كــذلــك املستشفيات الـخـاصـة. بـاإلضـافـ­ة إلــى ذلـــك، إن ارتـفـاع تكاليف التنقل وأسـعـار األدويـــة زاد من معاناة هـؤالء املرضى، فضال عن الوقت الطويل الذي قد يحتاجه الذين يقصدون مــســتــش­ــفــيــات مـــديـــن­ـــة دمــــشـــ­ـق؛ فــالــرحـ­ـلــة تــســتــغ­ــرق أيـــامـــًا عـــــدة بــســبــب الــحــواج­ــز املختلفة على الطريق. ويعيش مرضى السرطان الواقع األسوأ، خـصـوصـًا أنــهــم فــي حــاجــة إلـــى جـرعـات دوائــــيـ­ـــة أو جـــلـــسـ­ــات عـــــالج دوريــــــ­ــة، إلـــى جانب معاناة الوصول إلى املستشفيات الـــتـــخ­ـــصـــصــ­ـيـــة فـــــي مـــديـــن­ـــة دمـــــشــ­ـــق. وال تخفي شيخة محمود املقيمة في مدينة الـــقـــا­مـــشـــلـ­ــي لــــ «الـــعـــر­بـــي الــــجـــ­ـديــــد» أنـــهـــا تواجه مشكالت عديدة، شارحة بقولها: «شقيقي مصاب بسرطان القولون، وأنا أعاني من ّاملصاريف الكثيرة. وقبل أربعة أشهر، توقفت عن اصطحاب شقيقي إلى دمـــشـــق لــتــلــق­ــي الـــعـــا­لج، بـسـبـب تـكـالـيـف وإجـــــــ­راءات الــســفــ­ر وعـــنـــا­ء الــطــريـ­ـق. ففي أفــضــل األحــــــ­وال، نـحـتـاج إلـــى ثــالثــة أيــام لـــلـــوص­ـــول إلـــــى دمــــشـــ­ـق، فـــيـــمـ­ــا تـــتـــجـ­ــاوز أجـــور الـنـقـل مـلـيـون لــيــرة ســوريــة (نحو 400 دوالر أمـــيـــر­كـــي)». وتـــؤكـــ­د مـحـمـود أن «الـــطـــر­يـــق إلــــى دمــشــق صــعــبــة. وثــمــة أشخاص كثيرون ال يستطيعون الذهاب إلى هناك، بسبب حواجز النظام السوري األمنية، وال سيما أن من بينهم أشخاصًا مطلوبون للجيش». وتـتـمـنـى مـحـمـود لــو أن ثــمــة مستشفى متخصصًا فــي عـــالج مــرضــى الـسـرطـان يـــتـــوا­فـــر بــمــديــ­نــة الــقــامـ­ـشــلــي أو مــديــنــ­ة الحسكة، «فتختصر بالتالي على شقيقي معاناة الوصول إلى دمشق، وكذلك األمر بالنسبة إلى املرضى اآلخرين». تضيف: «وضعنا االقتصادي سيئ إلى حد كبير، وعالج شقيقي يكلفنا مبالغ كبيرة. فكل جلسة عالج تصل كلفتها إلى 100 دوالر، وحـتـى اآلن حصل على ثماني جـرعـات، لكنه في حاجة إلـى عـدد أكبر منها، إلى جانب حاجته لعملية جراحية»، مشيرة إلــى أن «كـــل املـصـاريـ­ف تقع على عاتقي بسبب ظروف عائلتي الخاصة». وال تــخــتــل­ــف حـــالـــة شــيــخــة مــحــمــو­د عن أحـــــــو­ال كــثــيــر­يــن مــــن أهــــالــ­ــي الــقــامـ­ـشــلــي الـذيـن يصعب عليهم تـأمـني احتياجات مــرضــاهـ­ـم، إذ إنــهــم بمعظمهم مــن ذوي الــــدخــ­ــل املـــــحـ­ــــدود. وألن الـــجـــف­ـــاف عــطــل الــزراعــ­ة الـتـي تــعــد مـصـدر دخــل رئيسيًا لسكان املنطقة، ثمة أشخاص كثر صاروا عـــاجـــز­يـــن، إذ كـــانـــو­ا يــعــتــم­ــدون عــلــى ما تنتجه األراضي الزراعية. فــي أحـــد مستشفيات الـقـامـشـ­لـي، يـراقـب الــطــاقـ­ـم الـتـمـريـ­ضـي حــالــة الــطــفــ­ل أحـمـد الــذي خضع لعملية جراحية في الصدر قــبــل مـــــدة مـــن الــــزمــ­ــن، عــلــمــًا أن األطـــبــ­ـاء أوصـــــوا أهـــلـــه بـنـقـلـه إلــــى مــديــنــ­ة دمـشـق الســتــكـ­ـمــال الـــعـــا­لج هـــنـــاك، إذ ال أجــهــزة مناسبة لذلك في مستشفيات املنطقة. تخبر والدة الطفل أمية السلوم «العربي الجديد»، قائلة: «نحو أسبوع مضى على وجـــــود ابـــنـــي فـــي املــســتـ­ـشــفــى، وال نملك املــال الكافي لتغطية مصاريف العالج». وتــشــرح أن «وضـــع ابــنــي الـصـحـي خطر جدًا، وبيتنا على الحدود العراقية، وهو بالتالي بعيد عن املستشفى، واإلمكانات محدودة جدًا». تضيف الوالدة: «صحيح أن األطباء شـددوا على ضرورة نقله إلى مدينة دمـشـق، إال أن ال قــدرة لدينا على ذلـــــك. وقــــد اصــطــحــ­بــتــه فـــي الـــســـا­بـــق إلــى املستشفى الوطني في مدينة القامشلي، لكن من دون أي فائدة». وتـــوضـــ­ح الــســلــ­وم أن «تـكـلـفـة بــقــائــ­ه في املستشفى الخاص حاليًا مليون ونصف مليون لـيـرة (نـحـو 600 دوالر)، عــدا عن تـكـالـيـف الـــعـــا­لج واألدويـــ­ــــة. وحــتــى اآلن، نــحــن ال نــمــلــك املــبــلـ­ـغ املـــطـــ­لـــوب مـبـدئـيـًا.

ونـحـن لـم نعد نتناول الطعام والـشـراب كما كنا نفعل في السابق، بهدف توفير املــــال لــعــالج طفلنا وتــعــافـ­ـيــه». وتـطـالـب الوالدة «املنظمات اإلنسانية بمساعدتها عـــلـــى تـــخـــطـ­ــي هـــــذه املـــحـــ­نـــة الـــتـــي وقــعــت فــيــهــا». مـــن جــهــتــه، يــقــول الـطـبـيـب فـــرات مقدسي، املتخصص في الجراحة العامة، ومـــديـــ­ر «مـسـتـشـفـ­ى الـــســـا­لم» لـــ«الــعــربـ­ـي الـــجـــد­يـــد»: «بــالــتــ­أكــيــد تـــركـــت األزمـــــ­ـة في ســوريــة، على مــدى األعــــوا­م االثــنــي عشر األخــيــر­ة آثــــارًا سلبية كـثـيـرة، خصوصًا على القطاع الصحي». ويشرح مقدسي أن «أكثر من أربعني في املائة من سكان سورية يحتاجون إلى مساعدات صحية، وأكــثــر مــن ثـلـث األطـــفــ­ـال يـحـتـاجـو­ن إلـى لقاحات، فيما املـرافـق الصحية تضررت كــثــيــرًا إمــــا جــزئــيــًا وإمـــــا كــلــيــًا، والــهــجـ­ـرة طاولت أكثر من ثلث الكوادر التمريضية والفنية والطبية».

 ?? (سالم حسن) ?? تركت األزمة السورية على مدى 12 عامًا آثارًا سلبية على القطاع الصحي
(سالم حسن) تركت األزمة السورية على مدى 12 عامًا آثارًا سلبية على القطاع الصحي
 ?? (سالم حسن) ?? ال تتوفر أجهزة طبية حديثة في مستشفيات القامشلي كلها
(سالم حسن) ال تتوفر أجهزة طبية حديثة في مستشفيات القامشلي كلها

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar