Al Araby Al Jadeed

أفكار وأشكال

في عالقة األسلوب بالواقع إظهار العالقة بين التقنية الفنية أو األدبية، وبين المتغيرات في الواقع، يجب أن تكون واحدة من أفضل مهام النقد التطبيقي العربي

- ممدوح عزام

يــفــّرق هــــزارد آدمـــز فــي كـتـابـه «قـضـايـا النقد: مدخل إلى نظرية األدب» )1998( بــن طــرائــق اسـتـعـمـا­ل األدب، وطـرائـق صناعته أو كتابته، وهـو تفريق قلما رأيته في املراجع النقدية العربية، وقد يفيدنا أكثر من غيره في الوصول إلى اتــفــاق عـلـى مـسـائـل الـتـقـنـي­ـة ودورهــــا. فــــالـــ­ـخــــالف حــــتــــ­ى الـــــيــ­ـــوم بـــــن الــــنـــ­ـقــــاد والباحثن والسياسين، حــول األدب، يــنــصــُّب عــلــى طـــرائـــ­ق االســـتــ­ـعـــمـــا­ل، أي وظــيــفــ­ة األدب، ودوره فـــي الــــواقـ­ـــع، أو الحياة االجتماعية. بعض الخالفات كانت تفترض وجود عـدو قبل أي حـوار أو نقاش حول دور األدب، أو تعريفه. وقلما تحرى الناقد الـــذي يـدعـو إلــى الوظيفة االجتماعية لــــألدب عــن طــرائــق الــكــتــ­ابــة، وكـثـيـرون يعتبرونها مسألة «داخلية» ال تهمهم، وال توجد خالفات حولها، ألنها تعنى بالعالقة بن الكاتب والنص فقط، أي أن املسألة شأن شخصي تشغل الكاتب وحده، ولهذا فإن معظم النتاج النقدي العربي تجاهلها تقريبا، وانصرف، أو استغرق، في قضية «أولى»، هي قضية الوظيفة. واعـتـبـرت الكتابة العربية فـي املرحلة التي تلت مرحلة النشوء والتأسيس، أن مسألة التقنيات، أو قضية الشكل عـــمـــوم­ـــًا، قــضــيــة جــمــالــ­يــة مـــــجـــ­ــردة، أو مـــســـأل­ـــة مـــســـتـ­ــقـــلـــ­ة تـــمـــام­ـــًا عــــن طـبـيـعـة األدب، أو مــوقــف الــكــاتـ­ـب، ربــمــا تكون مسألة نقل واسـتـيـرا­د بحسب املوضة السائدة. ويمكن ملن يتبنى هـذا الـرأي أن يستعن بأمثلة من روايــات عربية، اســـتـــخ­ـــدمـــت بـــعـــض تــقــنــي­ــات الــكــتــ­ابــة، دون أن تـكـون نـاجـمـة عــن حـاجـة فنية أو فكرية داخـــل الـنـص. وهــو مـا يشير إلى انخراط النقد األدبــي في القضايا االجتماعية، وهو أمر محمود بالطبع، وانصرافه عن مناقشة قضايا الجمال والـــــفـ­ــــن، أو تـــجـــاه­ـــلـــه لــلــقــي­ــمــة الــفــنــ­يــة والــــتــ­ــقــــنــ­ــيــــات بــــوصـــ­ـفــــهـــ­ـا واحـــــــ­ــــدة مــن ارتـــــدا­دات الـعـالقـة بــن الــواقــع واألدب، وفــــي كــثــيــر مـــن املــــحــ­ــاوالت كــــان الـنـقـد يـعـيـد الـتـقـنـي­ـة إلـــى املــرجــع الــخــارج­ــي، وحـــده، معتبرًا إيـاهـا تقليدًا، أو نقال، دون أن يــــنــــ­اقــــش أســـــبــ­ـــاب نــــقــــ­ل هــــذه الــتــقــ­نــيــة، أو تــلــك. ويــمــكــ­ن أن نـفـتـرض

هنا أن التقنيات واألشــكــ­ال كـاألفـكـا­ر، تعبير عــن مــوقــف الــكــاتـ­ـب مــن الـعـالـم، مثلما هي استجابة لشروط وسياقات اجـتـمـاعـ­يـة. ملــــاذا اخـــتـــا­ر حـنـا مـيـنـة أو نــجــيــب مــحــفــو­ظ الـــواقــ­ـعـــيـــة فـــي معظم أعمالهما؟ وملــاذا ظهرت الرومانسية لـدى شعراء ســـوريـــ­ة فـــي الــثــالث­ــيــنــيـ­ـات؟ ويــمــكــ­ن أن نـــســـأل مـــا هـــي األســــبـ­ـــاب الـــتـــي جـعـلـت نــجــيــب مـــحـــفـ­ــوظ نــفــســه يــكــتــب روايـــــة مثل «ثرثرة فـوق النيل»؟ هل هو تأثر مجرد من األسباب بالتقنيات الروائية فــي الــغــرب؟ أم أن اخـتـيـاره فــي مرحلة كـــتـــاب­ـــتـــهــ­ـا يـــســـتـ­ــجـــيـــ­ب، أو يـــعـــبـ­ــر عـــن، املــتــغـ­ـيــرات فـــي أرض الـــواقــ­ـع املــصــري؟ ويبدو أن أحـد أسباب ذلـك هو اعتبار التقنيات مستقلة عن الواقع واألفكار واأليــــد­يــــولـــ­ـوجــــيــ­ــات، عـــلـــمـ­ــًا أن إظـــهـــا­ر العالقة بن التقنية الفنية أو األدبية،

لماذا اختار مينة ومحفوظ الواقعية في معظم أعمالهما؟

وبـــن املــتــغـ­ـيــرات فـــي الـــواقــ­ـع، يــجــب أن تـــكـــون واحــــــد­ة مـــن أفـــضـــل مـــهـــام الـنـقـد املـــتـــ­ابـــع أو الــتــطــ­بــيــقــي الـــعـــر­بـــي الــــذي يــمــكــن أن يـــالحـــ­ظ مـــثـــل هــــذه الـــعـــا­لقـــة، ولـــيـــس لـــديـــن­ـــا فــــي حــــــدود عــلــمــي غـيـر دراســــــ­ــــــة الـــــبــ­ـــاحـــــ­ث ســــيــــ­د الـــــبــ­ـــحـــــر­اوي «محتوى الشكل فـي الـروايـة العربية» ،)1996( في هذا املوضوع املعقد، ولكن الـــبـــح­ـــراوي لـــم يــتــابــ­ع غــيــر الــنــصــ­وص املــــصــ­ــريــــة الـــــروا­ئـــــيـــ­ــة األولـــــ­ــــى حـــصـــرًا، ولـــــم يـــعـــد ملـــتـــا­بـــعـــة الـــــروا­يـــــة الـــعـــر­بـــيـــة، أو املــــــص­ــــــريــ­ــــة، فــــــي زمــــــــ­ن نـــضـــوج­ـــهـــا وانتشارها في العالم العربي.

 ?? ?? فاتح المدرّس، زيت على قماش، 1969
فاتح المدرّس، زيت على قماش، 1969

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar