كنز سورية المطمور
روسيا تنبش الفوسفات وإيران تريد حصتها
تقدير احتياطي سورية من الفوسفات بنحو ثالثة مليارات طن
يتميز الفوسفات السوري بالجودة وباقترابه من سطح األرض
تمتلك سورية ثروة هائلة من احتياطي الفوسفات الذي تسعى كل من روسيا وإيران للسيطرة عليه. االستحواذ هذا موثق باتفاقيات طويلة األمد وقعها نظام بشار األسد وممارسات تؤكد أن هذا المورد هو واحد من األثمان التي يدفعها األسد لحلفائه
حدثان أعادا طرح ملف الفوسفات السوري أخيرًا، األول بدء اإلنتاج التجريبي من شركتي «املشاريع املائية» و«البناء والتعمير» التابعة لـوزارة األشــغــال العامة واإلســكــان الـسـوريـة، ضمن منطقة تخضع لالستثمار الروسي، والحدث الثاني إعادة طرح إيران إحياء عقد استثمار الفوسفات السوري خالل التحضير لتوقيع اتفاقية التعاون االستراتيجي طويلة األمد بني طهران ونظام بشار األسد. وكـــــــان وزيـــــــر األشـــــغـــــال الــــعــــامــــة واإلســــكــــان سهيل عبد اللطيف، ووزيـــر النفط والـثـروة املعدنية بسام طعمة، قد تفقدا سير العمل فــي مـنـجـم «األبـــتـــر»، شــرقــي مـديـنـة حمص، وسـط سـوريـة، بعد تركيب كسارة الطبقات الصخرية التي تغطي الفوسفات، تحضيرًا لبدء اإلنتاج. كما كشف املتخصص بالنفط والــثــروة املعدنية عبد الــقــادر عبد الحميد، لـ«العربي الجديد»، عن طرح طهران تفعيل الــشــركــة املـشـتـركـة اإليــرانــيــة الــســوريــة التي تــأســســت عـــام ،2016 قــبــل أن يــجــمــد عملها إثــر دخـــول روسـيـا واسـتـئـثـارهـا على قطاع الـفـوسـفـات «مــا يثير الـتـسـاؤل حــول التكتم عــلــى الــفــوســفــات الـــســـوري الـــــذي يــصــل إلــى دول أوروبـــا الغربية». ويشير عبد الحميد إلــى أن البيانات الرسمية تـؤكـد أن سورية بـلـغـت املــرتــبــة الـخـامـسـة عـاملـيـا باحتياطي الفوسفات وزادت صادراتها قبل الثورة عام 2011 عن 3.2 ماليني طن سنويا.
أرقام ميتة
يصف عبد الحميد بالده بـ«أهم بلدان العالم بــاحــتــيــاطــي الـــفـــوســـفـــات»، مـــقـــدرًا احـتـيـاطـي ســـوريـــة بـنـحـو ثــالثــة مــلــيــارات طـــن، فـيـمـا لم يــتــم اســتــخــراج أكــثــر مـــن 0.17 فـــي املـــائـــة من «االحتياطي الهائل»، ألن اإلنتاج لم يـزد عن 3.5 ماليني طن سنويا «املـعـروف أو املصرح به»، يذهب جزء منه للشركة العامة لألسمدة املـــحـــدثـــة بـــســـوريـــة مـــنـــذ عـــــام 1972 (مــعــمــل اآلزوتـي بحمص)، وصدر بني 3 3.2و ماليني طن بني تسعينيات القرن املاضي وحتى عام ،2011 قـبـل أن تــتــراجــع كـمـيـة الـتـصـديـر إلـى أقــــل مـــن مــلــيــون طـــن «مــــن الـــنـــوعـــني، مـغـسـول رطب وجـاف». ويقول عبد الحميد إن اقتراب الــفــوســفــات مـــن ســطــح األرض «ال يـــزيـــد عن 12 مـــتـــرًا بــمــوقــعــي الــشــرقــيــة و خـنـيـفـيـس»، وهـذه ميزة مهمة، كما أن احتواء الفوسفات السوري على 35 في املائة من خامس أكسيد الفوسفور ونسبة من الغازات املشعة، وليس اليورانيوم فقط بل والثوريوم واملوليبيديوم، تــزيــد مــن جــودتــه وأهـمـيـتـه، ولــكــن، يستدرك املــــخــــتــــص الــــــــســــــــوري، لـــــألســـــف لــــــم يـــتـــنـــعـــم السوريون بعائدات هذه الثروة إلى أن رأينا الصراع عليها بني إيران وروسيا بعد الثورة، كما دخلت صربيا على كعكة االستثمار بعقد فـــي مـنـطـقـة شــرقــي مـديـنـة تـــدمـــر. مـــن جهته، يشكك عضو اتـحـاد غــرف الـتـجـارة السورية سابقا نبيه السيد علي «بجميع أرقام النفط والـفـوسـفـات»، ألن تلك الــثــروات بـرأيـه، كانت مـن «أســــرار الــدولــة خــالل حكم األســديــن األب واالبـــن»، مشيرًا أن رقـم إنتاج النفط املتداول كـــــان 380 ألـــــف بـــرمـــيـــل يـــومـــيـــا، فــــي حــــني أن الــحــقــيــقــي «أكـــبـــر بــكــثــيــر»، وهـــكـــذا بـالـنـسـبـة لــلــفــوســفــات. ويــضــيــف الــســيــد عــلــي متحدثا لـ«العربي الـجـديـد»، أن ثـــروات سـوريـة كانت مـمــتــلــكــات عــائــلــيــة مــنــذ الـسـبـعـيـنـيـات حتى الــيــوم، ولــم تنعكس الــصــادرات الكبيرة على سورية تطويرًا لحياة السوريني، ولم تنكشف تــلــك الـــثـــروات وعــائــداتــهــا املــســروقــة إال بعد الثورة، حينما خرجت معظم مناطق اإلنتاج عــن سـيـطـرة نــظــام األســــد، فــعــرف الـسـوريـون حـجـم إنــتــاج بــالدهــم وأهـمـيـتـه، ولـكـن نظريا لألسف، ألن شركاء األسد واملليشيات عادوا ووضـــعـــوا الــيــد عـلـى تـلـك الــــثــــروات، ليستمر السوريون في العوز واملعاناة. ويـأسـف عضو غــرف التجارة السابق لعدم قدرة املعارضة على فسخ عقود نظام األسد، ســـواء النفطية أو الـفـوسـفـات أو حتى رهن وتأجير مناطق حيوية مثل مرفأ طرطوس، ألن املـعـارضـة «لــم تشتغل وتـتـفـرغ لـذلـك أو السترداد األموال املنهوبة».
التوزع الجغرافي واإلنتاج
يــقــول الــبــاحــث الــدكــتــور مـحـمـد حـــاج بـكـري لـــ«الــعــربــي الــجــديــد»، إن احـتـيـاطـي سـوريـة «غــيــر دقـــيـــق»، إذ يــــراوح بـحـسـب الـــدراســـات بــــني 2.5 و3 مــــلــــيــــارات طـــــن، ولــــكــــن لــــم يـتـم مسح كل الجغرافيا املتوقع احتواؤها على الـــفـــوســـفـــات، ســــــواء بـــالـــبـــاديـــة الـــســـوريـــة أو
منطقة الساحل والقلمون، ولكن حتى اليوم يــتــوزع الــفــوســفــات عـلـى ثـــاث مــنــاطــق، هي الـسـلـسـلـة الــتــدمــريــة، شــرقــي مــديــنــة حمص (خنيفيس والـشـرقـيـة والــرخــيــم)، وبمنطقة الـــبـــاديـــة الـــحـــمـــاد (الــجــفــيــفــة والـــثـــلـــيـــثـــاوات والسيجري والـحـبـاري)، إضافة إلـى منطقة الـسـاحـل غـربـي ســوريــة (عـــن التينة وقلعة املهالبة وحمام القراحلة وعن ليون)، وتعد مناجم الشرقية وخنيفيس األكثر احتياطيًا واألقرب إلى سطح األرض. فـيـمـا يــــروي الــبــاحــث الـــســـوري يــاســر بــدوي تـــبـــدل ســيــطــرة الـــقـــوى عــلــى مــنــاطــق إنــتــاج الــفــوســفــات بــعــد الـــثـــورة الـــســـوريـــة، إذ منذ منتصف عـــام ،2015 سـيـطـر تنظيم الــدولــة (داعــش) على أهم وأكبر الحقول (خنيفيس والـــشـــرقـــيـــة) لـيـبـقـى اإلنـــتـــاج مــتــوقــفــًا لنحو عامن، إلـى حن سيطرت مليشيات بقيادة إيــرانــيــة عــلــى املـنـطـقـة فـــي مـطـلـع عـــام 2017 بـمـا ســمــي وقـــتـــذاك عملية تـحـريـر الــبــاديــة، ووضعت طهران يدها على املنجمن. ويــســتــدرك الـبـاحـث بـــدوي بـــأن نــظــام األســد وإيــــران كـانـا قــد أسـسـا شـركـة مشتركة منذ عام ،2016 الستخراج الفوسفات وتصديره، إلــى إيــرن أوال، لاستفادة مـن املـــواد املشعة ببرنامج إيــران الـنـووي، والسـتـرداد األمـوال التي قدمتها طـهـران للنظام الـسـوري خال حربه على الثورة «أهمها خطوط االئتمان». وفـــي حــن يـشـكـك الــبــاحــث الـــســـوري بصحة مـــا قــالــتــه أوســــــاط إيـــرانـــيـــة وقــــتــــذاك عـــن أن طـــهـــران اســتــخــرجــت فـــوســـفـــات بــمــا يــــوازي قــــروضــــهــــا لــــدمــــشــــق، ألن ســـيـــطـــرة الــــقــــوات اإليرانية استمرت لفترة وجيزة، إذ سرعان مـا اسـتـعـادت روسـيـا منطقة املـنـاجـم، يؤكد بــــدوي لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»، أن الـفـوسـفـات الـــســـوري مـــن أهـــم أهـــــداف روســـيـــا بــســوريــة، مذكرًا بما قاله نائب رئيس الوزراء الروسي ديــمــتــري روغــــوزيــــن عــــام 2017 مـــن دمــشــق، إن في سورية «أكبر حقل فوسفات (يقصد خنيفيس والشرقية)، يمكن االستثمار فيه ملنتجات األسمدة املطلوبة عامليًا». ويضيف املـتـحـدث أن روســيــا، فــي أيــــار/ مـايـو ،2017 سـيـطـرت عـلـى كـامـل مــواقــع حقلي الشرقية وخنيفيس، مستندة إلى االتفاق الذي وقعته مـجـمـوعـة «ســـتـــروي تــرانــس غـــاز» مــع نظام األســــد فـــي نــيــســان/ إبـــريـــل فـــي الـــعـــام نفسه لتبدأ اتفاقية صيانة مواقع إنتاج الفوسفات واستخراجه ونقله، والتي تبعتها في آذار/ مـــارس ،2018 اتــفــاقــات عــديــدة بــن موسكو ونـــــظـــــام األســـــــــد، نـــصـــت عـــلـــى اســـتـــثـــمـــارات بقطاعات عــدة، منها الكهرباء والصناعات التحويلية والكيميائية. ويلفت بكري إلى أن نظام األسد الذي طلب الحماية والتدخل من الروس منذ عام ،2015 أعطاهم كل ما يطلبون لـقـاء حمايته وإبـقـائـه على الـكـرسـي، ورهـن مــيــنــاء طـــرطـــوس وعـــقـــود الــفــوســفــات لنحو نصف قرن. ويتوقع االقتصادي نبيه السيد علي أن تعود إيـــران لوضع اليد على قطاع الــطــاقــة، ولـــم يستبعد بـالـوقـت نفسه إعـــادة إحياء نظام األسد اتفاقية الشركة املشتركة حـــول اســتــخــراج وتــصــديــر الــفــوســفــات، ألن املرحلة اليوم تفرض على األســد االنصياع لـشـروط طـهـران الـتـي لـوحـت بقطع إمـــدادات الــنــفــط واملــطــالــبــة بـخـمـسـة مـــلـــيـــارات دوالر ديون خطوط االئتمان.