Al Araby Al Jadeed

لوكاشينكو حليف روسيا وهاجسها

- بيار عقيقي

يتردد اسم بيالروسيا بكثرة في الفترة الحالية، سواء من خالل األنباء التي تتوالى عن تدريبات مشتركة بني جيشها والجيش الروسي، أو بفعل املواقف التهديدية املتصاعدة ضد أوكرانيا، وصوال إلى إبداء رئيسها ألكسندر لوكاشينكو استعداده لفعل ما تطلبه موسكو، وتكون مينسك «قادرة على تنفيذه». ال خيار فعليًا أمام لوكاشينكو، تمامًا كما حصل مع بدء االجتياح الروسي ألوكرانيا في 24 فبراير/ شباط املاضي: تأمره روسيا وتتجاوزه وتستخدم أراضي بالده لتطويق العاصمة األوكرانية كييف، وهو يرتضي ذلك. ال حليف له غيرها فعليًا. العقوبات األوروبية املتفاقمة عليه، خصوصًا بعد إعالن فوزه باالنتخابا­ت الرئاسية التي أجريت في أغسطس/ آب ،2020 تجعله في موقع اضطراري ال اختياري. مع العلم أن الخيار هنا يبدأ من احترام إرادة الناخبني، وعدم تعديل الدستور من أجل شخصه، وعدم قمع املعارضني وتصفية آخرين بعد خطفهم بحجج واهية، قبل القول إن «الغرب يريد رأس بيالروسيا». «الديكتاتور األخير في أوروبا»، وفقًا لتصنيف دول غربي القارة، وجد نفسه في موقع مثالي بالنسبة لروسيا: رئيس دولة غير قادر على نسج عالقات مع الغرب، يحتاج إلى موسكو أكثر مما تحتاج هي إليه، خصوصًا أنها تعتمده مثاال لتطبيق هيمنتها على الدول التي كانت يومًا ما جـزءًا من فلك سوفييتي واسـع، انطالقًا من نموذج سيطرة روسيا على مينسك. لم تكن عالقة الطرفني مثالية دائمًا، خصوصًا أن لوكاشينكو تصادم مع الكرملني في رئاسيات ،2020 واعتقل 33 شخصًا من مرتزقة «فاغنر»، متهمًا موسكو بإرسالهم لهزيمته في االنتخابات. كما سبق له أن أملح مرارًا إلى رغبته في إقامة دولة مستقلة واالنضمام إلى االتحاد األوروبي، غير أن ذلك كله بات من املاضي، مع تحويل روسيا بيالروسيا إلى ساحة انطالق في غزو أوكرانيا. هـذه الـ«بيالروسيا» هي ما ترغب روسيا في تعميمه على كل الــدول السوفييتية السابقة، فلو كان رؤساء أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي أو فيكتور يوتشنكو أو ليونيد كوتشما أو بيترو بوروشينكو وغيرهم، استنساخًا مثاليًا لبيالروسيا، لكان فيكتور يانوكوفيتش «قوميًا أوكرانيًا» أكثر من أقرانه. ولو أن روسيا نجحت في نشر ثقافة بيالروسيا في أوكرانيا، لتحولت، هي األخرى، إلى جدار لتلقي الضربات عــن مـوسـكـو. مــا نجح فــي بـيـالروسـ­يـا لــم ينجح فــي أوكــرانــ­يــا، وقــد يـكـون السبب شخصية لوكاشينكو املتقلبة واملحدودة أمام الروس. لم يكن لوكاشينكو مشروع رئاسة أصال في بيالروسيا. جدته ألمه أوكرانية من قرية في مقاطعة سومي في شمال شرقي أوكرانيا. ينسبه مطلعون على سيرته إلى الغجر، من دون أن يؤكد هو ذلك أو ينفيه. انتسب إلى جيش االتحاد السوفييتي بعمر الـ12، وصعد في صفوف الحزب الشيوعي، وبات مسؤوال عن إحدى املزارع الجماعية «كولخوز»، قبل أن يتحول إلى رئاسة بيالروسيا، بموجب انتخابات حرة ونزيهة، كانت الوحيدة في تاريخ البالد، ما بعد االستقالل عن االتحاد السوفييتي في عام .1991 الحقًا عدل لوكاشينكو الدستور مـرارًا، سامحًا لنفسه باملشاركة باالنتخابا­ت الرئاسية وتـمـديـد واليــاتــ­ه فـي السلطة. كـل شــيء سيتغير بالنسبة للوكاشينكو. أيامه في السلطة لن تبقى كما هي، وحلمه في البقاء على رأس الهرم في مينسك سيتحول إلـى كـابـوس. عسكريًا، ليس الجيش البيالروسي قويًا بما يكفي إلســنــاد روســيــا بعديد جــنــوده (نـحـو 62 ألــف جـنـدي عـامـل 350و ألـفـًا من االحتياط)، وال قادرًا على تغطية أرضه 207595( كيلومترًا مربعًا). ال يحتاج املرء إلى تفكير كثير، إلدراك أن بيالروسيا غير قادرة على التحرر من الحاجة الروسية إليها. أيضًا، غني عن التأكيد أن كل هذه املعطيات تقرب املشاركة البيالروسي­ة في الحرب األوكرانية، غير أن لوكاشينكو أمسك بورقة متقلبة: «أوكرانيا تقاوم الضغوط الغربية إليذائنا». لن تقبل روسيا بجواب كهذا، لكن لوكاشينكو يحتاج إليه لتوجيهه كمحاولة أخيرة للغرب، عله يحظى بمشروعية مماثلة للفنزويلي نيكوالس مادورو.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar