Al Araby Al Jadeed

عن مونديال قطر وخليجي البصرة وشان الجزائر

- ماجد عزام

بــعــد نــحــو شــهــر عــلــى نــهــايــ­ة مــونــديـ­ـال قطر الذي كان مهرجانًا وكرنفاال حافال بالدالالت والـــــــ­ـــــدروس، انـــطـــل­ـــقـــت بـــطـــول­ـــة خــلــيــج­ــي 25 فــي الــعــراق منتصف يـنـايـر/ كــانــون الثاني الـــجـــا­ري، وبــعــدهـ­ـا بـــأيـــا­م جــــاءت بـطـولـة أمـم أفريقيا للمحلين (شان) قي الجزائر. جاء مونديال قطر حافال بالدالالت السياسية والفكرية والسياسية والرياضية، مع النجاح املبهر في تنظيم بطولة على أعلى مستوى وأجــمــل مــا يــكــون، بحيث كـــان فـعـال األفـضـل فــي آخـــر نـصـف قـــرن حـسـب اســتــطــ­الع هيئة بــي بــي ســـي. وأكـــد املــونــد­يــال، ضـمـن دالالتـــه ودروســـــ­ه الــعــديـ­ـدة والـبـلـيـ­غـة، قــدرتــنـ­ـا، نحن العرب، على النجاح واملنافسة العاملية بشكل إيـــجـــا­بـــي ومــــؤثــ­ــر. إلــــى ذلـــــك، عــشــنــا فـــي قطر تـواصـل الـحـضـارا­ت ال صدامها، وحقيقة أن فلسطن كــانــت وال تــــزال قضيتنا املــركــز­يــة، كما وحدنا املونديال بوصفنا عربًا فعال ال قوال فقط، من الدوحة شرقًا إلى مراكش غربًا الـتـي التففنا أيـضـًا حـــول منتخبها، بعدما مثلنا أفضل تمثيل، إثـر وصوله إلـى نصف النهائي للبطولة الكبرى، وتعزيز حضوره وحضورنا ضمن األربعة الكبار في العالم. .. بــعــد نــحــو أربـــعـــ­ة أســـابـــ­يـــع، انــطــلــ­قــت بـطـولـة خليجي 25 في البصرة، وذلــك ألول مـرة في الـعـراق منذ أربعة عقود تقريبًا، مع السؤال املنطقي هـنـا: ملـــاذا تــأخــرت االسـتـضـا­فـة إلى هـذا الـحـد؟ وملـــاذا لـم يستضف الـعـراق نفسه املـونـديـ­ال قبل ذلــك رغــم إمكانياته البشرية واملادية الهائلة جـدًا؟ كانت محاولة دعائية وإعـــالمـ­ــيـــة إلســـقـــ­اط تــجــربــ­ة واســتــنـ­ـســاخ كل ما قيل، حرفيا، عن املونديال على البطولة، خصوصا مع أجواء االفتتاح الرائعة والحفل املبهر. ورغم األجـواء الرائعة، إال أن كل شيء وئـــــــد فــــي مـــهـــده وفـــــي الــلــحــ­ظــة نــفــســه­ــا، مـع املهزلة التنظيمية ومشهد الفوضى الصادم، واقــتــحـ­ـام الـجـمـاهـ­يـر مــقــصــو­رة كــبــار الــــزوار واالشتباك مع بعض الضيوف واملدعوين، ما دفـع الوفد الكويتي إلـى اتخاذ الـقـرار املحق بــاالنــس­ــحــاب مــبــاشــ­رة والــــعــ­ــودة إلــــى بــــالده، مـــع اتـــخـــا­ذ الـــقـــر­ار الـحـكـيـم أيــضــًا بـمـواصـلـ­ة مشاركة املنتخب األزرق في البطولة. .. وهنا ال يمكن استبعاد أصابع إيران عبر أدواتها، كونها ال تـريـد نـجـاح الــعــراق ونهضته، وال عــودتــه إلــى بيته الخليجي والـعـربـي الـعـام، كي تحتفظ بهيمنتها التامة عليه كاحتالل تـكـتـيـكـ­ي أصـــغـــر تــحــت االحــــتـ­ـــالل األمــيــر­كــي االســـتــ­ـراتـــيــ­ـجـــي واألكـــــ­بـــــر. ثــــم تــــبــــ­دى املـــوقــ­ـف اإليراني الحقيقي من البطولة عبر االعتراض والضجيج السياسي واإلعــالم­ــي والدعائي على إطـــالق تسمية الخليج الـعـربـي عليها، وخـــنـــو­ع حــكــومــ­ة الــحــشــ­د الــشــعــ­بــي الـتـابـعـ­ة لـهـا أصــــال، وإصـــــدا­ر رئــيــس وزرائـــهـ­ــا محمد الــــســـ­ـودانــــي أوامــــــ­ــره بـــالـــح­ـــذر فــــي اســـتـــخ­ـــدام املصطلح واالكتفاء بخليجي 25 في اإلعالم الرسمي، مع صمت مطبق من أبـواق الحشد الشعبي وأذرعــه اإلعالمية املمولة واملشغلة إيرانيًا أيضًا. سعت الحكومة كذلك إلى استخدام البطولة لــتــبــي­ــيــض صــفــحــت­ــهــا وتـــجـــم­ـــيـــل صـــورتـــ­هـــا، ونفي حقيقة أنها خسرت االنتخابات، وأتت بــتــفــا­هــم االحـــتــ­ـاللـــن، األمـــيــ­ـركـــي واإليــــر­انــــي، ضمن صفقة فجة وصارخة ومشينة لترسيم الــــحـــ­ـدود الـــبـــح­ـــريـــة بــــن لـــبـــنـ­ــان وإســــرائ­ــــيــــل، والتي تنازل فيها األول عن حقوقه وثرواته، واعـــتـــ­رف ضمنيًا بــالــدول­ــة الــعــبـر­يـة، رغـــم أن اتـــفـــا­ق 17 أيــــار )1983( ســيــئ الــصــيــ­ت، كــان أفضل منها ولم يفعل ذلك أبدًا، مع االحتفاظ بـالـحـقـو­ق حـتـى الــخــط 29 الــــذي يـضـم حقل كاريش الشهير أيضًا. الفـت جـدًا أن البصرة أخــذت على عاتقها وحـدهـا تنظيم خليجي 52، رغـــم أن الـبـطـولـ­ة تلعب مــن مجموعتن (أربـعـة فـرق لكل مجموعة). وكانت تفترض مشاركة بغداد أو حتى أربيل في تنظيمها، إال أن بغداد غير آمنة لأسف، مع الفوضى األمنية الضاربة واستباحة أعضاء وغوغاء الحشد لها متى شاؤوا، بما في ذلك املنطقة الخضراء املفترض أنها مؤمنة ومحصنة. أما أربيل فالعالقات متوترة وخالفاتها متعددة املـسـتـوي­ـات مـع حكومة الحشد الشعبي في بـــغـــدا­د، رغـــم أنــهــا تــبــدو كبقعة آمــنــة وواحـــة لــالســتـ­ـقــرار والــنــهـ­ـوض والـتـنـمـ­يـة فـــي البلد املضطرب. وفــــي الـــعـــم­ـــوم، وفــــي خـلـيـجـي الـــبـــص­ـــرة، كــان الـــجـــم­ـــهـــور الـــعـــر­اقـــي الـــبـــط­ـــل الــحــقــ­يــقــي، بـــدا متعطشًا لكرة القدم والحياة، علمًا أنـه كان حـــاضـــرًا كــذلــك فـــي ســـاحـــا­ت املــديــن­ــة والــبــال­د ومـــيـــا­ديـــنـــه­ـــمـــا ضــــد هــيــمــن­ــة ســلــطــة الــحــشــ­د (أســقــطــ­هــا فـــي االنـــتــ­ـخـــابـــ­ات)، حــيــث تـعـرض قـــادتـــ­ه ورمـــــــ­وزه لــالخــتـ­ـطــاف والـــقـــ­تـــل جــهــارًا نهارًا تحت أعن األجهزة الرسمية الضعيفة أمـام «الحشد» وتجرئه على السلطة والبلد بـــشـــكـ­ــل عـــــــام. وهــــــو نـــفـــسـ­ــه الـــجـــم­ـــهـــور الــــذي تلعب الكرة من أجله وفـق العبارة الشهيرة الصحيحة «الكرة للجماهير» التي كانت وال تـــزال صحيحة ومــعــبــ­رة، وتــأكــدت أيـضـًا في مونديال قطر الذي حقق أعلى نسبة حضور ومشاهدة في العقود األخيرة. كـــان شـغـف الـجـمـهـو­ر الــبــصــ­راوي والـعـراقـ­ي الشيء اإليجابي الوحيد في البطولة، إضافة طبعًا إلى تجمع الشباب من الدول املشاركة، وتـــعـــز­يـــز الــــوحــ­ــدة الــخــلــ­يــجــيــة ضــمــن وحـــدة مأمولة للعرب ككل. وفـي ما يخص الجانب الــريــاض­ــي الـفـنـي، جـــاء عــاديــًا أو مـقـبـوال في أحــــســـ­ـن األحــــــ­ـــــوال، خـــصـــوص­ـــًا مـــــع مـــشـــار­كـــة أفضل فريقن خليجين، واللذين مثال عرب آســيــا فـــي املـــونــ­ـديـــال، قــطــر والــســعـ­ـوديــة، في املنتخبات الـرديـفـة. ولـذلـك لـم يكن غريبًا أن يتراجع مستوى البطولة الفني بشكل عام، وخروج منتخبات عريقة من املنافسة مبكرًا. وفنيًا، كان وصوال مستحقا ملنتخب العراق إلـــى الـنـهـائـ­ي، ثــم الــفــوز بـكـأس الـبـطـولـ­ة، في ظــل الــــروح الـعـالـيـ­ة الــتــي لـعـب بـهـا املنتخب إلرضاء جمهوره املتعطش للفوز والحياة ما استطاع إليهما سبيال. بــعــد أيــــام مـــن افــتــتــ­اح خـلـيـجـي 52، انطلقت بــطــولــ­ة أمــــم أفــريــقـ­ـيــا لـلـمـحـلـ­يـن (شــــــان) في الجزائر، وهي، منذ البداية، لم تواكبها أجواء دعاية إعالمية تسمح بمقارنتها بمونديال قـــطـــر مـــــع خـــــالفـ­ــــات وســــــجـ­ـــــاالت ذات طـــابـــع سـيـاسـي أثــــرت سلبًا عـلـى االفـتـتـا­ح وأجـــواء البطولة بشكل عــام، فقد شهد يـوم االفتتاح اإلعــــــ­ــالن رســـمـــي­ـــًا عــــن عـــــدم مـــشـــار­كـــة الـــجـــا­ر املغرب، رابع العالم وصاحب النتائج الباهرة فـــي املـــونــ­ـديـــال (أعـــطـــا­ه الـفـيـفـا شـــرف تنظيم مونديال األندية في فبراير/ شباط املقبل)، بعدما تعمدت السلطات الجزائرية إحراجه إلخراجه. وكـان في الوسع فتح األجــواء أمام طــائــرة املنتخب املــغــرب­ــي، واعــتــبـ­ـار البطولة الــريــاض­ــيــة فــرصــة لـلـتـالقـ­ي وإبـــقـــ­اء الـقـنـوات املــفــتـ­ـوحــة، وإصـــــال­ح مـــا أفــســدتـ­ـه الــســيــ­اســة. ولـــكـــن األنـــظــ­ـمـــة الـــعـــر­بـــيـــة، لـــأســـف، ال تـفـكـر بهذه الطريقة. ثم جـاءت كلمة حفيد الزعيم التاريخي في جنوب أفريقيا نلسون مانديال مـسـيـسـة ومـــنـــح­ـــازة، ولــــم يــكــن هــــذا مـكـانـهـا، وتــشــعــ­ر بـــأنـــه دعــــا فــقــط لـــصـــب الـــزيـــ­ت على الــنــار، ومـــا كـــان يـجـب إعــطــاؤه الكلمة أصــال فــي بـطـولـة أو مـنـاسـبـة ريــاضــيـ­ـة، وإبـقـاؤهـ­ا في األجــواء الرسمية البروتوكول­ية املعتادة حــيــث كــلــمــة لــالتــحـ­ـاد األفـــريـ­ــقـــي لـــكـــرة الــقــدم (كاف) وكلمة لنظيره الدولي (الفيفا) وكلمة للدولة أو اللجنة املنظمة للبطولة. ال بـــد مـــن اإلشــــــ­ارة إلــــى اخـــتـــا­لف «شـــــان» عن الـــبـــط­ـــولـــة املـــركــ­ـزيـــة الـــكـــب­ـــرى «كــــــــا­ن»، كــونــهــ­ا مخصصة للمحلين في الدوريات األفريقية، وبـالـتـال­ـي عـــدم مـشـاركـة الـالعـبـن الناشطن فــي الـــدوريـ­ــات األوروبـــ­يـــة الــكــبــ­رى، مــع غياب الفــت ملنتخب مـصـر، رغــم أنـهـا مــن مؤسسي «كــاف» وتحتضن مـقـره، في تعبير عن سوء التخطيط واالنهيار العام في البلد من نتائج سياسات النظام الخاطئة. في العموم، وفي حالتي الـعـراق والـجـزائـ­ر، نتحدث عن بلدين عـــربـــي­ـــن غـــنـــيـ­ــن بـــالـــب­ـــشـــر والـــحـــ­جـــر واملــــيـ­ـــاه والنفط «والغاز»، وقيل دوما إنهما مرشحان لـــتـــجـ­ــاوز عــتــبــة الـــعـــا­لـــم الـــثـــا­لـــث نـــحـــو األول بـصـحـبـة الـــقـــو­ى الــصــاعـ­ـدة تــركــيــ­ا ومـالـيـزي­ـا وكــــوريـ­ـــا وإنـــدونـ­ــيـــســـ­يـــا والـــهـــ­نـــد والـــبـــ­رازيـــل واألرجــــ­نــــتــــ­ن ثــــم جــــنــــ­وب أفـــريـــ­قـــيـــا، غـــيـــر أن االستبداد حطم العراق وبـدد ثرواته وسلمه عــلــى طــبــق مـــن فــضــة لــلــغــز­اة، قــبــل أن يتكفل «الحشد الشعبي» بتدمير ما تبقى، بما في ذلك األسـس التاريخية التي قام عليها البلد الـعـريـق؛ بحيث بــات عـاجـزًا عـن تنظيم جيد آمن لبطولة من ثمانية فـرق، ناهيك بتحوله إلــى دولــة فاشلة مـع نسب الفساد الخيالية، وسـرقـة ونـهـب مـئـات مـلـيـارات الــــدوال­رات من الــخــزيـ­ـنــة الـــعـــا­مـــة، بــحــيــث بــــات عــــاجـــ­ـزًا، رغــم ثرواته الهائلة، عن حل مشكلة البنى التحتية والخدمات األساسية، وهـو ال يــزال يستورد الغاز والكهرباء من إيــران صاحبة املصلحة في إبقائه ضعيفًا تحت سيطرتها وهيمنتها. أمر مماثل يمكن قوله عن الجزائر أيضًا مع إمكاناتها الهائلة التي حطمها نظام العسكر االســــتـ­ـــبــــدا­دي الــــــذي نـــهـــب 23 مـــلـــيـ­ــارًا خـــالل 25 عـــامـــًا، كــمــا قــــال الــرئــيـ­ـس الـــراحــ­ـل محمد بــوضــيــ­اف، ثــم أخـــذ الـنـظـام الــبــالد كلها إلـى الحرب األهلية في تسعينيات القرن املاضي، فقط للبقاء بالسلطة، وأخيرًا التف على حراك الــشــبــ­اب املـنـتـفـ­ض إلعـــــاد­ة إنـــتـــا­ج نـفـسـه مع مساحيق تجميل وأقنعة، بحيث بات عاجزًا حـتـى عــن تنظيم بـطـولـة صـغـيـرة للمحلين كــمــا يــنــبــغ­ــي. وخـــطـــت بــالــقــ­دم الــيــســ­رى منذ لحظاتها األولى. فـــي األخـــيــ­ـر، بـتـركـيـز واخـــتـــ­صـــار، تـمـلـك قطر إمكانات كبيرة، مع حكم رشيد أيضًا، بحيث نـظـمـت بــطــولــ­ة عــاملــيـ­ـة واســتــضـ­ـافــت مـاليـن املشجعن والـــــزو­ار، وقــدمــت نـمـوذجـا مبهرا جدا للعالم مع تعزيز عدالة قضايانا وحقيقة أنــنــا أمـــة واحـــــدة ذات رســـالـــ­ة خـــالـــد­ة، بعيدًا عن االستبداد والفساد وشعاراته الجوفاء، بينما كان الجمهور املسحوق واملستضعف واملتعطش للرياضة والحياة هو البطل في العراق والجزائر، ويستحق بالتأكيد أنظمة ديـمـقـراط­ـيـة شـفـافـة ونـزيـهـة وحـكـمـا رشـيـدا خاليا من االستبداد والفساد.

بات العراق عاجزًا عن تنظيم جيد وآمن لبطولة من ثمانية فرق، ناهيك بتحّوله إلى دولة فاشلة مع نسب الفساد الخيالية

باتت الجزائر عاجزة حتى عن تنظيم بطولة صغيرة للمحليين كما ينبغي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar