Al Araby Al Jadeed

االنضمام إلى جوقة الفرح في صيف 2007

- حسن أكرم

لكل عراقي قصته وذكرياته الخاصة حول االحتفاالت املرافقة لفوز العراق في «بطولة كأس آسيا» عام ،2007 ولي قصتي أنا أيضًا. كنا نتابع املباريات في شقة أقارب لنا في البصرة، تطل على منطقة العباسية، وبعد أن انتهت مباراة نصف النهائي لصالح العراق ضـد كوريا الجنوبية، سمعنا صوت الطبول تضرب من بعيد. فركضنا نحو الشرفة، وكان حشد من الناس قد تجمع في جوقة كبيرة تندفع بالطريق نحو منطقة العشار، لم يكن العراق - وأقصد «العراق الجديد»، أي العراق الذي تلى «عـراق صدام حسني» - قد اعتاد األفراح بعد. لذا كان تجمهر الناس والتحاق اآلخرين بهم حدثًا مبهجًا لنا، نحن اليافعني، فما إن ملحناهم حتى ركضنا لنلتحق بهم. لم يعارض األهل ذلك رغم خطورة األوضاع األمنية في تلك الفترة؛ أنستهم الفرحة املخاوف املعتادة. نزلنا نركض وال نعرف إلى أي شيء سننتهي، ولم يكن أحد يعرف إلى أين ستتجه الجوقة في ذلك املساء الحار. لكن حدثًا ما وجه الجموع نحوه، وخلق لنا هدفًا جديدًا غير الفوز بكأس آسيا، هدفًا يخص املحتفلني وحــدهــم. فقد انعطفت سـيـارة «بـيـك آب» مـن نــوع هــونــداي، مـن أحــد الـشـوارع الفرعية لتقود الـجـمـوع فـي األمــــام، بينما يجلس فـي حوضها مـصـور البث املباشر واملراسل اللذان جلسا القرفصاء، ليوثقا لحظات الفرح غير االعتيادية، وقد أصبحنا نمتلك معنى لركضنا هذا، إذ ظهر الهدف أخيرًا، ورحنا نزاحم الناس للوصول إلى امليكرفون، دون أن نعرف ما سنقوله في حال وصلنا إليه. واصـل الناس االنضمام إلى مضمار الركض هـذا، وكـل منهم يحمل كلمته، فبعضهم يـوجـه نصائح للمدرب حــول الالعبني جـازمـًا أنــه إذا مـا أخــذ بها سينجح الـفـريـق فــي الــفــوز، وآخـــر ينتهز الـفـرصـة لـيـهـدي الــســالم ألقــاربــ­ه املهاجرين في أملانيا. أما أنا ومن معي (أخي عزوز وابن خالتي سويف)، فلم نفكر في كلمة ننطق بها، حتى عندما نفد كالم الناس وتراجعوا قليال عن سيارة البث املباشرة. فجأة وجدنا أنفسنا وقـد تصدرنا الجوقة، وهـا هي الكاميرا تلمح وجوهنا، فما إن وصلنا أمامها مباشرة حتى اكتشفنا أن ليس لدينا ما نقوله، وقد تسلل إلينا حزن عميق كأنه نهاية االحتفال. تراجعنا أنا وأخي عن الكاميرا، بينما تصدر ابن خالتي الذي لم يجد سوى كلمة واحدة، راح يرددها: «للكأس.. للكأس». كان الليل قد هبط، وبدأ الناس باالنفضاض وقد ابتعدت «البيك أب» باملصور واملراسل، وفي تلك اللحظة أدركنا أننا قد قطعنا أكثر من عشرة كيلو مترات بعيدًا عن الشقة، دون أن ننتبه أنه ليس معنا أجرة العودة. (كاتب من العراق، والنص هو مقدمة لكتاب بعنوان «هدف في مرمى بوش»، أنجزه الصحافيان اإليطاليان: ماكس تشيفيلي ودييغو مارويوتيني وتصدر ترجمته هذه األيام عن «دار درج» بتوقيع شريف رسمي. يتحدث الكتاب عن تمكن املنتخب العراقي من الفوز في «بطولة كأس آسيا لكرة القدم» عام ،2007 واألجواء التي صاحبت ذلك النصر، خاصة أن البلد كان قد تعرض للغزو واالحتالل األميركي عام ،2003 بما تبعه من تخريب لقطاعات مختلفة)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar