تخويف المحتجين
تـــقـــدم عـــشـــرات الـــحـــواجـــز األمـنـيـة ومـــــــواقـــــــع الــــــرقــــــابــــــة الـــعـــســـكـــريـــة املنتشرة في املناطق التي يسيطر عليها النظام الــســوري، صــورة عـن سياسة مـمـنـهـجـة اعــتــمــدتــهــا ســلــطــات بـــشـــار األســـد خـــال نـحـو 12 عــامــًا مــن الـــحـــرب، عـبـر نشر الحواجز بني املناطق املختلفة، والتي لم تعد تقتصر أهدافها على ماحقة املعارضني أو املتخلفني عـن الـخـدمـة العسكرية، بـل باتت مصدر تمويل كبير للقوات التابعة للنظام واملــلــيــشــيــات. فــهــذه الـــحـــواجـــز تــحــولــت إلــى مـراكـز ابـتـزاز للسوريني، عبر فــرض إتــاوات وأعـــــمـــــال نـــهـــب وســــطــــو واخــــتــــطــــاف مــقــابــل الـــفـــديـــة، لــتــزيــد مــصــائــب الـــســـوريـــني بـعـدمـا قـــطـــعـــت أوصـــــــال ســــوريــــة ومــــهــــدت لـتـقـسـيـم الباد، موسعة الفرقة واالختاف بني فئات الشعب السوري.
عشرات الحواجز األمنية
وخــــال ســـنـــوات الـــحـــرب الـــســـوريـــة، انـتـشـرت عـــشـــرات الــحــواجــز األمــنــيــة ومـــواقـــع الـرقـابـة العسكرية فـي مناطق سيطرة نـظـام األســد، وأخذت أشكاال عديدة من التموضع، وأنواعًا مختلفة مــن املــهــام، حـتـى بــاتــت تقطع املــدن واملحافظات السورية، وتسبب معاناة كبيرة للمواطنني وتنقاتهم. بــني املـــراكـــز الــحــدوديــة وأي مـديـنـة ســوريــة، تـنـتـشـر أعـــــداد مـــن الــنــقــاط األمــنــيــة الـتـابـعـة لــأجــهــزة املــخــابــراتــيــة والـعـسـكـريـة الـتـابـعـة للنظام الـــســـوري، وهـــي منفصلة بـقـراراتـهـا ومهامها عـن بـاقـي الـنـقـاط، إلــى حـد يتوهم العابر للمناطق واملـــدن الـسـوريـة أنــه ينتقل مـــن دولـــــة إلــــى أخـــــرى كـلـمـا وقــــف أو تــجــاوز حــاجــزًا أمــنــيــًا. يــقــول الــنــاشــط املــدنــي منيف رشيد، لـ «العربي الجديد»، إن معظم القادمني إلى سورية يعلمون ما ينتظرهم، سواء عبر املطارات أو املنافذ الحدودية، فهذه الحواجز والنقاط استغنت عن مهامها األمنية لصالح أعــمــال االبـــتـــزاز والـتـهـريـب والـــرشـــوة ونهب الــعــابــريــن، مضيفًا «أول مــا يـجـب أن يفعله القادم هو تصريف 100 دوالر أميركي، التي باتت ضريبة دائمة لدخول وطنه». مـــــن جــــهــــتــــه، يــــصــــف الــــنــــاشــــط الـــســـيـــاســـي سليمان العلي، الطريق من الحدود السورية - اللبنانية الرسمية، وصوال إلى طرطوس، بطريق التشليح والتشبيح. ويقول العلي، في حديث مع «العربي الجديد»، إن الداخل مــن منطقة املصنع اللبنانية نحو حــدود وطـنـه يصطدم مـبـاشـرة بمسألة تصريف 100 دوالر بسعر الصرف املثبت في املركزي الــــســــوري، والــبــعــيــد عـــن الــــواقــــع، ويـخـسـر أي مــــواطــــن 300 ألــــــف لــــيــــرة عــــن كــــل 100 دوالر، حتى لو كـان معه عائلته وصغاره، فالجميع يدفع. ويــضــيــف: «بــعــدهــا تــبــدأ عـمـلـيـات االبــتــزاز وانــــتــــظــــار ســــاعــــات مــــن الـــقـــهـــر لـلـتـفـتـيـش الـجـنـائـي واألمـــنـــي عـلـى حــواجــز الـجـمـارك ضمن املنطقة الــحــدوديــة. وعـنـدمـا تستلم أوراقـــــك أخــيــرًا وتــركــب ســيــارة الـنـقـل نحو دمـشـق، تــصـادف حـواجـز مــن كــل األشـكـال، بـــــدءًا مـــن املـــخـــابـــرات الــعــســكــريــة والــجــويــة وأمن الدولة واألمن السياسي، وصوال إلى حواجز الفرقة الرابعة التي تشعرك بأنها حـدود مفصولة وحدها، وبلد داخـل بلد»، متابعًا «جميعها تقبض املال والهدايا من دون تفتيش أو أي ســـؤال يـــذكـــر». ويشير الـعـلـي إلـــى أنـــه رصـــد 20 حــاجــزًا أمـنـيـًا من املصنع حتى وسط محافظة طرطوس. طلبت أجهزة النظام السوري األمنية من عدد من الناشطين المدنيين في محافظة السويداء جنوبي سورية، مراجعة مكاتبها، في خطوة اعتبرها المعارضون للنظام محاولة جديدة لبث الخوف والتراجع عن االحتجاجات. وأثار استدعاء فرع األمـــن السياسي فــي الـسـويـداء لـلـنـاشـط عــبــدي مــرشــد غضب عدد كبير من المواطنين. وقال أحــد قـــادة الفصائل المسلحة المحلية لـ«العربي الجديد»، إّن أّي مساس مباشر بأّي ناشط على كامل جغرافية المحافظة سوف يواجه برد قاس.
مصدر للسرقة واالبتزاز
بـني مطار دمشق الـدولـي ومدينة السويداء، فــي جـنـوبـي ســوريــة، ثمانية حــواجــز أمنية، إحــــداهــــا قــبــل مــــغــــادرة حــــرم املـــطـــار وآخـــرهـــا بــالــقــرب مــن مـديـنـة شـهـبـا شــمــال الــســويــداء، يتبع ملــا يسمى «الـــدفـــاع الــوطــنــي»، ومـطـعـم بعناصر مـن األفـــرع األمـنـيـة التابعة للنظام السوري. وجميع هذه الحواجز تفرض إتاوات على القادمني من املطار أو على سيارات نقل البضائع والخضار اآلتية من دمشق. يـقـول أبــو قيصر، أحــد سائقي نقل الخضار
من دمشق إلى السويداء، لـ«العربي الجديد»، إن لكل حاجز تعرفته النقدية، وهذه تتناسب ونـــــــوع الـــبـــضـــاعـــة وســــعــــر الــــــــــدوالر، مـضـيـفـًا «الــبــعــض يـقـبـل الــتــفــاوض ويـــرضـــى بـأشـيـاء مـــحـــددة مــثــل الـــدخـــان والـــخـــضـــار والــفــاكــهــة، وحــــواجــــز أخـــــرى ال تــقــبــل إال بـــبـــدل نـــقـــدي». ويــشــيــر إلــــى أنــــه «فــــي حــــال االعــــتــــراض على املبلغ املطلوب، يفرض عناصر الحاجز على الـــســـائـــق إفــــــراغ الــحــمــولــة بــالــكــامــل مـــن أجــل التفتيش». ويذكر أبو قيصر أن أحد الحواجز ويـسـمـى «حــاجــز املـسـمـيـة»، فـــرض عـلـى أحـد
ناقلي الرمل األبيض من كسارات ريف دمشق إفـــــراغ حــمــولــة ســيــارتــه عــلــى جــانــب الـطـريـق مــــن أجـــــل الــتــفــتــيــش. ويـــــــدرك الــــســــوريــــون أن مهام هذه الحواجز باتت تتراوح بني أعمال الــنــهــب والـــســـطـــو وجـــمـــع اإلتــــــــاوات وحــمــايــة تــــجــــارة املـــــخـــــدرات والــــســــيــــارات املـــهـــربـــة مـن لبنان، إضافة إلـى ماحقة معارضي النظام والفارين واملتخلفني عن الخدمة العسكرية. ولكن حتى هؤالء يستطيعون التنقل والسفر عبر الحدود البرية مقابل مبالغ مالية متفق عليها. ويــقــول آدم م. وهـــو مـطـلـوب للخدمة