«فاغنر»... من الظل إلى صدارة مش ـهد الحرب في أوكرانيا
سـخـر مــؤســس مـجـمـوعـة مـرتـزقـة «فـاغـنـر»، رجــل األعـمـال الـروسـي يفغيني بريغوجن، واملــــــعــــــروف بـــــ«طــــبــــاخ بـــــوتـــــن»، مـــــن إعـــــان الواليات املتحدة تصنيف شركته العسكرية الـخـاصـة «منظمة إجـرامـيـة دولــيــة» وفــرض عقوبات إضافية عليها في األيام املقبلة. وبـــلـــغـــة تـــهـــكـــم واضـــــحـــــة، قــــــال بـــريـــغـــوجـــن: «وأخــــــيــــــرًا أصـــبـــحـــت فـــاغـــنـــر واألمـــيـــركـــيـــون زمـــاء». وأضـــاف، فـي تعليق نشرته املـواقـع املـقـربـة مـنـه عـلـى صفحاتها فــي «تـلـيـغـرام» ووســـائـــل الـــتـــواصـــل االجــتــمــاعــي الــروســيــة، أنه «من اآلن فصاعدًا، يمكن وصف عاقتنا على أنها تسوية صـراعـات بن املجموعات اإلجرامية». وتنوي الواليات املتحدة فرض عــقــوبــات عــلــى املــجــمــوعــة الســتــيــراد قــذائــف وصواريخ من كوريا الشمالية في نوفمبر/ تشرين الثاني املـاضـي، حسب صـور قدمها البيت األبيض. وهذه ليست املرة األولى التي تــتــحــدث فـيـهـا واشــنــطــن عـــن دفـــعـــات ســاح من كوريا الشمالية إلـى روسـيـا، ففي بداية نوفمبر املاضي، قال املتحدث باسم مجلس األمن القومي في البيت األبيض جون كيربي إن كــــوريــــا الــشــمــالــيــة أرســــلــــت إلـــــى روســـيـــا دفعات كبيرة من قذائف املدفعية في أوائـل الخريف املاضي. وال يبدو أن الوضع املادي ملجموعة املرتزقة، الــتــي كــانــت لــســنــوات ذراع روســـيـــا الخفية للتدخل في أوكرانيا منذ ،2014 والحقًا في أكثر من 20 ّدولـة، سوف يتضرر. فمجموعة «فاغنر» تؤمن دخلها في سورية عبر عقود مــع الـنـظـام الـــســـوري لـحـراسـة حــقــول النفط والـــغـــاز مـقـابـل الـحـصـول عـلـى نسبة كبيرة من املبيعات، كما تحرس مناجم الفوسفات
انتقل مرتزقة «فاغنر» من الظل إلى صدارة المشهد في الحرب الروسية على أوكرانيا، وذلك بعد فشل القوات الروسية في تحقيق تقدم سريع في دونيتسك ولوغانسك والخسائر البشرية الكبيرة في أوكرانيا
بدعم من جنراالت نافذين في وزارة الدفاع الروسية. وقدرت تقارير إعالمية أن «فاغنر» تحصل على مئات املالين من الدوالرات من تجارة الذهب واألملاس في البلدان األفريقية، بـاسـتـخـدام شــركــات وهـمـيـة لـاللـتـفـاف على العقوبات األميركية واألوروبـــيـــة املفروضة على املجموعة منذ ،2017 وجرى توسيعها أكـــثـــر مـــن مـــــرة. وتــحــتــفــظ شـــركـــات مــؤســس ومـــمـــول «فــاغــنــر» بــعــقــود مـــع وزارة الــدفــاع الــروســيــة لــتــأمــن وجـــبـــات الــطــعــام للجيش الــــروســــي، وربـــمـــا تــحــصــل عــلــى تــمــويــل من املــوازنــة الروسية التي بــات أكثر مـن ربعها سريا بعد الحرب. بـــعـــد ســــنــــوات مــــن اإلنـــــكـــــار، تـــبـــدلـــت مـــواقـــف الـكـرمـلـن مــن نـفـي وجــــود مــرتــزقــة «فـاغـنـر» ورفــــض وجــــود أي صــلــة لــهــا بـــالـــدولـــة، إلــى االعـــــتـــــراف بــــوجــــودهــــا رســـمـــيـــا بـــعـــد أشــهــر مــن بــدايــة الــغــزو الــروســي ألوكــرانــيــا فــي 24 فـبـرايـر/ شـبـاط مــن الــعــام املــاضــي. ومعلوم أن الـقـوانـن الـروسـيـة تمنع وجـــود شركات أمــنــيــة خـــاصـــة، وعـــلـــى الـــرغـــم مـــن مـــحـــاوالت عـــدة لتشريع وقـونـنـة عـمـل شـركـة «فـاغـنـر» منذ سنوات، إال أن مجلس الدوما (البرملان) الروسي لم يناقش مشروع قانون أعده حزب «روسيا العادلة - من أجـل الحقيقة» املقرب من الكرملن في ،2018 وأعاد طرحه الثالثاء املـاضـي بعد إشـــادة رئـيـس الـحـزب سيرغي مـيـرونـوف بـنـجـاحـات مقاتلي «فـاغـنـر» في الـسـيـطـرة عـلـى مـديـنـة ســولــيــدار األوكــرانــيــة فــي مقاطعة دونـيـتـسـك. واقــتــرح مـيـرونـوف تبني قانون ينظم نشاط الشركات العسكرية الخاصة، وأن تتولى وزارة الدفاع الروسية الـرقـابـة على أعــمــال هــذه الــشــركــات، على أن تنفذ مهامها خارج روسيا فقط. ولم تبرز مشاركة «فاغنر» في األيـام األولى
للحرب على أوكرانيا، وتصدرت املجموعات الشيشانية مشهد القتال إلى جانب الجيش الــــروســــي، لــكــن تــقــريــرًا اســتــقــصــائــيــا، نـشـره مــوقــع «مـــيـــدزوا» الـــروســـي فــي صـيـف الـعـام املـــــاضـــــي، أشـــــــار إلـــــى أن الـــجـــيـــش الــــروســــي اعـتـمـد عـلـى مـجـمـوعـات مـرتـزقـة أخــــرى، من ضــمــنــهـا وحـــــــدات «ريـــــــــدوت» و«بــــاتــــريــــوت» الــتــي شـكـلـهـا ضــبــاط ســابــقــون مـــن الجيش الـــروســـي وعـنـاصـر انـشـقـت عــن «فــاغــنــر» أو طـــردت منها، وعملت على جــذب متطوعن بـعـقـود كـبـيـرة وبـتـمـويـل مــن وزارة الــدفــاع. وعــزت مـصـادر استبعاد مجموعة «فاغنر» عن القتال في بداية الغزو إلى خالفات كبيرة بـــن بــريــغــوجــن وعــــدد مـــن جـــنـــراالت وزارة الـــدفـــاع، مــن ضمنهم وزيــــر الـــدفـــاع سيرغي شويغو، غير الـراضـي عـن انـتـقـادات «طباخ بــــوتــــن» لــلــجــيــش الـــــروســـــي، وتــصــريــحــاتــه فــي 2018 بـــأن الـجـيـش الـــروســـي كـــان يقاتل في سورية باستخدام «أساليب عفا عليها الــــزمــــن». وحـــســـب «بــــي بـــي ســــي» الــروســيــة، فـإن شويغو لم يكن راضيا عن عقود إمـداد
ال يبدو أن الوضع المادي لـ«فاغنر» سيتضرر بفعل العقوبات عاد بريغوجين ليصبح المورّد األساسي للطعام إلى الجيش الروسي
الـــجـــيـــش الـــــروســـــي بـــالـــطـــعـــام مـــــن شـــركـــات بريغوجن، وفـي ،2018 حـرم هـذه الشركات من عقود كبيرة وحولها إلى شركات أخرى. وتشير تقارير جديدة إلى أن بريغوجن عاد ليصبح املورد األساسي للطعام إلى الجيش الروسي منذ يونيو/حزيران املاضي. وكـــــان جـــنـــراالت الــجــيــش الـــروســـي انــتــقــدوا مـــحـــاولـــة بـــريـــغـــوجـــن تـــوريـــطـــهـــم فــــي نــــزاع مباشر مع الواليات املتحدة في سورية في فـبـرايـر ،2018 حــن حـــاول مـرتـزقـة «فـاغـنـر» التقدم الحتالل حقول نفطية في ديـر الـزور وهاجموها على أمل الحصول على عقود مع النظام السوري لتقاسم أرباح اإلنتاج. ومما زاد من مشكالت بريغوجن خالفاته مع النائب األول لــإدارة الرئاسية في الكرملن واملـــــســـــؤول عــــن مـــلـــف الـــســـيـــاســـة الـــداخـــلـــيـــة سيرغي كرينينكو، نتيجة انحيازه ملحافظ مقاطعة لينينغراد ألكسندر بيغلوف، الذي يـتـهـمـه بــريــغــوجــن بـــمـــعـــاداتـــه والـتـضـيـيـق على أعماله في سانت بطرسبورغ. ونتيجة خالفه مـع اثنن مـن أقــرب املقربن للرئيس الــــــروســــــي فـــالديـــمـــيـــر بـــــوتـــــن، لـــــم يــســتــطــع بريغوجن الوصول إلى بوتن، صديقه من أيام سانت بطرسبورغ. ونقلت «ميدوزا» عن مـصـادر مقربة مـن بريغوجن أنــه قــرر عدم مشاركة «فاغنر» في القتال في أوكرانيا إال بأمر خاص من بوتن. ويبدو أن فشل القوات الروسية في تحقيق تــــقــــدم ســــريــــع فـــــي دونـــيـــتـــســـك ولـــوغـــانـــســـك والـخـسـائـر الـبـشـريـة الـكـبـيـرة فــي أوكــرانــيــا، دفـــعـــت جـــنـــراالت الــجــيــش مــنــذ مـــــــارس/آذار املـــاضـــي إلــــى زيـــــادة االعـــتـــمـــاد عــلــى مـرتـزقـة «فـاغـنـر»، «خـصـوصـا بعد فـقـدان عــدد كبير من مرتزقة ريــدوت». وبـدأ بريغوجن يظهر فـــي الـجـبـهـات مـنـذ إبــريــل/نــيــســان املــاضــي.
وفـــي الــشــهــر ذاتـــــه، ظــهــرت الــتــقــاريــر األولـــى التي تشير إلى استقدام مرتزقة «فاغنر» من الخارج إلى الجبهة في أوكرانيا. كما باشر بــريــغــوجــن بــعــدهــا جـــوالتـــه عــلــى الـسـجـون الـروسـيـة إلقــنــاع املـسـاجـن بـاالنـضـمـام إلـى الحرب مقابل إلغاء األحكام املفروضة عليهم. وكـــان مـرتـزقـة «فـاغـنـر» شــاركــوا بنشاط في املعارك للسيطرة على ماريوبول، ودفع بهم إلى الصفوف األمامية، وساهموا في احتالل بـعـض املـــدن الـصـغـيـرة والــقــرى فــي مقاطعة لوغانسك، ولكن مقابل خسائر كبيرة، ألنه دفع بهم في مقدمة الصفوف. ومـع تواصل إخفاقات الجيش الـروسـي في أوكـــرانـــيـــا، انـتـقـد بـريـغـوجـن مــــرارًا وتــكــرارًا أداء الـــجـــنـــراالت، وبـــــات نـــفـــوذه أكـــبـــر فـأكـبـر بعد تصدر قواته املشهد في القتال الحتالل بـــاخـــمـــوت وســــولــــيــــدار. لـــكـــن، وضـــمـــن لـعـبـة التوازنات في مراكز الـقـوة، يبدو أن قــرارات الـــكـــرمـــلـــن األخـــــيـــــرة بــــشــــأن تـــعـــيـــن رئـــيـــس األركــان فاليري غيراسيموف قائدًا للعملية الـــعـــســـكـــريـــة، جـــــــاءت لــلــتــخــفــيــف مـــــن نـــفـــوذ بريغوجن، وإعـــادة الـتـوازنـات السابقة بن «طـبـاخ بـوتـن» وصـديـقـه الـقـديـم، وشويغو وجــــنــــراالت جــيــشــه، ضــمــن مـــعـــادلـــة تضمن بــقــاء «فــاغــنــر» ودعــمــهــا مـــن مـــــوارد الجيش وتزويدها باألسلحة الالزمة ملواصلة القتال، مـــن دون حـــــدوث انــشــقــاقــات واســـعـــة ضمن النخبة الروسية. ولكن مستقبل هذه النخبة رهن بقدرة بوتن على تحقيق التوازن بعد تـــجـــاوزه عــامــه الـسـبـعـن، وهـــو عـلـى أعـتـاب استحقاق االنتخابات الرئاسية املقبلة في ربيع ،2024 وهل سيبقى في الحكم أم يختار خـلـيـفـة لـــه، أم أن الـــحـــرب عــلــى أوكـــرانـــيـــا قد أخلت بقدرة بوتن على تحقيق التوازنات وقد تتسبب في سقوطه؟