أسر يمنية تحاول العيش من «موازين» األطفال
«وزن بــــــــاش» هــــكــــذا تـــتـــعـــالـــى أصـــــــوات مجموعة من األطفال يقفون بمحاذاة أحد املـوالت التجارية وسط العاصمة اليمنية صـــنـــعـــاء، فـــي مـــحـــاولـــة مـسـتـمـيـتـه لــجــذب املــارة، لعلهم يظفرون بنقود زهيدة تعني أسرهم في ضيق العيش. يحمل كل واحد منهم مـيـزانـا يبحث فـيـه عـمـن يـقـف عليه لـقـيـاس وزنـــه مـقـابـل مــا يـجـود بــه الـزبـون والــــذي ال يـتـعـدى فــي أغــلــب األحـــيـــان 100 ريـــال يرميها 0.1( دوالر) بعضهم بــدون وزن تعاطفا مع األطفال. هكذا، نمت الحرب الكثير من األعمال التي لم تكن من قبل ذلك بهذه الكثافة واالنتشار في مشهد يوضح كـيـف أجــبــرت الــظــروف املعيشية املـتـرديـة الكثير من األسر على البحث عن أي مصدر دخل ولو من موازين أطفالها. عـلـى أحـــد األرصـــفـــة بـــجـــوار مــركــز الكميم التجاري في منطقة حدة بصنعاء، تفترش الــطــفــلــة أروى الـــتـــي لـــم يــتــعــد عــمــرهــا 12 عـامـا األرض بـجـوار املــيــزان بينما تطالع بني الحني واآلخــر كتابها املدرسي لعلها تحظى بنظرة عطف من املارة. ويـعـتـبـر أســتــاذ الــخــدمــة االجـتـمـاعـيـة في
جـامـعـة صـنـعـاء أحـمـد يـحـيـي، فــي حديث لـــ«الــعــربــي الــجــديــد» أن «مــثــل هـــذا العمل نـــــوع مــــن الـــتـــســـول وامـــتـــهـــان مـــؤلـــم لــهــذه الــفــئــة الــعــمــريــة فـــي ظـــل تـضـخـم مـضـطـرد لعمالة األطـفـال في معظم املــدن واملناطق الـيـمـنـيـة». لـكـن يحيي يـشـيـر، فــي املـقـابـل، إلى أن انتشار مثل هذه املشاهد يعبر عن مستوى املعاناة والجوع وتردي األوضاع املعيشية في معظم املناطق اليمنية. وال يــقــتــصــر انـــتـــشـــار مـــثـــل هـــــذه األعـــمـــال كاملوازين التي يحملها األطفال على مدينة صـــنـــعـــاء، بـــل فـــي مــخــتــلــف املـــــدن الـيـمـنـيـة خصوصا في عدن (جنوب) وتعز (جنوب غـــــرب) والـــحـــديـــدة (شـــمـــال غــــــرب)، وتــقــدر نـسـبـة األطـــفـــال الـيـمـنـيـني املــنــخــرطــني في سـوق العمل بحسب الفئة العمرية بـني 5 و71 عاما بحوالي ،%25 ونحو %40 للفئة العمرية مـن 15 إلــى 17 عاما وفــق تقارير متخصصة محلية، الفتة إلى ارتفاع معدل انــتــشــار تــوقــف الــنــمــو لــأطــفــال إلـــى أكـثـر مـــن %47 ومـــعـــدل انــتــشــار ســــوء الـتـغـذيـة إلــــى أكـــثـــر مـــن .%30 كــمــا بـــــرزت األعـــمـــال الـــتـــي اســتــقــطــبــت الــيــمــنــيــني مــــن مـخـتـلـف الــشــرائــح الـعـمـريـة نـتـيـجـة لـلـفـقـر وفــقــدان سبل الـعـيـش، كالعمل فـي الــخــردة وجمع املـواد الباستيكية واملعدنية، وبيع املياه واملــنــاديــل الــورقــيــة فــي جــــوالت الـــشـــوارع، إضافة إلـى ظهور أعمال غير مألوفة كما يــاحــظ ذلـــك فــي مــحــال ومــقــاصــف «غسل وتجفيف أوراق القات». ويقول املحلل االقتصادي عبد الله املياس، لـ «العربي الجديد»، إن الهجرة من األرياف إلى املدن بسبب الفقر والنزوح بعد الحرب سـاهـمـت فــي تـنـامـي الـكـثـيـر مــن الـظـواهـر املـــعـــبـــرة عــــن تــــــردي الـــــظـــــروف املــعــيــشــيــة، واكــتــظــاظ املــــدن بـعـمـال الـيـومـيـة والـبـاعـة الجائلني وعمالة األطفال. ويتطرق املياس إلى ما رافق االنهيار الغذائي واملعيشي من آثار ضارة تمتد ألجيال من خال انخفاض معدل االلتحاق باملدارس إذ ينتزع أولياء األمور أبناءهم منها ليساعدوا في زيادة دخل األسرة. وتـجـد ظـاهـرة عمالة األطــفــال تعاطفا من الكثيرين. إذ يقول املواطن فؤاد الحمادي، لـ «العربي الجديد»، إنه يقوم بـوزن نفسه مـن فـتـرة ألخـــرى ملساعدة هـــؤالء األطـفـال، فـي حـني يختلف األمــر بالنسبة للمواطن عــبــد الــرحــمــن نـــاجـــي، وذلــــك وفــــق حـديـثـه لـ «العربي الجديد»، ملعرفة كم فقد من وزنه نـتـيـجـة مـــا يــمــر بـــه مـــن ضــائــقــة معيشية
أجبرته على التقشف واتباع نظام معيشي صارم في حياته اليومية. وتـــرك الــنــزاع فــي الـيـمـن آثــــارًا مــدمــرة على األمـــــن الـــغـــذائـــي وســـبـــل كــســب الــعــيــش، إذ يــــواجــــه %80 تــقــريــبــا مــــن األســــــر بـحـسـب تـــــقـــــديـــــرات مـــنـــظـــمـــة األغــــــذيــــــة والــــــزراعــــــة الــتــابــعــة لـــأمـــم املـــتـــحـــدة «الــــفــــاو» وضــعــا اقتصاديا أكثر سوءًا باملقارنة مع الوضع االقـتـصـادي قبل نـشـوب الــنــزاع منذ نحو ثماني سنوات. ويعد الغاء وتراجع فرص التشغيل املعضلتني األسـاسـيـتـني اللتني تواجهان املواطنني إلى جانب عدم انتظام صــــرف رواتــــــب املـــوظـــفـــني املـــدنـــيـــني الــذيــن يتطلع جزء كبير منهم إلى أن يحمل عام ،2023 أي بــــوادر أو مــؤشــرات لحلها بما يــســاهــم فـــي تـحـسـني األوضــــــاع املعيشية املــــتــــرديــــة وارتـــــفـــــاع عـــــدد الـــســـكـــان الـــذيـــن يـعـانـون جـــراء انـهـيـار األمـــن الــغــذائــي إلـى نحو 20 مليون شخص منهم 17 مليونا بحاجة ماسة للمساعدات اإلغاثية، وفق األمــم املـتـحـدة. وبحسب تقرير صــادر عن البنك الدولي منتصف العام املاضي، فإن انكماش االقتصاد اليمني وصل إلى أكثر مـــن %40 مــنــذ عـــام ،2015 وهـــو مـــن أعـلـى املعدالت في العالم.