Al Araby Al Jadeed

عراقيل لم الشمل

يوثق التحقيق ما يواجهه الالجئون في النرويج من عقبات تضعها الدولة في طريق لم شملهم بأسرهم، عبر شروط من دونها ال تتأهل العائلة للتقدم ورسوم تعتبر من األعلى في العالم، وفترة طويلة لمعالجة الطلب، وخاللها تتفاقم المعاناة عقبات الدولة تزيد مرارة اللجوء في النرو

- أوسلو ـ رنا زهران

اضـــــطــ­ـــر الــــــاج­ــــــئ الـــفـــل­ـــســـطــ­ـيـــنـــي توفيق محمد الحسن إلى العمل فـي وظيفتني حتى يتقدم بطلب لم شمله مع زوجته حنني حسن، إذ يشترط أن يــكــون لـــدى مــقــدم الــطــلــ­ب إجــمــالـ­ـي دخــل قــــدره 300,988 كـــرونـــ­ة نــرويــجـ­ـيــة 30,169( دوالرا أمـــيـــر­كـــيـــا) فــــي الــــعـــ­ـام الـــســـا­بـــق مـن تقديم الطلب، وأن يستمر هـذا الدخل عاما الحــقــا عـلـى األقــــل، وأال يــكــون مـعـتـمـدا على املساعدة االجتماعية املالية في األشهر الـ21 التي تسبق تقديم الطلب، بحسب اللوائح الـــخـــا­صـــة بــمــتــط­ــلــبــات الــــدخــ­ــل فــــي قــضــايــ­ا الهجرة العائلية الـصـادرة عن وزارة العدل واألمن العام في 25 أغسطس/آب .2017 ولم يكن سها على الجئ وصل إلى النرويج عام 2011 أن يجد عملني، وفق حنني، خاصة أنــه كــان عليه تسجيل طلب لــم شمل األســرة عــبــر اإلنـــتــ­ـرنـــت فــــي غـــضـــون ســتــة أشـــهـــر من منحه تصريح إقامة في النرويج، كما يتوجب عـلـى أفــــراد األســــرة فــي الــخــارج تـقـديـم جميع املستندات الازمة في سفارة نرويجية محددة أو مركز تقديم الطلبات في غضون عام واحد، وهـذا ما لم تتمكن حنني وزوجها من اإليفاء به في الوقت املحدد، وهو إجراء آخر يزيد من تعقيدات عملية تقديم الطلب، وفقا ملا يؤكده تــقــريــ­ر لـلـمـفـوض­ـيـة الــســامـ­ـيــة لـــأمـــم املـتـحـدة لشؤون الاجئني واملنظمة النرويجية لاجئني ،)NOAS( وهي منظمة مستقلة، بعنوان «حق الاجئني في وحدة األسرة: تحديات لم الشمل فـــي الــنــروي­ــج والــســوي­ــد والـــدنــ­ـمـــارك»، والـــذي صـــدر فــي 27 نوفمبر/تشرين الـثـانـي .2019 ما مرت به حنني وزوجها جزء من التحديات الـعـديـدة الـتـي تعرقل لـم شمل أســر الاجئني في النرويج، والتي يوثقها تحقيق «العربي الـجـديـد» ويتتبع أثــرهــا على األســـر الـتـي قد تــصــل مــــدة انــتــظــ­ارهــا إلــــى 21 شــهــرا قــبــل أن تلملم شتاتها، على الرغم من أن بعضها قد يكون معرضا للخطر في الدول غير املستقرة الـتـي يـوجـد فيها، أو اضـطـر لـإقـامـة فـي بلد آخر ريثما تنتهي معالجة طلب لم الشمل في النرويج.

من يمتلك الحق في طلب لم الشمل؟

يـــحـــق لـــكـــل مــــن حـــصـــل عـــلـــى وضـــــع الـــاجـــ­ئ وعــلــى الـحـمـايـ­ة اإلنــســا­نــيــة فــي الــنــروي­ــج أن يقدم طلب لم الشمل لأزواج واألطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، بحسب ما نشرته مديرية الهجرة النرويجية UDI على موقعها اإللكتروني. وبلغت طلبات لم شمل األسـرة 11,727 في عام ،2019 من بينها 5756 طلبا لم شمل للشريك، 4221و لأطفال، 272و طلبا للوالدين، وحاالت أخرى ،1529 وبلغت نسبة القبول العامة ،%89 وكانت الدول التي جاء منها أكثر مقدمي طلبات لـم الشمل الهند، وســـوريــ­ـة، وإريــتــر­يــا، والفيليبني وتـايـانـد، وفـــق مــا وثـقـتـه مــعــدة التحقيق عـبـر قـاعـدة بيانات موقع الوكالة املركزية لإحصاءات (مستقلة تعنى بنشر اإلحصاء ات الرسمية). وفي عام ،2020 بلغت طلبات لم شمل األسرة ،9628 من بينها 4074 طلبا للشريك، 7442و طلب لم شمل ألطفال تحت سن الثامنة عشر، 212و طلب لـم شمل ألحــد الـوالـديـ­ن، وكانت نسبة القبول العامة لطلبات لـم الشمل من جميع الجنسيات ،%83 والــــدول الـتـي جـاء مــنــهــا أكـــثـــر مــقــدمــ­ي الــطــلــ­بــات هـــي ســـوريـــ­ة، وإريتريا، والهند، وتاياند والفيليبني. وارتـفـع إجمالي الطلبات في عـام 2021 إلى ،19,710 منها 8524 طلبا للشريك، 3633و لأطفال تحت سن الثامنة عشرة، 232و ألحد الوالدين، 7501و ألفراد آخرين، وكانت نسبة القبول ،%87 وتصدرت الفيليبني الدول التي جاء منها أكبر عدد من الطلبات، ثم باكستان وأفغانستان وتاياند وإيران.

رسوم عالية تعيق الالجئين

تـــؤكـــد املـــفـــ­وضـــيـــة الـــســـا­مـــيـــة لـــأمـــم املــتــحـ­ـدة لـشـؤون الاجئني أن الـرسـوم املفروضة على

مـــقـــدم طـــلـــب لــــم الـــشـــم­ـــل فــــي الــــنـــ­ـرويــــج تـصـل إلــى 10500 كـرونـة نرويجية 1053( دوالرا)، وتعتبر من أعلى الرسوم في العالم ملثل هذا النوع من الطلبات، وهذا يدفع الاجئني إلى عمل غير معلن أو قــروض باهظة الثمن من أجــــل دفــــع الــــرســ­ــوم، وفــــق مـــا جــــاء فـــي تـقـريـر بعنوان «تجب حماية العائات معا» نشرته املــفــوض­ــيــة عــلــى مــوقــعــ­هــا فـــي 28 نــوفــمــ­بــر/ تشرين الـثـانـي ،2019 مـؤكـدة أنــه يجب على الـــنـــر­ويـــج أن تـعـفـي الــاجــئـ­ـني مـــن متطلبات الــرســوم كما تفعل الـسـويـد والــدنــم­ــارك. وما يزيد األمــر تعقيدا أن رفـض الطلب ألول مرة أمــر وارد، ألسـبـاب عــديــدة، منها شــرط بلوغ كا الزوجني سن 24 عاما عند معالجة طلب لم الشمل، وهو ما حصل مع حنني التي كان عمرها أقـل 24 عاما وقـت التقديم، وكذلك لم يــمــض عــلــى زواجـــهــ­ـمـــا ســــوى بـضـعـة أشــهــر، علما أن املتطلبات الجديدة التي أدخلت على قانون الهجرة الــذي ينص على أن الشخص املرجعي الذي يطلب لم الشمل يجب أن يكون متزوجًا منذ أكثر من عامني قبل قدومه إلى النرويج، وتعزو مديرية الهجرة النرويجية فرضها هـذه الـشـروط إلـى قلقها بشأن شكل الــــــــ­زواج املـــتـــ­خـــذ فــــي بــــلــــ­دان الــــشـــ­ـرق األوســـــ­ط خاصة، ومخاوف من أن تكون الفتاة مجبرة على الـزواج بسبب صغر عمرها، وهذا ناجم عن وجود نسبة كبيرة لزواج الفتيات القصر في البلدان العربية، بحسب رد املديرية على «العربي الجديد».

تقدمت العراقية رواء أحمد بطلب لـم شمل لـــزوجـــ­هـــا فــــي فـــبـــرا­يـــر/شـــبـــاط ،2018 عـقـب وصـولـهـا إلــى الـنـرويـج مـع أطفالها الثاثة فـــي ديــســمــ­بــر/كــانــون األول مـــن الـــعـــا­م ذاتـــه، واســتــدع­ــي الــــزوج إلـــى املـقـابـل­ـة فــي الـسـفـارة الــنــروي­ــجــيــة بــــــاأل­ردن عــــام ،2019 بــعــد ذلـــك، بدأت رحلة االنتظار الطويلة كما تقول رواء، والتي استمرت 20 شهرا، نظرا ملا تحتاجه عملية معالجة الطلب من وقت. وينص دليل مــدة االنـتـظـا­ر فـي قضايا الهجرة العائلية، املـــنـــ­شـــور عــلــى املـــوقــ­ـع اإللـــكــ­ـتـــرونــ­ـي ملــديــري­ــة الـهـجـرة الـنـرويـج­ـيـة، عـلـى أن مـــدة االنـتـظـا­ر للعراقيني تبلغ 20 شـهـرا، ويستغرق األمـر عــــــادة 21 شـــهـــرا ملــعــالـ­ـجــة حــــــاال­ت لــــم شـمـل الـعـائـات مـن إريـتـريـا، و81 شـهـرا للطلبات املقدمة من سوريني، في حني تحتاج معالجة طــلــبــا­ت األشــــخـ­ـــاص مـــن الــــوالي­ــــات املــتــحـ­ـدة األميركية وتاياند إلى شهرين فقط. ويعد الوقت الطويل الذي تحتاجه معالجة الطلب من العقبات التي يواجهها الاجئ في عملية تـقـديـم طـلـب لــم شـمـل األســــرة فــي الــنــروي­ــج، والتي ال يمكن التغلب عليها، بحسب تقرير املــفــوض­ــيــة «تـــجـــب حــمــايــ­ة الـــعـــا­ئـــات مــعــا»، وهذا قد يعرض العديد من األفـراد الذين تم منحهم وضــع الـاجـئ فـي النرويج للخطر، فـقـد تـكـون أوضـاعـهـم غـيـر مـسـتـقـرة، وليس لديهم سوى القليل من املال للعيش، كما جاء فـي التقرير ذاتــه الــذي تشدد فيه املفوضية عــلــى أنــــه يــجــب إعـــطـــا­ء األولــــو­يــــة لطلباتهم الســتــعـ­ـادة وحـــدة أســرهــم بـسـرعـة. مــا سبق عايشه السوري حسني حيدر الذي كان يبلغ عمره 15 عاما حني وصـل إلـى النرويج عام ،2015 وتقدم بطلب لم الشمل ألسرته عقب حـصـولـه عـلـى اإلقــامــ­ة بـعـد عـــام ونـصـف من

وصوله، وكان العبء كبيرا على حسني الذي عـــاش بـعـيـدا عــن عائلته مـــدة ثـــاث سـنـوات ونـــصـــف فـــي مـــركـــز رعـــايـــ­ة لــطــالــ­بــي الــلــجــ­وء الــقــصــ­ر غــيــر املــصــحـ­ـوبــني بـــذويـــ­هـــم، مفتقدا إلـــى أســرتــه ومــنــعــ­زال، ويـتـفـاقـ­م خــوفــه كلما واجهت العوائق طلبه، إذ طلبت من أسرته أوراقا كثيرة مثل القيد املدني (مستند إثبات صــفــة)، دفـتـر العائلة وإثــبــات زواج والــديــه، وكــان من الصعب على العائلة التي غـادرت إلـى تركيا أن تؤمن هـذه األوراق التي يجب أن تكون صادرة بتاريخ حديث، ما دفع والد حسني لتوكيل أحــد أفـــراد عائلته فــي حلب الستخراجها، وفـــرض عليهم إجـــراء فحص )DNA( وإرسال النتيجة إلى مديرية الهجرة الـنـرويـج­ـيـة، علما أن األســــرة لــم يـكـن لديها أي مصدر دخـل فـي تركيا، وقـد شكلت هذه املـتـطـلـ­بـات عبئا مــاديــا كـبـيـرا عـلـيـهـا. ويـقـر مـسـاعـد املــديــر فــي قـسـم اإلقــامــ­ة فــي مديرية الـــهـــج­ـــرة الــنــروي­ــجــيــة، جـــونـــا­س فـــوملـــ­و، بــأن القصر غير املصحوبني بـذويـهـم معرضني للخطر وال بد من إعطاء طلباتهم األولوية، مـسـتـدركـ­ا بـــأن الـعـائـق الـــذي يعيق تقليص املدة متعلق باإلجراءات التي تستلزم الكثير مـــن الـــوقـــ­ت لــلــتــأ­كــد مـــن مــصــداقـ­ـيــة األوراق. أمــا اخــتــاف مــدة معالجة الطلب باختاف الجنسية، فــإن مـديـريـة الـهـجـرة النرويجية تـبـرر ذلــك فــي ردهـــا على «الـعـربـي الجديد» بـضـرورة إجــراء تحقيقات للتأكد من صحة املعلومات املقدمة في طلب لم الشمل، وهذا اإلجـراء يختلف من بلد إلى بلد بخاصة إذا كـان يسود هـذا البلد مثا الفساد الوظيفي الذي سيؤدي إلى الشك في املعلومات املقدمة فـي الـطـلـب، مضيفة أن طــول املـــدة يـكـون في كثير مـن األحــيــا­ن بسبب نقص فـي األوراق املطلوبة من حاالت.

تـــصـــنـ­ــف املــــنــ­ــظــــمــ­ــة الــــنـــ­ـرويــــجـ­ـــيــــة لـــاجـــئ­ـــني الـعـقـبـا­ت الــتــي تضعها الــنــروي­ــج فــي طريق طالبي لم الشمل بأنها انتهاكات إنسانية، وفـق ما نشرته في تقريرها «حـق الاجئني فـــي وحــــدة األســــــ­رة: تــحــديــ­ات لـــم الــشــمــ­ل في الــنــروي­ــج والــســوي­ــد والـــدنــ­ـمـــارك». وبـمـجـرد ظهور العقبات في طريق طالبي لم الشمل، تـبـدأ املــعــان­ــاة وفـــق رواء الـتـي عـانـت نفسيا جــــراء تــأخــر قــــدوم زوجـــهـــ­ا، كـمـا أن تحملها أعباء أطفالها وحدها اضطرها إلى املكوث في البرد ساعات طويلة، بخاصة في أوقات عــــاج ابــنــهــ­ا الــــذي كــــان يــعــانــ­ي مـــن ورم في الرئة، فأصيبت بمرض فيبروميالغ­يا (األلم الليفي العضلي) وهو مرض عضلي هيكلي مزمن ناجم عن اإلجهاد، إذ كان نهارها يبدأ مــن الــســاعـ­ـة الـــــ5 صـبـاحـا لتحضير الـطـعـام ألطفالها، وإيصالهم إلــى املــدرســ­ة، ومــن ثم ذهابها إلى مكان العمل. أما القاصر حسني فقد عـانـى مـن الــوحــدة والـغـربـة، وقــد شعر خــال ثــاث سـنـوات بـأنـه نضج قبل األوان بسبب الغربة، وأصبح مسؤوال عن أسرته بأكملها، ومضطرا ملواجهة شكوك مديرية الـهـجـرة الـنـرويـج­ـيـة بشأنها إن كـانـت هي األســرة الحقيقية أم ال، حتى إنهم اقترحوا عليه أن تتبناه أسرة نرويجية، لكنه رفض حــتــى ال يـخـسـر حــقــه فـــي لـــم شــمــل أســرتــه، وهـــذا كـلـه كـــان يشكل ضغطا نفسيا عليه وعلى أسرته، كما قال لـ «العربي الجديد».

تتباين فترات انتظار معالجة طلبات لم الشمل باختالف الجنسية

تفرض النرويج على مقدم طلب لم الشمل أعلى رسوم في العالم

 ?? )Getty( ?? سلسلة عقبات تعترض لم شمل األسر الالجئة إلى النرويج
)Getty( سلسلة عقبات تعترض لم شمل األسر الالجئة إلى النرويج
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar