النضال الثقافي والنضال التحرري
اســـتـــضـــاف اإلعـــــامـــــي، عـــلـــي الــظــفــيــري، فـــــي بـــرنـــامـــجـــه «املــــقــــابــــلــــة»؛ عـــلـــى قـــنـــاة الـــجـــزيـــرة، املــــــؤرخ واألكـــاديـــمـــي الـعـربـي الـيـهـودي؛ كما عــرف نفسه، آفــي شايم، فــي حلقتني متتابعتني عرضتا أخـيـرا، تـــضـــمـــنـــتـــا مــــعــــلــــومــــات مـــهـــمـــة تـــدحـــض الــروايــة الصهيونية التاريخية، وثقها الــضــيــف فـــي أبــحــاثــه ودراســــاتــــه وكـتـبـه املنشورة، فضا عن استعراضه تجربته الــشــخــصــيــة فـــي فــلــســطــني املــحــتــلــة بعد هجرته إليها رفقة عائلته، التي وثقها أيضًا فـي كتاباته. وبعيدا عـن التوثيق التاريخي املهم، تسلط هذه املقالة الضوء على مراحل وعي ضيف البرنامج، وعن األسباب التي ساهمت فيها. انتقل الضيف إلــى فلسطني املحتلة من بغداد في عمر الخمس سنوات، والتحق رفقة شقيقاته بـمـدارس االحــتــال، التي صاغت؛ وفقا له، وعيه القومي اليهودي األول، الـذي تجلى في التحاقه بالخدمة اإللـــزامـــيـــة فـــي الــثــامــنــة عــشــرة مـــن عـمـره في العام 1964 عامني، شعر في أثنائها بـالـفـخـر والــــــوالء لــاحــتــال ودولــــتــــه، إذ يــشــرح الـضـيـف أفـــكـــاره فــي تـلـك املـرحـلـة بقوله: «شعرت يومها باملشاعر القومية بكل كـيـانـي، فقد كـنـت مؤمنًا بأننا كنا
بلدا طيبا محبا للسام، وإننا محاطون بذئاب عربية تريد اقتناصنا وتدميرنا وإلقاءنا، نحن اليهود، في البحر، لكننا كنا على استعداد للوقوف بعزم والقتال دفاعا عن أنفسنا وكياننا». دفعته تلك املــشــاعــر بـعـد انــقــضــاء عـــام عـلـى انـتـهـاء خـدمـتـه اإللــزامــيــة؛ حــني كـــان فــي جامعة كامبريدج لدراسة التاريخ، إلى مطالبته ســفــارة االحــتــال فــي لـنـدن بـإعـادتـه إلـى فـلـسـطـني املـحـتـلـة بــغــرض املــشــاركــة في حرب عام 1967 املحتملة في حينها. ينتقل شـايـم سـريـعـًا إلـــى شـــرح املرحلة الثانية مــن وعـيـه ومــشــاعــره، الـتـي بــدأت تـتـبـلـور بـعـد الـنـكـسـة؛ ،1967 إذ أظـهـرت الـــنـــكـــســـة لـــــه؛ رفــــقــــة آخـــــريـــــن، أن الــجــيــش الــصــهــيــونــي بــعــد الــنــكــســة قــــوة وحـشـيـة الحــــتــــال وحــــشــــي، مــهــمــتــه حـــمـــايـــة أمـــن االحــتــال. يصف أفـكـاره فـي هــذه املرحلة بقوله: «فــي النكبة، واكـــب تأسيس دولـة إسرائيل ظلم عظيم بحق الفلسطينيني، لكن إسرائيل وقعت بعدها اتفاقية وقف إطــــاق الــنــار مــع جـيـرانـهـا، بــذلــك حـــددت اتـفـاقـيـة 1949 حـــدود إســرائــيــل الشرعية والقانونية، لذا اعتبرت إسرائيل قبل الـ76 دولة شرعية ضمن حدودها املذكورة في االتفاقية». ساهمت املرحلة الثالثة، أفكار املفكر إيان بــابــيــه، فـــي تــغــيــر قــنــاعــة شـــايـــم وفـــكـــره،
بـعـد لقائهما فــي أثــنــاء دراســــة األول في أكسفورد من أجل الحصول على شهادة الــــدكــــتــــوراه، حــيــنــهــا كـــــان الـــثـــانـــي ضـمـن الـــكـــادر الـتـعـلـيـمـي الــــذي نــاقــش رســالــتــه. يـصـف شــايــم املـرحـلـة الـثـالـثـة مــن وعيه بــقــولــه: «أنــظــر اآلن إلـــى تــاريــخ إسـرائـيـل منذ بدايته، وبـت مقتنعا بأن مشروعها بـــاألســـاس مـــشـــروع اســتــيــطــانــي... الــيــوم أجـد من الصعوبة رؤيــة شرعية مشروع إسرائيل، ألنها دولة تمارس نظام الفصل العنصري». إذًا مــــرت أفــكــار شــايــم وقــنــاعــاتــه بثاث مراحل رئيسية: األولــى الفخر بإسرائيل صــاغــتــهــا املـــؤســـســـة الـتـعـلـيـمـيـة وإعــــام االحـتـال. الثانية، اعتبار إسرائيل دولة شـرعـيـة قـبـل الـنـكـسـة وقــــوة احـــتـــال غير شرعي بعدها، استنادًا إلـى ممارساتها في األراضي املحتلة في .1967 أما الثالثة، اعــتــبــار إســـرائـــيـــل مــشــروعــا اسـتـيـطـانـيـا بـــاألســـاس؛ أي مـنـذ بــدايــاتــه، تــأثــرا بـــآراء بـــابـــيـــه وطــــروحــــاتــــه الـــعـــلـــمـــيـــة، ونــتــيــجــة املـــعـــلـــومـــات الـــتـــي كــشــفــت عــنــهــا وثـــائـــق االحتال؛ التي كشف عنها بعد 30 عاما عـلـى الـنـكـبـة، فـضـا عــن وثــائــق االحـتـال الـبـريـطـانـي، الــتــي تـتـنـاول فــتــرة احتاله فلسطني. بـنـاء عليه، يـبـدو الـوعـي اإلنـسـانـي قابا لـلـتـغـيـر والــتــعــديــل الــــجــــذري، إن تــوفــرت