Al Araby Al Jadeed

األردن والضفة الغربية... عالقة مصيرية

- محمد أبو رمان

سئل مسؤول أردنــي رفيع املستوى في ورشـة عمل (فـي عـمـان): هل يريد األردن الضفة الغربية أم ال؟ فأجاب: عن أي ضفة غربية تتحدث؟ عن السكان بال أرض، أم عن رقعة محدودة مجزأة من الضفة الغربية؟ ماذا عن املستوطنات اإلسرائيلي­ة؟ وماذا عن إقامة الدولة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية؟ من الخطأ اختزال الـدور األردنـي في الضفة الغربية في معادلة ثنائية حـادة؛ الضم والـوحـدة أو عـدم التدخل والتداخل نهائيًا، وكــأن أي تفكير أو مداخلة أردنية فيما يحدث في الضفة الغربية يمثل عودة إلى سيناريو وحدة الضفتني، فهنالك ملفات عديدة عالقة وترابط مصيري فيها، ما يجعل موضوع الضفة الغربية جزءا ال يتجزأ من األمـن الوطني األردنــي، وألي تطور يحدث هناك تداعيات كبيرة على السياسة األردنية، ألسباب مرتبطة بالشرعيتني، التاريخية والدينية، للنظام األردني من جهة، والجيو بوليتيك األردني من جهة ثانية، والتركيبة الداخلية من جهة ثالثة. املقاربة التي قامت أردنيًا على قاعدة أننا ندعم السلطة الفلسطينية، والفلسطيني­ني، وأنــنــا ال نتدخل فـي املـلـفـات الـداخـلـي­ـة هـنـاك، لـم تعد صالحة الــيــوم، لـتـواجـه أسئلة وتساؤالت عديدة كبيرة راهنة. وفي وقت كان عديدون ينظرون إلى الوصاية الهاشمية على املقدسات اإلسالمية واملسيحية في القدس بوصفها أمــرًا رمزيًا أو معنويًا، فــإن املعادلة انقلبت رأسًا على عقب اليوم مع التهديد الخطير للمدينة املقدسة والقدس، بل أصبح دور السلطة الفلسطينية ثانويًا، والدور األردني مركزيا ومهما. وتتسيد قضية القدس اهتمامات الدبلوماسي­ة األردنية وأولوياتها منذ أعوام، وهو األمر املرشح أن يتضاعف في العام الحالي. أعادت جلسة حوارية مع وزير الخارجية األردني، أيمن الصفدي (في معهد السياسة واملجتمع) تعريف معنى الوصاية الهاشمية على املقدسات بثالثة معان رئيسية: الحماية والرعاية والخدمات. ومن هنا نفهم الرسالة املبكرة التي وجهها امللك عبد الله الثاني، عبر اإلعالم األميركي، إلى الحكومة اإلسرائيلي­ة الجديدة والحكومات الغربية، بالتحذير مـن تأطير مفهوم «الـخـطـوط الـحـمـراء» األردنــيـ­ـة، والتحذير من تـجـاوزه. وكـان أحـد بالونات االختبار زيــارة السفير األردنــي في إسرائيل القدس، واألزمة الدبلوماسي­ة التي حدثت بسبب اعتراضه من األمن اإلسرائيلي، ويؤكد ذلك كله على أن املوضوع جدي بالنسبة لألردن. لم يعد ممكنًا، كذلك، إدراك تغير موازين القوى اإلقليمية، خاصة ما يتعلق بـ«العمق العربي» لألردن، في املواجهة الدبلوماسي­ة مع إسرائيل، والظاهرة الجديدة التي بدأت تتصاعد في العدوانية الواضحة من كتاب إسرائيليني وسياسيني ورسائل التهديد (تصل عبر سطور املقاالت)، ما يؤكد االنزعاج اإلسرائيلي من املوقف األردني. لكن، في املقابل، من الضروري أن تحث هذه التحوالت االستراتيج­ية األردن على مراجعة مقاربته للداخل الفلسطيني، والتوسع أكبر في تقييم الوضع في الضفة الغربية، وخياراته السياسية، وتوطيد عالقاته مع القوى والشخصيات الفلسطينية هناك، ما يعني توسيع النفوذ األردني في الضفة الغربية وتعميقه، وترتيب األوراق املشتركة للمرحلة املقبلة. ثمة انطباع سمعه كاتب هذه السطور من سياسيني فلسطينيني عديدين، وقد يكون غير صحيح، مرتبط بموقف األردن من خليفة الرئيس محمود عباس، وهناك آخرون يرون أن األردن ينأى بنفسه عن هذا امللف، ألنه يعتبر شأنا داخليا فلسطينيًا، لكن هذا غير صحيح، ألن هنالك أصابع متعددة تلعب بهذا امللف، غربيًا وعربيًا، فاألولى أن يكون الدور األكبر لألردن، ملا لعالقته بالضفة من تشابك وتداخل كبير، وملـا لهذا امللف من تأثير كبير على مستقبل السلطة الفلسطينية، وبالتالي الضفة الغربية، وبالتالي األمن الوطني األردني. الــشــيء بـالـشـيء يــذكــر؛ مــن الــواضــح أن الــتــحــ­ديــات الـخـارجـي­ـة أصـبـحـت فــي الـعـام الحالي تتوازى مع الداخلية، وهنالك ضرورة للتركيز أكثر على الصعد، السياسي واالستراتي­جي والنخبوي واإلعالمي، على ما يحدث حول األردن وكيفية التعامل معه، وهـو ما قد يساعد حتى على التعامل مع ملفات ومشكالت وأزمــات داخلية على أكثر من صعيد.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar