Al Araby Al Jadeed

أنقرة واألسد... تعقيدات التطبيع

- حسام كنفاني

يبدو أن الحديث عن التطبيع التركي مع النظام السوري تراجع خطوات عدة إلى الوراء، رغم اللقاءات التي جمعت وزراء الدفاع والخارجية من البلدين. معطيات كثيرة كانت تشير إلى أن هذا سيكون مصير املسعى التركي إلى التصالح مع نظام بشار األسد، عله يساهم في رفع أسهم العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان في االنتخابات الرئاسية املقررة هذا العام. والزيارة األخيرة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى واشنطن ولقائه نظيره األميركي أنتوني بلينكن، واحدة من املؤشرات األساسية على أن أنقرة باتت تنظر بطريقة أخرى إلى «املصالحة» مع النظام السوري، خصوصًا في ظل املعارضة األميركية الشديدة لهذه املصالحة، ورغبة واشنطن في إبقاء نظلم األسد معزوال وضعيفًا في الظروف الحالية. ورغم أن امللفات العالقة بني أنقرة وواشنطن كثيرة، وهي تبدأ من حرب أوكرانيا لتمر بتوسيع حلف شمال األطلسي وال تقف عند صفقة طائرات «أف »16 التي ترغب تركيا بشرائها، إال أنه من املؤكد أيضًا أن امللف السوري كان حاضرًا على طاولة املباحثات، وال سيما أن ملف «قوات سوريا الديمقراطي­ة» املدعومة أميركيًا كان واحدًا من األسباب التي دفعت أنقرة إلى محاولة التقرب من النظام السوري. لكن بغض النظر عن املوقف األميركي، والـذي لعب دورًا إلى حد ما في فرملة االندفاعة التركية نحو دمشق، إال أن الكثير من املؤشرات كانت تفضي إلى أن املسعى التركي ذاهب إلى طريق مسدود. بداية من تحفظ النظام السوري نفسه على هذه املساعي التركي، باعتبار أنه ال يريد خدمة أردوغــان في االنتخابات الرئاسية، بل على العكس تمامًا، هو مستعد أن يساهم بخسارة الرئيس التركي ملنصبه بأي وسيلة من الوسائل، وباألساس يترقب تولي املعارضة الحكم لبدء صفحة جديدة معه، وهي التي أبقت على خطوط تواصل مع دمشق في أكثر من مرحلة. باإلضافة إلى ذلك، فالشروط التي رفعتها دمشق لقبول املسعى التركي غير مناسبة بالنسبة إلى أنقرة، فوزير الخارجية السوري فيصل املقداد شدد على أنـه «ال يمكن الحديث عن إعــادة العالقات الطبيعية مع تركيا دون إنهاء االحتالل»، في إشارة إلى الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، وهو الذي ال يمكن ألنقرة في الوقت الحالي التخلي عنه، خصوصًا أنه بات مربوط عضويًا بالداخل التركي، اقتصاديًا وخدماتيًا، وهو أيضًا يرفضه السوريون املوجودون في املناطق التي تسيطر عليها تركيا، وهم خرجوا في العديد من التظاهرات الرافضة ملثل هذا التقارب. كذلك فـإن أنقرة من غير الـــوارد أن تترك األراضـــي السورية التي استولت عليها لحماية حدودها من الوجود الكردي، من دون ضمانات أمنية، من املؤكد أنها كانت واحدة من محاور الحديث بني جاويش أوغلو وبلينكن، خصوصًا أن تركيا تدرك ضعف النظام في مواجهة قوات «قسد» والدعم الذي تحظى به أميركيًا وأوروبيًا بفعل محاربتها «داعش»، وهو ما ضخم قوتها. الالفت في تصريحات املقداد أنها جاءت بعد لقاء مع نظيره اإليراني حسني أمير عبد اللهيان، وهو ما يدخل طهران كطرف جديد في معادلة التطبيع بني أنقرة ودمشق. طرف ال يمكن أن ينظر بعني الرضا إلى مسعى كهذا باعتبار أن عـودة املياه إلى مجاريها بني تركيا والنظام السوري، من املمكن أن تقوض النفوذ الذي بنته إيران خالل السنوات املاضية في سورية، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. هـذه املعطيات، يمكن أن يضاف إليها عودة الحديث عن العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، والذي أشار إليها املستشار القريب من الرئاسة التركية إبراهيم قالن، لتؤكد أن فرص التطبيع بني األسـد وأردوغــان تراجعت، ولكنها تبقى غير معدومة، بانتظار اللقاءات الجديدة التي ستجمع وزيري خارجية تركيا والنظام السوري.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar