Al Araby Al Jadeed

تركيا وسورية أي مصالحة؟

- فاطمة ياسين

مــا زالـــت الصحافة تـــردد خبر لـقـاء وزراء ومـسـؤولـي اسـتـخـبـا­رات مــن تركيا وسورية برعاية روسية، على أنها مقدمة للقاءات ذات مستوى أعلى، وهي بذات الوقت مؤشر على تغير نمط التعامل التركي مع النظام في سورية، ومع مكونات املعارضة التي تتخذ من تركيا مقرا لها، بما يعني االقتراب من إرساء عالقات شبه طبيعية بني تركيا والنظام، وقد زاد من تأثير هذه التكهنات ما قيل عن قرب لقاء بني وزيري خارجية البلدين ملزيد من التباحث، ووضع بعض قواعد التعامل الجديدة، ولكن املوعد املقترح، وهو منتصف الشهر األول من العام الحالي، قد انقضى، ولم يحدث مثل هذا اللقاء، وخرجت تصريحات ذات سقف مرتفع من على لسان رأس النظام السوري ووزير خارجيته، في ذات املوعد املقترح للقاء، مطالبة بخروج كل شكل من أشكال القوات التركية من سورية، وأن سورية لن تفاوض تركيا مادامت تحتل أرضـا سورية، وهـذا شرط مسبق ألي لقاء على مستوى رفيع، ومن املعروف أن هذا الشرط ليس من عقيدة النظام فقد سبق وتفاوض وزير الخارجية السوري مع اإلسرائيلي عدة مرات وجها لوجه، علما أن إسرائيل تحتل أرضا سورية. ال يؤكد اجتماع وزيري دفاع البلدين في بلد ثالث، أن تركيا في حالة إعادة النظر في املسألة السورية، فلم يبد على السياسة التركية أي تحول رغم ارتفاع مستوى اللقاءات فعال، ومن املعلوم أن ما بحثه الوزيران كان يجري شيء مشابه له في السابق بشكل غير مباشر مع تبادل لبعض املعلومات االستخباري­ة، ودائما عبر وسيط روسـي وربما إيراني. وتغير السياسة التركية الحقيقي هو نحو روسيا وليس نحو سورية، وقد حدث انزياح سابق، قبل أكثر من ست سنوات، أما تغير التصريحات التركية التي كانت متبعة سابقا فليس معناه أن تغيرا جوهريا قد طرأ على نظرة األتراك نحو دمشق، مع مالحظة أن النبرة السياسية قد اختلفت قليال بما يعكس واقعية تركية تأخذ باالعتبار مصالحها مع روسيا وقلقها تجاه الكرد. تحتضن تركيا أكثر من ثالثة ماليني ونصف الجئ، هربوا جميعا من الجحيم السوري، بعضهم نتيجة الخوف من القصف واالستهداف األمني والعسكري، وأقـل من هـؤالء قد هرب نتيجة الظرف االقتصادي الطاحن، وعودتهم جميعا تحت أي عنوان جديد للعالقات التركية السورية، غير واقعية، واألتراك يدركون اسـتـحـالـ­ة مـثـل هـــذه الـفـكـرة، فـالـداخـل الــســوري الـــذي يـكـابـد بـشـدة تـحـت وطــأة اقتصاد مزر، غير قادر على استيعاب عودة ماليني، في وقت قصير، وهو في الـواقـع غير قــادر على تأمني االحتياجات األساسية ملن هم في الـداخـل أصال، فضال عن الرغبة الشخصية لكل واحد من هؤالء املاليني بالبقاء في تركيا أو الرحيل شماال نحو أوروبا، وليس بالعودة لسورية في ظروفها الحالية. هناك خمسة ماليني آخرين يعيشون في منطقة إدلب وريفها وبعض أرياف حلب، ويمكن ألي تغير في العالقات السورية التركية أن يضعهم تحت تهديد مباشر، ومن الطبيعي حينها أن يفكروا باملغادرة إلى تركيا فورا، مما سيشكل ضغطا شـديـدا ال يمكن احتماله، وبالتالي فــإن رفــع الغطاء عـن الفصائل املسلحة في الشمال التي تعيش في الكنف التركي، وتؤمن حماية واستقرارا اقتصاديا معينا لهؤالء الخمسة ماليني غير وارد، وإال اختلت املعادلة، ووقعت الحدود التركية تحت ضغط شديد مما سيشعل املخاوف األوروبية مجددا بتكرار ما حصل بني عامي 2014 ،2018و حني تقاطر السوريون نحو دول الشمال األوروبي. قد يجر التقارب التركي السوري أخطارا كبرى بعضها ديمغرافي وبعضها اقتصادي يشمل حوالي تسعة ماليني سوري يعيشون حاليا في تركيا وشمال سورية، وتركيا ليست بوارد خوض مثل هذه التحديات، أما مخاوفها من العامل الكردي فيمكن أن تحل عبر تفاهمات مع روسيا ومع الواليات املتحدة وقد يدخل في جانب منها النظام السوري وهو ما تقوم به تركيا حاليا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar