Al Araby Al Jadeed

سيناريوهات التغيير في مصر

- تقادم الخطيب

تتفاقم األزمة االقتصادية في مصر، ويصبح صــــوت الــغــضــ­ب الــشــعــ­بــي كـــل يــــوم أعـــلـــى من أي وقــت مـضـى. وجــولــة بسيطة على مواقع الــتــواص­ــل االجــتــم­ــاعــي الــخــاصـ­ـة بـاملـصـري­ـن تــنــبــئ­ــك بــحــجــم هـــــذا الـــغـــض­ـــب وقـــــوتـ­ــــه، الــــذي أصبح موجهًا بصورة مباشرة ضد الرئيس، وتحميله املـسـؤولـ­يـة الـكـامـلـ­ة عـمـا حـــدث من تــدهــور اقــتــصــ­ادي فــي مــصــر، فـهـو الشخص الــــــذي يـــبـــدأ عـــنـــده كــــل شـــــيء ويــنــتــ­هــي عــنــده كــل شـــيء. فــي املـقـابـل، ظـهـرت بــــوادر انشقاق فــي أقـــرب الـــدوائـ­ــر الــداعــم­ــة لـلـرئـيـس، نتيجة تــوزيــع االتــهــا­مــات وإلــقــاء الــلــوم بينها وبـن بعضها، على أن التراشق بن رجـال األعمال أو اإلعالمين املحسوبن على النظام أصبح عــــالنــ­ــيــــة، ســــــواء عـــلـــى الــــشـــ­ـاشــــات أو مـــواقـــ­ع التواصل االجتماعي. داللة هذا، أن النظام في آخر مراحله، وأن الرئيس أصبح محل خالف بن الدوائر الداعمة له، وأن الذين دعموه من قبل أدركــــوا أن األمـــور وصـلـت إلــى مـرحـلـة ال يمكن فيها االستمرار في الخندق نفسه مع الرئيس، فالرجل الـذي دعموه وراهنوا عليه خالف كل وعوده، ووضع الدولة واقتصادها تحت وصاية صندوق النقد الدولي وتصرفه، وال يـــوجـــد مـــخـــرج مـــن هــــذا املــــــأ­زق الــصــعــ­ب. كذلك فـإن الجميع يعلم أن الـــوزراء مجموعة مــن الــســكــ­رتــاريــة الــتــي تـنـفـذ أوامــــر الـرئـيـس. وبـــالـــ­تـــالـــي، لـــو غـــيـــر الـــرئـــ­يـــس الـــحـــك­ـــومـــة، لن يـكـون لـهـذا أي قيمة، فالرئيس هـو املـسـؤول األول واألخــيــ­ر عـن تفاقم األزمـــة االقتصادية وبيع أصـول الدولة ووضـع اقتصادها تحت الوصاية األجنبية. وفاقم هذا كله من الغضب الـــشـــع­ـــبـــي، وجـــعـــل األمــــــ­ـور تــســيــر فــــي مــســار الغليان الذي قد تنتج منه فوضى. كيف ستكون سيناريوهات التغيير في مصر فـــي ظـــل حــالــة االحــتــق­ــان الـــشـــد­يـــدة؟ أول هـذه السيناريوه­ات أن يستمر الرئيس الحالي في سياساته االقتصادية، وبيع مزيد من األصول االستراتيج­ية ملصر، وهو ما بدا واضحًا في حكم املحكمة الدستورية العليا، أخيرًا، بعدم جواز الطعن في العقود التي تبرمها الحكومة عند خصخصة القطاعات املختلفة وبيعها. يتزامن هـذا مع مزيد من القمع لوقف أي رد فــعــل مــفــاجــ­ئ، قـــد يـنـتـج مــنــه خــــروج املــاليــ­ن إلى الشوارع. وكما هو معروف، الشارع خط أحمر بالنسبة إلى النظام وداعميه اإلقليمين، خوفًا من انتقال العدوى، مرة أخرى، إلى الدول املجاورة، وتكرار سيناريو الربيع العربي. إال أن قمع عبد الفتاح السيسي لن يمر دون وجود دعـــم إقـلـيـمـي، وخــصــوصـ­ـًا الــدعــم الخليجي، بـــالـــت­ـــزامـــن مــــع الــــدعــ­ــم املـــــقـ­ــــدم مــــن املـــؤســ­ـســـة العسكرية، إال أن الدعم الخليجي اآلن أصبح محل شك، في ظل تسابق الصناديق الخليجية على شراء األصول في مصر، وبالتالي تزايد الغضب الشعبي تجاهها، فضال عن أن هذا الدعم لم يعد مجانيًا، بل أصبح ذا تكلفٍة عاليٍة يدفع ثمنها املصريون. هنا يطرح سـؤال: هل في استطاعة السيسي املـنـهـك اقــتــصــ­اديــًا وسـيـاسـيـًا أن يـسـتـمـر في الـــتـــع­ـــويـــل عـــلـــى املـــؤســ­ـســـة الـــعـــس­ـــكـــريـ­ــة، الــتــي أصبحت في وضع حرج لم تكن موجودة فيه مـن قبل بسبب دعمها لــه؟ فالجماهير التي كانت ترى في املؤسسة العسكرية املنقذ للبلد، أصبحت تراها الشريك الذي التهم كل شيء، ويراكم من ثرواته ويبتلع الدولة على حساب املواطن، كذلك فإنها لم تحّرك ساكنًا تجاه بيع األصول االستراتيج­ية للدولة، أو تتخذ موقفًا واضحًا تجاه تدمير األمن االستراتيج­ي ملصر، وبالتالي هي شريك السيسي في أفعاله، أو هي والسيسي في خندق واحــد. وهنا سؤال آخــــر: هــل تــــدرك املــؤســس­ــة الـعـسـكـر­يـة تـدهـور شعبيتها في الشارع املصري؟ وإذا كانت تدرك ذلـك، وهـي املؤسسة األقــوى في مصر، والتي تمتلك مراكز لقياسات الرأي، ماذا سيكون رد فعلها؟ تقودنا اإلجـابـة عـن هــذا الـسـؤال إلى الـسـيـنـا­ريـو الــثــانـ­ـي: هــل سـتـتـدخـل املـؤسـسـة العسكرية لـوقـف هــذا الـتـدهـور االقـتـصـا­دي، وتـزيـح الرئيس عـن السلطة، ســواء باالتفاق معه أو بعمل انقالب عسكري؟ تقول إشـــارات مختلفة إن االتـفـاق أخـيـرًا بن السلطة في مصر وصندوق النقد الدولي وضع املؤسسة العسكرية في قلب هذا االتفاق، فقد اشترط الصندوق تقديم الدولة إقرارًا ضريبيًا لأنشطة والــشــرك­ــات املختلفة الـتـي تملكها الــدولــة كــل سـتـة أشــهــر، مــا يعني أن شـركـات الجيش ملزمة بهذا األمــر، والجميع يعلم أن املؤسسة العسكرية لن تقوم بهذا األمر مطلقًا، ما يعني فشل االتفاق مع صندوق النقد، ما سيترتب عنه أضـرار اقتصادية كبيرة. وهنا الــعــودة إلــى تـصـرف املـؤسـسـة العسكرية مع الرئيس، فهي أمام خيارين: األول، التوافق مع األطراف اإلقليمية بإنهاء األزمة في مصر من طريق تغيير سلمي، في انتخابات عام ،2024 وبالتالي إجراء انتخابات ووصول شخصية أخرى يجري التوافق عليها. ولكن هذا الخيار األول يتطلب موافقة السيسي أوال وإعالن عدم الترشح في االنتخابات املقبلة، ومـن بعدها سـتـجـري االتــفــا­قــات بـتـرتـيـب الـــخـــر­وج اآلمــن

للرئيس. ولكن هل سيوافق الرئيس على هذا السيناريو أم سيرفض؟ إن رفض، فماذا ستفعل املؤسسة العسكرية حيال هـذا الـرفـض، وهل ستتدخل وتقوم بانقالب عسكري على الرئيس؟ وهل سيسمح لها الشركاء اإلقليميون الذين أصبحوا ذا نفوذ واضح في القرار املصري؟ السيناريو الثالث أن تظل األوضــاع من دون تغيير، أي أن يستمر الرئيس فـي سياساته االقــــتـ­ـــصــــاد­يــــة الــــفـــ­ـاشــــلــ­ــة، وبــــالــ­ــتــــالـ­ـــي املـــزيــ­ـد مـــن األعــــبـ­ـــاء االقـــتــ­ـصـــاديــ­ـة، وزيـــــــ­ادة األســـعــ­ـار والتضخم، وبيع أصول الدولة، بالتوازي مع اإلجراء ات القمعية لوقف أي تحرك احتجاجي مـفـاجـئ. فــي الــوقــت نـفـسـه، تستمر املؤسسة الــعــســ­كــريــة فـــي الــصــمــ­ت، حــتــى تــحــن لحظة خروج الناس إلى الشوارع، وبالتالي، تتحرك املــؤســس­ــة لـتـتـخـذ مـوقـفـهـا وتـــزيـــ­ح الــرئــيـ­ـس، فالتجربة أوضــحــت أن املـؤسـسـة العسكرية ال تــتــحــر­ك إال حـيـنـمـا تـــكـــون الــجــمــ­اهــيــر في الشارع، وبالتالي تنفذ انقالبها كما حدث في أثناء وجود املتظاهرين ضد حسني مبارك أو ضد محمد مرسي. إال أن النقطة املهمة التي يجب تـداركـهـا ووضـعـهـا فـي الحسبان هنا، هــل سـيـكـون فــي مــقــدور املـؤسـسـة العسكرية احــتــواء الغضب الشعبي على طريقة املـــرات الـسـابـقـ­ة، فـي ظـل تـدهـور شعبيتها الـواسـع، فالوضع الحالي يقول إن الشعب غير مهيأ لـالسـتـمـ­اع ألي أحـــد فــي الـسـلـطـة، ولـيـس في مـــقـــدو­ر أحــــد أن يــقــنــع الــشــعــ­ب بــــأي خــطــاب، فالجميع أصبح مدانًا في نظره.

هل سيكون في مقدور المؤسسة العسكرية احتواء الغضب الشعبي على طريقة المرات السابقة، في ظل تدهور شعبيتها الواسع؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar