سيناريوهات التغيير في مصر
تتفاقم األزمة االقتصادية في مصر، ويصبح صــــوت الــغــضــب الــشــعــبــي كـــل يــــوم أعـــلـــى من أي وقــت مـضـى. وجــولــة بسيطة على مواقع الــتــواصــل االجــتــمــاعــي الــخــاصــة بـاملـصـريـن تــنــبــئــك بــحــجــم هـــــذا الـــغـــضـــب وقـــــوتـــــه، الــــذي أصبح موجهًا بصورة مباشرة ضد الرئيس، وتحميله املـسـؤولـيـة الـكـامـلـة عـمـا حـــدث من تــدهــور اقــتــصــادي فــي مــصــر، فـهـو الشخص الــــــذي يـــبـــدأ عـــنـــده كــــل شـــــيء ويــنــتــهــي عــنــده كــل شـــيء. فــي املـقـابـل، ظـهـرت بــــوادر انشقاق فــي أقـــرب الـــدوائـــر الــداعــمــة لـلـرئـيـس، نتيجة تــوزيــع االتــهــامــات وإلــقــاء الــلــوم بينها وبـن بعضها، على أن التراشق بن رجـال األعمال أو اإلعالمين املحسوبن على النظام أصبح عــــالنــــيــــة، ســــــواء عـــلـــى الــــشــــاشــــات أو مـــواقـــع التواصل االجتماعي. داللة هذا، أن النظام في آخر مراحله، وأن الرئيس أصبح محل خالف بن الدوائر الداعمة له، وأن الذين دعموه من قبل أدركــــوا أن األمـــور وصـلـت إلــى مـرحـلـة ال يمكن فيها االستمرار في الخندق نفسه مع الرئيس، فالرجل الـذي دعموه وراهنوا عليه خالف كل وعوده، ووضع الدولة واقتصادها تحت وصاية صندوق النقد الدولي وتصرفه، وال يـــوجـــد مـــخـــرج مـــن هــــذا املــــــأزق الــصــعــب. كذلك فـإن الجميع يعلم أن الـــوزراء مجموعة مــن الــســكــرتــاريــة الــتــي تـنـفـذ أوامــــر الـرئـيـس. وبـــالـــتـــالـــي، لـــو غـــيـــر الـــرئـــيـــس الـــحـــكـــومـــة، لن يـكـون لـهـذا أي قيمة، فالرئيس هـو املـسـؤول األول واألخــيــر عـن تفاقم األزمـــة االقتصادية وبيع أصـول الدولة ووضـع اقتصادها تحت الوصاية األجنبية. وفاقم هذا كله من الغضب الـــشـــعـــبـــي، وجـــعـــل األمـــــــور تــســيــر فــــي مــســار الغليان الذي قد تنتج منه فوضى. كيف ستكون سيناريوهات التغيير في مصر فـــي ظـــل حــالــة االحــتــقــان الـــشـــديـــدة؟ أول هـذه السيناريوهات أن يستمر الرئيس الحالي في سياساته االقتصادية، وبيع مزيد من األصول االستراتيجية ملصر، وهو ما بدا واضحًا في حكم املحكمة الدستورية العليا، أخيرًا، بعدم جواز الطعن في العقود التي تبرمها الحكومة عند خصخصة القطاعات املختلفة وبيعها. يتزامن هـذا مع مزيد من القمع لوقف أي رد فــعــل مــفــاجــئ، قـــد يـنـتـج مــنــه خــــروج املــاليــن إلى الشوارع. وكما هو معروف، الشارع خط أحمر بالنسبة إلى النظام وداعميه اإلقليمين، خوفًا من انتقال العدوى، مرة أخرى، إلى الدول املجاورة، وتكرار سيناريو الربيع العربي. إال أن قمع عبد الفتاح السيسي لن يمر دون وجود دعـــم إقـلـيـمـي، وخــصــوصــًا الــدعــم الخليجي، بـــالـــتـــزامـــن مــــع الــــدعــــم املـــــقـــــدم مــــن املـــؤســـســـة العسكرية، إال أن الدعم الخليجي اآلن أصبح محل شك، في ظل تسابق الصناديق الخليجية على شراء األصول في مصر، وبالتالي تزايد الغضب الشعبي تجاهها، فضال عن أن هذا الدعم لم يعد مجانيًا، بل أصبح ذا تكلفٍة عاليٍة يدفع ثمنها املصريون. هنا يطرح سـؤال: هل في استطاعة السيسي املـنـهـك اقــتــصــاديــًا وسـيـاسـيـًا أن يـسـتـمـر في الـــتـــعـــويـــل عـــلـــى املـــؤســـســـة الـــعـــســـكـــريـــة، الــتــي أصبحت في وضع حرج لم تكن موجودة فيه مـن قبل بسبب دعمها لــه؟ فالجماهير التي كانت ترى في املؤسسة العسكرية املنقذ للبلد، أصبحت تراها الشريك الذي التهم كل شيء، ويراكم من ثرواته ويبتلع الدولة على حساب املواطن، كذلك فإنها لم تحّرك ساكنًا تجاه بيع األصول االستراتيجية للدولة، أو تتخذ موقفًا واضحًا تجاه تدمير األمن االستراتيجي ملصر، وبالتالي هي شريك السيسي في أفعاله، أو هي والسيسي في خندق واحــد. وهنا سؤال آخــــر: هــل تــــدرك املــؤســســة الـعـسـكـريـة تـدهـور شعبيتها في الشارع املصري؟ وإذا كانت تدرك ذلـك، وهـي املؤسسة األقــوى في مصر، والتي تمتلك مراكز لقياسات الرأي، ماذا سيكون رد فعلها؟ تقودنا اإلجـابـة عـن هــذا الـسـؤال إلى الـسـيـنـاريـو الــثــانــي: هــل سـتـتـدخـل املـؤسـسـة العسكرية لـوقـف هــذا الـتـدهـور االقـتـصـادي، وتـزيـح الرئيس عـن السلطة، ســواء باالتفاق معه أو بعمل انقالب عسكري؟ تقول إشـــارات مختلفة إن االتـفـاق أخـيـرًا بن السلطة في مصر وصندوق النقد الدولي وضع املؤسسة العسكرية في قلب هذا االتفاق، فقد اشترط الصندوق تقديم الدولة إقرارًا ضريبيًا لأنشطة والــشــركــات املختلفة الـتـي تملكها الــدولــة كــل سـتـة أشــهــر، مــا يعني أن شـركـات الجيش ملزمة بهذا األمــر، والجميع يعلم أن املؤسسة العسكرية لن تقوم بهذا األمر مطلقًا، ما يعني فشل االتفاق مع صندوق النقد، ما سيترتب عنه أضـرار اقتصادية كبيرة. وهنا الــعــودة إلــى تـصـرف املـؤسـسـة العسكرية مع الرئيس، فهي أمام خيارين: األول، التوافق مع األطراف اإلقليمية بإنهاء األزمة في مصر من طريق تغيير سلمي، في انتخابات عام ،2024 وبالتالي إجراء انتخابات ووصول شخصية أخرى يجري التوافق عليها. ولكن هذا الخيار األول يتطلب موافقة السيسي أوال وإعالن عدم الترشح في االنتخابات املقبلة، ومـن بعدها سـتـجـري االتــفــاقــات بـتـرتـيـب الـــخـــروج اآلمــن
للرئيس. ولكن هل سيوافق الرئيس على هذا السيناريو أم سيرفض؟ إن رفض، فماذا ستفعل املؤسسة العسكرية حيال هـذا الـرفـض، وهل ستتدخل وتقوم بانقالب عسكري على الرئيس؟ وهل سيسمح لها الشركاء اإلقليميون الذين أصبحوا ذا نفوذ واضح في القرار املصري؟ السيناريو الثالث أن تظل األوضــاع من دون تغيير، أي أن يستمر الرئيس فـي سياساته االقــــتــــصــــاديــــة الــــفــــاشــــلــــة، وبــــالــــتــــالــــي املـــزيـــد مـــن األعــــبــــاء االقـــتـــصـــاديـــة، وزيـــــــادة األســـعـــار والتضخم، وبيع أصول الدولة، بالتوازي مع اإلجراء ات القمعية لوقف أي تحرك احتجاجي مـفـاجـئ. فــي الــوقــت نـفـسـه، تستمر املؤسسة الــعــســكــريــة فـــي الــصــمــت، حــتــى تــحــن لحظة خروج الناس إلى الشوارع، وبالتالي، تتحرك املــؤســســة لـتـتـخـذ مـوقـفـهـا وتـــزيـــح الــرئــيــس، فالتجربة أوضــحــت أن املـؤسـسـة العسكرية ال تــتــحــرك إال حـيـنـمـا تـــكـــون الــجــمــاهــيــر في الشارع، وبالتالي تنفذ انقالبها كما حدث في أثناء وجود املتظاهرين ضد حسني مبارك أو ضد محمد مرسي. إال أن النقطة املهمة التي يجب تـداركـهـا ووضـعـهـا فـي الحسبان هنا، هــل سـيـكـون فــي مــقــدور املـؤسـسـة العسكرية احــتــواء الغضب الشعبي على طريقة املـــرات الـسـابـقـة، فـي ظـل تـدهـور شعبيتها الـواسـع، فالوضع الحالي يقول إن الشعب غير مهيأ لـالسـتـمـاع ألي أحـــد فــي الـسـلـطـة، ولـيـس في مـــقـــدور أحــــد أن يــقــنــع الــشــعــب بــــأي خــطــاب، فالجميع أصبح مدانًا في نظره.
هل سيكون في مقدور المؤسسة العسكرية احتواء الغضب الشعبي على طريقة المرات السابقة، في ظل تدهور شعبيتها الواسع؟