خلفيات رفض تسليم دبابات لكييف
بعد فشل الدول الغربية في االتفاق على تسليم أوكرانيا دبابات، اختلفت القراءات لدوافع ذلك، وسط توقعات بتجنب الغرب صدامًا مع روسيا
زاد رفـــض بـرلـن تسليم دبــابــات «لـيـوبـارد» ألوكــرانــيــا، وربـــط املـسـتـشـار األملـــانـــي، أوالف شولتز، توريدها إلى كييف بتسليم واشنطن دبابات «أبرامز» األميركية للجيش األوكراني أوال، مـــــن تـــكـــهـــنـــات الــــخــــبــــراء الـــــــــروس بـــأن الغرب يسعى إلبعاد شبح الحرب املباشرة مـــع روســـيـــا عـــن دولـــــه، وســـط تــفــاقــم انـقـسـام الصف الغربي. ولـم يتمكن وزراء دفــاع دول مجموعة االتصال املعنية بدعم أوكرانيا، في اجتماعهم في قاعدة رامشتاين الجوية في أملانيا، يوم الجمعة املاضي، من التوصل إلى إجماع بشأن توريد دبـابـات «لـيـوبـارد» إلى أوكرانيا، على الرغم من الضغوط األميركية عـلـى بـــرلـــن. وكــــان املــتــحــدث الــرســمــي بـاسـم الــرئــاســة الـــروســـيـــة، دمــيــتــري بـيـسـكـوف، قد حــذر قبل االجـتـمـاع مـن الـتـداعـيـات السلبية لتسليم الــدبــابــات الثقيلة ألوكــرانــيــا، قـائـال إن «مثل هذه اإلمــدادات لن تتمكن من تغيير أي شيء جذريًا، ولكنها ستزيد من مشكالت أوكرانيا والشعب األوكراني». لــكــن الـــضـــغـــوط تــــــزداد عــلــى بـــرلـــن لـلـتـحـرك بــشــكــل أســــــرع ملـــســـاعـــدة كــيــيــف فــــي حــربــهــا ضد موسكو. ووجهت دول البلطيق، التفيا وإسـتـونـيـا ولـيـتـوانـيـا، دعــــوة مـشـتـركـة إلـى أملـانـيـا إلرســـال دبــابــات إلــى أوكــرانــيــا. وقــال وزيــر خارجية إستونيا أورمـــاس رينسالو عبر «تـويـتـر» إن «وزراء خـارجـيـة إستونيا والتــفــيــا ولـيـتـوانـيـا يــدعــون أملــانــيــا لـتـزويـد أوكــرانــيــا اآلن بــدبــابــات لـــيـــوبـــارد»، مضيفًا «هـــــــذا ضــــــــروري لــــوقــــف الـــــعـــــدوان الــــروســــي ومـــســـاعـــدة أوكــــرانــــيــــا وإعــــــــادة الــــســــالم إلـــى أوروبـــــــا بـــســـرعـــة. أملـــانـــيـــا عـلـيـهـا مـسـؤولـيـة خــاصــة فـــي هـــذا الـــصـــدد، بــاعــتــبــارهــا الــقــوة األوروبية الرائدة». وتعليقًا عـلـى ذلـــك، رأى رئـيـس قـسـم العلوم الــــســــيــــاســــيــــة واالجـــــتـــــمـــــاعـــــيـــــة فـــــــي جـــامـــعـــة بليخانوف االقتصادية الروسية في موسكو، أنـــــدريـــــه كــــوشــــكــــن، فـــــي حــــديــــث لــــ «الـــعـــربـــي الــــجــــديــــد»، أن انـــــعـــــدام اإلجـــــمـــــاع بــــن الـــــدول الغربية فـي مسألة تسليم الـدبـابـات الثقيلة ألوكرانيا، يعكس تخوف بعضها من الدخول في حالة من الصدام املباشر مع روسيا، في ظروف إطالة أمد الحرب. وقال كوشكن الذي خــــدم فـــي الــجــيــش الــســوفــيــيــتــي ثـــم الـــروســـي ألكــثــر مـــن 30 عـــامـــًا، ويـحـمـل رتــبــة عـقـيـد في االحـتـيـاط: «ال إجـمـاع بـن أوروبـــا والـواليـات املتحدة في مسألة تسليم الدبابات ألوكرانيا، فـي ظـل إدراك قــادة الـــدول فـي الـقـارة العجوز أن مــثــل هــــذه الـــخـــطـــوة ســتــزيــد مـــن مـخـاطـر الـــصـــدام املــبــاشــر مـــع روســـيـــا، وال سـيـمـا مع إطـــالـــة أمـــد الـــنـــزاع، وشــولــتــز أول مـــن يحتج من القادة األوروبين على اإلمـالءات القادمة مـــن وراء املــحــيــط ومــــحــــاوالت حـــل مـشـكـالت أوكرانيا على حساب دول أخرى». واعتبر أن عـزوف واشنطن عن تسليم دبابات «أبرامز» ألوكـــرانـــيـــا ال يـقـتـصـر عــلــى اعـــتـــبـــارات فـنـيـة، مــضــيــفــًا: «ســـتـــؤثـــر لــقــطــات لـــوقـــائـــع احـــتـــراق أبــــرامــــز فـــي أرض املـــعـــركـــة ســلــبــًا بسمعتها كأهم دبـابـة تصديرية أميركية، مـا قـد يدفع دوال مستوردة للدبابات إلى اختيار دبابات (لـــيـــوبـــارد) األملـــانـــيـــة أو (تـــــــي-09) الــروســيــة. صـــحـــيـــح أن الــــعــــالــــم رأى مـــشـــاهـــد احــــتــــراق الــــدبــــابــــات األمـــيـــركـــيـــة فــــي الــــشــــرق األوســــــط، لـكـن إحــراقــهــا عـلـى أيـــدي الــــروس سـتـكـون له دالالت أكـــبـــر». مــن جـهـتـه، أشــــار الـخـبـيـر في مركز بحوث قضايا األمن التابع ألكاديمية العلوم الروسية، قسطنطن بلوخن، إلى أن إدارة الرئيس األميركي جو بايدن، ال تسعى لتحقيق نصر ألوكرانيا، بقدر ما تبحث عن منع هزيمتها، ما يفسر الوتيرة املنخفضة لـــتـــزويـــد كــيــيــف بــاألســلــحــة الـــحـــديـــثـــة، وفــق تقديره. وقال بلوخن في حديث مع «العربي
يرى محللون أن برلين تحاول الحفاظ على عالقات مع موسكو
الجديد»: «مهمة إدارة بايدن والغرب عمومًا، عـــــدم الـــســـمـــاح بــهــزيــمــة أوكــــرانــــيــــا مــــع مـنـع تصعيد النزاع وتوسعه باتجاه حلف شمال األطلسي، وهــو مـا قـد تــؤدي إليه اإلمـــدادات العسكرية واســعــة الـنـطـاق. لــذلــك، ال تتسلم أوكــرانــيــا ســـوى عـــدد مــحــدود مــن صــواريــخ «باتريوت» واملنصات إلطالقها، إذ تسترشد قـــيـــادات الـــواليـــات املــتــحــدة والـــــدول الغربية بمبدأ االكتفاء بتوريد كميات من األسلحة تتيح استمرار النزاع وتعويم أوكرانيا». ومــع ذلـــك، قلل الخبير الــروســي مـن أهمية دور الـــدبـــابـــات الـغـربـيـة الـثـقـيـلـة فـــي أرض املعركة حتى في حال تسليمها ألوكرانيا، مضيفًا: «روســيــا هـي الـقـوة الــرائــدة عامليًا فـــي مـــجـــال الــــدبــــابــــات، ويــمــكــنــهــا أن تــوفــر عددًا كافيًا من الدبابات املخزنة منذ حقبة الـــحـــرب الــــبــــاردة». وتـــابـــع: «يـــقـــدر الــخــبــراء العسكريون األمـيـركـيـون والـغـربـيـون عدد الدبابات لدى روسيا بما يراوح بن 12 ألف دبــابــة و22 ألــفــًا، وهـــو عـــدد يـفـوق إجمالي عـدد الدبابات لـدى بلدان الناتو مجتمعة. وحتى إذا تسلمت أوكرانيا 500 دبابة، على سبيل املثال، فهي لن تستطيع التفوق على روسيا في هذا املجال». وتشير أحـــدث بيانات مـوقـع «غـلـوبـال فاير بـــــاور» لــعــام 2023 إلــــى أن روســـيـــا تـتـصـدر دول الـــعـــالـــم بــــفــــارق هـــائـــل مــــن حـــيـــث عـــدد الـدبـابـات بحيازتها أكثر مـن 12500 دبابة، وتليها كوريا الشمالية (نحو 6600 قطعة) والواليات املتحدة ،)5500( وسط غياب ألي بلد آخر عضو في حلف األطلسي بن الدول العشر األولـــى. وفــي الـوقـت الــذي جــاءت فيه مصر في املرتبة الخامسة، متصدرة الـدول الـعـربـيـة بنحو 4700 دبــابــة، لــم تـــأت تركيا إال في املرتبة الـــ11 عامليًا والثانية بن دول الناتو بأكثر من 2200 دبابة. مـــن جــهــتــه، رأى الــخــبــيــر فـــي مـــركـــز تحليل االستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، ســـيـــرغـــي ديــنــيــســيــنــتــســيــف، أن الـــــواليـــــات املـتـحـدة تسعى إلجــبــار أملـانـيـا عـلـى تـوريـد األسـلـحـة الثقيلة إلــى أوكــرانــيــا حتى يكون ذلــك عـالمـة لــــ«إحـــراق الـجـسـور» مـع روسـيـا، واصفًا دبابة «ليوبارد-2» بأنها رمز لهيبة مجمع التصنيع العسكري األملاني. وأضاف دينيسينتسيف فـي تعليق نقلته صحيفة «فـزغـلـيـاد» اإللـكـتـرونـيـة املــوالــيــة للكرملن: «يضع شولتز رأي الناخبن في الحسبان. ال يـدعـم أغـلـب األملـــان تــوريــد الــدبــابــات (إلــى أوكـــــرانـــــيـــــا). وعـــــــالوة عـــلـــى ذلــــــك، ال تـتـمـنـى الحكومة األملانية تصعيدًا للحرب، وتتمنى الحفاظ على عالقات مقبولة مع روسيا».