الجزائر... االختيار الصعب

يقع الجزائريون في الوقت الحالي ضمن نطاق اختيارات صعبة وحساسة، التنمية أو الديمقراطية. بالنسبة للسلطة فإن الوضع الداخلي، والتوقيت الدولي بكل أبعاده السياسية وتأثيراته االقتصادية وامتداداته اإلقليمية وضغوط الجغرافيا األمنية، ال تسمح إال بخيار واحد. وقد حسمت موقفها لصالح خيار إعمال التنمية وتغيير معادالت االقتصاد املحلي. ويشمل ذلك كل ما له عالقة باملحروقات، وتحسني البنى التحتية ومعالجة املشكالت املعيشية، مع التحشيد لهذا الخيار، على الصعد السياسية واإلعالمية واملجتمعية، على حساب قضايا عالقة ومزمنة ذات صلة باملسألة الديمقراطية. ال يمكن التشكيك في انحياز الرئيس عبد املجيد تبون، وبشكل واضح وصريح، إلى نهج الخيارات الوطنية في منوال التنمية الذي يعرضه والديناميكيات التي يعتمدها. لكن السبل املنتهجة إزاء هذه «الخيارات الوطنية»، تطرح في املقابل سؤالني ال ثالث لهما. في املقام األول، هل حصلت هذه الخيارات على صعيد خطط التنفيذ وأدواتها، على ما يكفي من الفحص والتمحيص والنقدية الالزمة، والنتقاء الكوادر املنفذة لتالفي أخطاء سابقة، ولتجنب التقاء الشعبوية بسوء التدبير، وهي أخطاء حملت سابقًا الجزائر الكثير من الكلفة وأهدرت الوقت والفرص، وكانت من حيث ذلك سببًا في انفجارات اجتماعية وسياسية؟ وفي املقام الثاني، هل يتعني بالضرورة أن يلتقي تنفيذ هذه «الخيارات الوطنية»، مع فائض الضبط وتسييج كل فضاءات الحريات ومساحات النقاش السياسي واإلعالمي ووضع اإلعالم املحلي داخل رؤية وفكرة وحيدة وخطاب واحد؟ يلتقي السؤاالن كالهما عند نفس النقطة، ال يمكن أن تنجح خيارات «التنمية أوال»، أو على األقل بالقدر الالزم لنجاحها، في فك املعضالت االقتصادية للبالد، وقد سبق تجريبها في الجزائر في عقود تشكل الدولة الوطنية، خارج مشروع يأخذ بعني االعتبار استحقاق الحريات كقيمة وممارسة بالنسبة للجزائريني. هناك حاجة أيضًا إلى النطاق الضروري الذي يحترم تنوع األفكار في الجزائر. ال يمكن الجزم بنجاح هذه الخيارات من دون نقاش صريح وشفاف وبناء حول محتواها االقتصادي والسياسي وأدواتها. وفي املقابل ال يمكن أن تتوفر هذه النقاشات الضرورية ما لم يتسع صدر السلطة وتنفتح لها الفضاءات الضرورية. لم يعد ممكنًا الفصل بني مشروع التنمية واملسألة الديمقراطية، لئال تتكرر املآالت نفسها بعد حني.