Al Araby Al Jadeed

إسرائيل دولة فاسدة منذ أعوام

- أنطوان شلحت

قوبل الـقـرار الـصـادر يــوم 18 يناير/ كـانـون الثاني الحالي عـن املحكمة العليا في إسرائيل، الذي سبب إقالة رئيس حزب شاس لليهود األرثوذكس الشرقيني، أرييه درعي من منصبه وزيرًا للداخلية والصحة في حكومة بنيامني نتنياهو السادسة، بعد أن قضى بأن «تعيينه غير معقول إلى أقصى حد»، من جراء إداناته الجنائية املتكررة، التي كان جديدها أخيرًا إدانته بتهمة االحتيال الضريبي في عام ،2022 بردود فعل متعددة، لعل أبرزها التي جزمت بأن إسرائيل باتت منذ عدة أعوام دولة فاسدة، نظرًا إلـى أنـه من ناحية التعريف األكثر تـــداوال، فـإن الدولة الفاسدة ليست التي ينخرها الفساد فحسب، بل بـاألسـاس التي تتماشى مع الفساد وتسلم به، وال تحرك ساكنًا ملحاربته. ومن يتابع ملف الفساد في إسرائيل، يجد أن األعـوام األخيرة شهدت ذروة في فساد الواقفني على رأس النظام فيها. على سبيل املثال، منذ 1996 لم يكن رئيس حكومة واحد إال ارتبط اسمه بقضايا فساد، وحقق معه بشأنها، ومن بينهم رئيس حكومة، هو إيهود أوملـرت، أدت التحقيقات إلى تقديمه إلى املحاكمة وسجنه، فيما أفلت رئيس الحكومة الذي سبقه في هذا املنصب، أريئيل شارون، من الئحة اتهام إثر سقوطه على فراش املرض في غيبوبة تامة انتهت بموته، بينما حكم بالسجن على نجله األكبر في قضايا فساد ارتبطت باسم والده وحمالته االنتخابية، وواجه نجله الثاني ملفًا بالفساد في قضايا والده. أما رئيسا الحكومة اآلخـــران، إيهود بــاراك وبنيامني نتنياهو، فقد خضع األول لتحقيقاٍت في قضايا فساد، ولكنها لم تنته بتقديم الئحة اتهام، فيما انتهت التحقيقات مع الثاني بتقديم لوائح اتهام ما زالت قيد البحث أمام املحكمة، وتساهم في عدم االستقرار السياسي. وفـــي سـيـاق جـــرد ســريــع، يـتـبـني أن رئـيـسـي دولـــة سـابـقـني اضــطــرا إلـــى تقليص واليتيهما أو تجميدهما: األول عيزر وايزمان، بسبب قضايا فساد، والثاني موشيه كاتساف بسبب قضايا أخالقية حكم عليه بسببها بالسجن سبعة أعوام. وممن سجنوا كذلك، وزيـر املـال السابق، أبراهام هيرشزون، ووزيـر الصناعة والتجارة السابق، شلومو بنيزري، جّراء إدانتهما في قضايا فساد مالي، وسبقهما الوزير أرييه درعي نفسه، الذي تحّرر من خلف القضبان قبل عدة أعوام، وكذلك حكم على الوزير السابق، حاييم رامون، بالعمل لخدمة الجمهور في قضية أخالقية، وحكم بالسجن الفعلي وغير الفعلي على ما ال يقل عن سبعة نواب. وارتبط اسم أفيغدور ليبرمان، الذي شغل عدة مناصب وزارية، أبرزها الدفاع والخارجية، بتحقيقات في قضية وصفت بأنها خطيرة، وتتعلق بتسلم أموال بماليني الدوالرات عبر شركات وهمية، وكما يبدو لها ارتباط بعصابات دولية، وحتى بعصابات تعمل في تبييض األموال، وهي قضية متشعبة، وصلت أطرافها إلى دول عديدة، وخصوصًا قبرص وروسيا. وفي موازاة ذلك، قدمت سلسلة من لوائح االتهام ضد مسؤولني كبار في عدد من مؤسسات الدولة، بشكل خاص ضد السكرتيرة الخاصة لرئيس الحكومة السابق، أوملرت، وضد مسؤولني في سلطة الضرائب وغيرهم. ثّمة عوامل كثيرة لتعاظم الفساد في إسرائيل، وباالرتباط تحديدًا بالتسعينيا­ت ال بــد مـن اإلشـــارة إلــى اتـبـاع طريقة االنـتـخـا­بـات املـبـاشـر­ة لرئيس الحكومة التي ألغيت الحقًا، واتباع االنتخابات التمهيدية (برايمريز) لقوائم املرشحني في معظم األحـــزاب، وأسهم تضافر هذين العاملني في زيــادة تبعية السياسيني للتبّرعات املالية. وعمليًا، في الوسع القول إن املال أضحى، منذ التسعينيات، بمثابة الشرط الضروري لالنتخاب ضمن قائمة مرشحي الحزب للكنيست، فضال عن الوقوف على رأس الحزب وفوزه في االنتخابات. غير أنه بموازاة تبعية السياسة املتزايدة للمال، لم تنب وسائل وأدوات مالئمة ملحاربة الفساد السياسي، من قبيل بلورة نظام من القيود القانونية والعقوبات املناسبة، أو اعتماد آليات شفافية. وبخصوص األخيرة، تمنح منظمة الشفافية الدولية إسرائيل سنويًا تدريجًا متدنيًا جدًا في كل ما يتصل بالشفافية والرقابة على ميزانية األمن واألنشطة األمنية!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar