Al Araby Al Jadeed

أن تخدم سيّديْن في وقت واحد

- عبد اللطيف السعدون

فــي املـــأثــ­ـورات املسيحية «ال تستطيع أن تخدم سيدين في وقت واحد، ألن ذلك أمر مـسـتـحـيـ­ل»، لكننا فــي الـــعـــر­اق استطعنا تـــحـــوي­ـــل مــــا هــــو مــســتــح­ــيــل إلــــــى مــمــكــن. عــــشــــ­رون عـــامـــا ونـــحـــن نــعــمــل فــــي خــدمــة ســيــديــ­ن فــي وقـــت واحــــد، إلـــى درجــــة أننا أدمنا العبودية، وأتقنا فلسفة الخضوع والـــركــ­ـوع وتقبيل األيــــدي وحـتـى األقــــدا­م. وعـلـمـنـا حـكـامـنـا الــشــطــ­ار املـــاكــ­ـرون كيف نــجــمــع بــــني صـــداقـــ­تـــنـــا (اقــــــــ­رأ: تـبـعـيـتـ­نـا) لـــلـــسـ­ــيـــد األمـــــي­ـــــركـــ­ــي وصــــداقـ­ـــتــــنـ­ـــا (اقــــــــ­ـرأ: تبعيتنا) للسيد اإليـرانـي، مع أن بينهما ما صنع الحداد، ولكن .. أليست السياسة فن املستحيل؟ وهكذا في كل دورة زمن يحط عندنا، على نـحـو مــفــاجــ­ئ، ومـــن دون إخـــبـــا­ر مسبق، مبعوثون مـن هــذا السيد أو ذاك، ونحن مــمــتــن­ــون لـكـلـيـهـ­مـا بــعــد مـــا أســـســـا لــنــا، ومــن أجــل ســـواد عيوننا، حكما ليس له نظير على وجهً األرض،ّ وجلبوا لتطييب خـواطـرنـا كـومـة مـن األفــاقــ­ني والقراصنة واللصوص ليحكمونا ويتحكموا فينا، وقـــــد تـــفـــنـ­ــنـــوا فــــي تـــرويـــ­ضـــنـــا عـــلـــى مـــدى األعوام العشرين، إلى درجة أننا أصبحنا، ورغــــم أنــوفــنـ­ـا، راضــــني بـاسـتـغـا­لـهـم لنا ولثرواتنا، قانعني بعبوديتنا الطوعية لـــهـــم، شـــاكـــر­يـــن أفـــضـــا­لـــهـــم عــلــيــن­ــا وعــلــى بــادنــا. وقـــد آن لـنـا الــيــوم أن نفخر أمــام الـــعـــا­لـــم بــأنــنــ­ا نــعــيــش فـــي رحـــــاب «دولــــة عـمـيـقـة» أقــامــهـ­ـا ســادتــنـ­ـا لـتـحـرسـن­ـا ليل نـــهـــار فــــي حـــمـــاي­ـــة «حـــشـــد مــلــيــش­ــيــاوي» يــحــمــل الـــســـا­ح نــيــابــ­ة عـــنـــا، ويـــرســـ­م لنا طـــريـــق ســـيـــرن­ـــا ومـــصـــي­ـــرنـــا، وقـــــد أدمـــنـــ­ا الـــحـــر­ص عــلــى أن نــرضــيــ­هــم ونــخــدمـ­ـهــم، وننتظر بركاتهم طول الوقت! وقــــد حــلــت الــبــركـ­ـة فـــي ربــوعــنـ­ـا األســبــو­ع الـحـالـي بـــزيـــا­رة مـبـعـوث الـبـيـت األبــيــض، بــريــت مـــاكـــغ­ـــورك، لـنـا ولـــقـــا­ء اتـــه مـــع كـبـار مسؤولينا، على خلفية أن بادنا من البقاع املهمة في العالم التي يعتبرها األميركيون جزءا من مجالهم االستراتيج­ي، والتي ال يمكنهم التخلي عنها ألي طرف إقليمي أو دولـي. وقد جاء ليذكرنا بأن باده أنفقت أكثر من تريليوني دوالر في حربها، كما خـــســـرت آالف الـــجـــن­ـــود، وتـــريـــ­د أن نبقى تـــحـــت نـــفـــوذ­هـــا إلـــــى األبــــــ­ـد. وبـــحـــس­ـــب مـا قــالــه مـطـلـعـون عـلـى مــا دار وراء األبـــواب املــغــلـ­ـقــة، تـــحـــدث املـــبـــ­عـــوث األمـــيــ­ـركـــي عن استمرار وجـود أكثر من 14 ألف عسكري أميركي فـي الــعــراق تحت الفـتـة «املـشـورة والـتـدريـ­ب» سـنـوات، وربـمـا لعقود. وذكـر تابعيه بـمـا نــصــت عليه مــذكــرة التفاهم السرية الـتـي كــان قـد وقعها الـطـرفـان في يونيو/ حزيران عام ،2014 في عهد والية نوري املالكي الثانية، وكشف عنها رئيس الوزراء األسبق، حيدر العبادي، في حينه، كما حـذرهـم من استمرار دعمهم حكومة طـــهـــرا­ن، بـخـاصـة فـــي مـــجـــاا­لت االقـتـصـا­د واألمـــور املـالـيـة، وهـــدد بــأن اسـتـمـرار ذلك سيدفع واشنطن إلى اتخاذ إجــراءات من شأنها لجم عمليات غسيل األموال ووقف االســـتــ­ـيـــاء غــيــر الـــقـــا­نـــونـــي عــلــى الـــــدوا­لر ملـصـلـحـة إيـــــــر­ان. وأفــــــا­د هـــــؤالء املـطـلـعـ­ون بأن ماكغورك أبلغ رئيس الــوزراء، محمد شياع الـسـودانـ­ي، فـي ختام زيــارتــه، وفي لـــهـــجـ­ــة خـــشـــنـ­ــة، بــــأنـــ­ـه ســــــوف يـــســـمـ­ــع مـن الرئيس األميركي، جو بايدن، في زيارته املقررة إلى واشنطن أكثر من ذلك! وقــبــل أن تـخـفـت حـــــرارة زيـــــارة مـاكـغـورك وسط طقس بغداد البارد، فاجأتنا زيارة لـقـائـد فـيـلـق الــقــدس فــي الــحــرس الــثــوري اإليــرانـ­ـي، إسماعيل قـاآنـي، وهــو املفوض مــن دولــــة «واليــــة الـفـقـيـه» لــرعــايـ­ـة شــؤون العراق، والذي اعتاد التسلل عبر الحدود، في جنح الليل، متخفيا خشية أن يشعر بقدومه األعـــداء فيفعلوا بـه مثلما فعلوا بقاسم سليماني من قبل، خصوصا وأن عيونهم ال تفوتها شـاردة وال واردة، وقد جاء ليذكر العراقيني، هو اآلخـر، بما يهم إيران تنفيذه، وفي املقدمة من ذلك تفعيل القانون الذي يقضي بعدم السماح ببقاء العسكر األميركيني في الباد. ووســـــــ­ط لـــعـــبـ­ــة شــــــد الـــحـــب­ـــل هـــــــذه، يـــبـــدو الــــســـ­ـودانــــي فــــي مــــوقـــ­ـع ال يـــحـــسـ­ــد عــلــيــه، خصوصا وهو يريد أن يرضي «السيدين» مـــعـــا، وال يـسـعـى إلــــى إغـــضـــا­ب أحــدهــمـ­ـا. ولذلك فكر في أن يركن إلى املعادلة التي اشـتـغـل عليها رؤســــاء الـحـكـومـ­ات الـذيـن سبقوه، والعمل مع الطرفني مع املراهنة على عنصر الزمن. ولكن هل تسلم الجرة هذه املــّرة، كما سلمت في مـّرات سابقات؟ هـــــذا هــــو الـــــســ­ـــؤال الــــــذي ربـــمـــا يــــــدور فـي ذهـــن الــســودا­نــي، وهـــو عـلـى أبــــواب سفرة «تــاريــخـ­ـيــة» إلـــى الـبـيـت األبــيــض ال يمكن التنبؤ بنتائجها بسهولة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar