Al Araby Al Jadeed

قطيعة المغرب واالتحاد األوروبي لن تقع

- علي أنوزال

ألول مـرة منذ ما يناهز ربـع قــرن، صادق البرملان األوروبي على قرار يدين املغرب في مجال حقوق اإلنـسـان، وينتقد الهجمات على حرية الصحافة وحرية التعبير في الـــبـــا­د. وحــظــي الـــقـــر­ار بـتـصـويـت أغلبية ممثلي الشعوب األوروبية داخل املجلس، وهـــو يـطـالـب بــإطــاق ســـراح الصحافيني املغاربة املعتقلني واإلفـــرا­ج عن املعتقلني الـسـيـاسـ­يـني، خـصـوصـا معتقلي «حـــراك الــــريــ­ــف»، ومــعــتــ­قــلــي الــــــرأ­ي فـــي الــســجــ­ون املـــغـــ­ربـــيـــة، ويـــنـــت­ـــقـــد تــضــيــي­ــق الــســلــ­طــات املـــغـــ­ربـــيـــة عـــلـــى حــــريـــ­ـة الــــــــ­رأي والــتــعـ­ـبــيــر ووضــــع حـــد ألسـالـيـب­ـهـا فــي مــراقــبـ­ـة عمل الصحافيني واسـتـغـال الـجـنـس لإليقاع باملنتقدين منهم واملغردين خارج سربها. القرار توصية تقدمت بها مجموعات من أقصى اليسار ومـن الخضر األوروبـيـ­ني. وليست هـذه املــرة األولــى التي يتقدمون فـيـهـا بـمـثـل هـــذه الــتــوصـ­ـيــة، لـكـنـهـا هـذه املرة صادفت قلق البرملانين­ي األوروبيني من ادعـــاءات عن رشــوة املغرب برملانيني مـــن زمــائــهـ­ـم خــدمــة ملـصـالـحـ­ه، مـــا ســـرع بـــتـــبـ­ــنـــي الـــتـــو­صـــيـــة واملـــــص­ـــــادقــ­ـــة عـلـيـهـا بـشـبـه إجـــمـــا­ع كــلــي، مـــع اســتــثــ­نــاء تمثل فــي مـعـارضـة اليمني الفرنسي املتطرف والــــنــ­ــواب االشـــتــ­ـراكـــيــ­ـني اإلســــبـ­ـــان الــذيــن يـحـرص حزبهم الـحـاكـم فـي مـدريـد على عدم إثارة غضب الرباط، خوفا من ردود فعلها في مجال الهجرة. وفـــــي الـــــربـ­ــــاط، كـــــان لـــلـــقـ­ــرار أثـــــر الــصــدمـ­ـة الـكـبـيـر­ة، وطــــوال يـومـني لــم يـصـدر أي رد فــعــل رســـمـــي، وتـجـاهـلـ­ت وســـائـــ­ل اإلعـــام الرسمية الخبر، قبل أن تبدأ عاصفة من ردود الــفــعــ­ل صـــــادرة عـــن هــيــئــا­ت مـدنـيـة وأحـــــــ­زاب ســيــاســ­يــة ومـــؤســـ­ســـات رسـمـيـة وأخـــــــ­ـرى دســــتـــ­ـوريــــة، كـــانـــت أقـــــواه­ـــــا تـلـك الـــصـــا­درة عــن الــبــرمل­ــان املــغــرب­ــي بغرفتيه الــــــذي لــــــوح بــــإعـــ­ـادة الـــنـــظ­ـــر فــــي عــاقــاتـ­ـه بـنـظـيـره األوروبـــ­ــــي. ولــكــن عــلــى مـسـتـوى مـــؤســـس­ـــات الــــقـــ­ـرار املـــركــ­ـزيـــة فـــي املـــغـــ­رب، خـــصـــوص­ـــا وزارة الـــخـــا­رجـــيـــة املــرتــب­ــطــة مـبـاشـرة بالقصر املـلـكـي، على اعـتـبـار أن

مجال الدبلوماسي­ة والعاقات الخارجية يبقى محفوظا للملك، لـم يصدر بعد أي رد فعل، ما يفسر أن مركز صناعة القرار فــي املــغــرب يـتـريـث فــي رد فـعـلـه، وينتظر حتى تـهـدأ حملة «التسخني» الـتـي تقوم بها بعض املؤسسات واألحــزاب وهيئات املجتمع املــدنــي وبـعـض وســائــل اإلعـــام، ليأتي وقـت التفاوض وإعـــادة األمــور إلى نـصـابـهـا، ألن عــاقــة املــغــرب مــع االتــحــا­د األوروبــي لن تنتهي عند هذا القرار الذي خــدش صــورة اململكة فـي الــخــارج، والــذي مــــا كــــــان لـــيـــصـ­ــدر لــــو لــــم تـــكـــن الـــعـــا­قـــات املغربية الفرنسية تمر بفترة توتر صامت مــنــذ أكـــثـــر مـــن ســـنـــة، بــمــا أن الـبـرملـا­نـيـني الــفــرنـ­ـســيــني كــــانـــ­ـوا دائــــمــ­ــا يــلــعــب­ــون دور املـــحـــ­امـــي عــــن املــــغــ­ــرب ومـــصـــا­لـــحـــه داخــــل املجلس التشريعي األوروبي. وبعيدا عن مزايدات برملانيني وسياسيني مــــغــــ­اربــــة حـــمـــلـ­ــتـــهـــ­م عــــواطــ­ــفــــهــ­ــم، وربــــمــ­ــا مصالحهم، إلى الصراخ عاليا، مهاجمني الــــبـــ­ـرملــــان واملــــؤس­ــــســــا­ت األوروبـــ­ـــيــــــ­ة، فـهـم يدركون، قبل غيرهم، أن أصواتهم، مهما ارتـــفـــ­عـــت، ســتــظــل مـــجـــرد رجــــع صـــــدى، ال مــصــداقـ­ـيــة لــهــا، مــوجــهــ­ة إلــــى االســتــه­ــاك الداخلي، ألن من يقرر في عاقات املغرب الخارجية وفي خياراته الدبلوماسي­ة هو القصر امللكي عبر وزارة الخارجية. لذلك دعـــوة الـبـرملـا­ن املـغـربـي إلـــى إعــــادة النظر في عاقاته مع نظيره املغربي تبقى غير واقــعــيـ­ـة، ألن هـــذه الـقـطـيـع­ـة لـــن تــقــع، بما أن املــتــضـ­ـرر األول منها سـيـكـون املـغـرب، الـحـلـقـة األضـــعــ­ـف، الــــذي تــجــري %70 من مـــبـــاد­التـــه الــتــجــ­اريــة الــخــارج­ــيــة مـــع دول االتــــحـ­ـــاد األوروبـــ­ـــــي، املــســتـ­ـفــيــد األول من اتفاقات الشراكة بني الطرفني. لـذلـك، عندما ستخمد أنـفـاس املنافحني عــن سـيـاسـة الــهــروب إلـــى األمــــام، ودعـــاة الــتــصــ­رف كــأنــهــ­م يـمـثـلـون دولــــة عظمى بإمكانات دولة ما زالت تحتاج املساعدات األوروبـيـ­ة، سيأتي وقت التفكير بحكمة إلعــــــا­دة قــــــراء ة الــــقـــ­ـرار األوروبـــ­ـــــي بـــرويـــ­ة وهدوء، فالقرار، وبعيدا عن السياق الذي اتخذ فيه وتوقيته وخلفياته ودوافـعـه ومــــــن يـــقـــف خـــلـــفـ­ــه ومــــــن يــســتــف­ــيــد مــنــه،

أمام السلطة في المغرب فرصة إلعادة النظر في سياساتها الداخلية، وتنقية بيتها

وسياسة الكيل بمكيالني عند األوروبيني الــتــي عــرتــهــ­ا حـــرب الـــغـــر­ب وروســـيــ­ـا في أوكرانيا، فقد جاء في وقته، وهو بمثابة نــاقــوس خـطـر لـحـالـة االنــــزا­لق الخطيرة التي دخلها املغرب منذ إخفاقات «الربيع العربي» وانتصارات «الثورات املضادة»، التي أتـت على األخضر واليابس، قتلت الـــســـي­ـــاســـة وقـــضـــت عـــلـــى اإلعــــــ­ـام الــحــر واملستقل، وكممت األصـــوات الشجاعة، وقـــلـــص­ـــت هــــوامــ­ــش الـــحـــر­يـــة واالخـــتـ­ــيـــار السياسي، وقوت شوكة األجهزة األمنية والـــرقــ­ـابـــيـــ­ة املــســلـ­ـطــة عــلــى رقـــــاب الــنــاس والـكـاتـم­ـة أنــفــاس الـحـريـة. أمـــام السلطة فـي املـغـرب فرصة سانحة إلعـــادة النظر في سياساتها الداخلية، وتنقية بيتها الــــداخـ­ـــلــــي، وإحـــــــ­ــداث جـــــو مــــن االنــــفـ­ـــراج السياسي يبدأ بطي صفحة االنتهاكات واملـــضــ­ـايـــقـــ­ات الـــتـــي تـــواجـــ­ه املــعــار­ضــني وكل أصحاب األصوات املنتقدة، وتقوية الـجـبـهـة الـداخــلـ­ـيــة بــمــؤســ­ســات حقيقية منبثقة من إرادة الشعب الحرة، وبإعام ذي مصداقية واستقالية، وإعــادة بناء جـو مـن الثقة بـني الـدولـة واملجتمع، ألن املستفيد األول من هذا الفراغ هو املجهول الـــذي ال يـعـرف شكله أو حـجـمـه، عندما سينفجر ذات يوم في وجه الجميع.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar