Al Araby Al Jadeed

عائلة العقل المنتِحر في لبنان

- أرنست خوري

تقول الحكومة اللبنانية إن قرارها وقف تعليم التالميذ السوريني الالجئني، املمول من الـخـارج، اقتصادي بحت، ال عنصرية فيه. كذلك، فـإن دعـوة األمـني العام لحزب الله حسن نصر الله دول الخليج إلــى رمــي 100 أو 200 أو 300 مليار دوالر في لبنان اقتصادية صافية، ال سياسة فيها. كالهما، القرار والدعوة، ينتميان إلى العائلة نفسها: عائلة العقل املنتحر. الدولة اللبنانية مفلسة وغير قــادرة على دفـع مبالغ تستحق اسـم رواتــب ملعلمي املــدارس الحكومية املضربني عن العمل، فما الحل، يا ترى؟ نوقف تعليم أبناء الالجئني السوريني وبناتهم في الحصة املسائية املخصصة لهم وحدهم لكي ال يختلطوا بنظرائهم اللبنانيني، معاذ الله. ملاذا؟ عمال بمبدأ املساواة، يقول املدير العام لوزارة التربية والتعليم العالي عماد األشقر. وملزيد من شرح مفهوم املساواة االقتصادية، لن يعلم لبنان األجانب (إن كانوا فقراء) طاملا أنه ال يستطيع تعليم اللبنانيني. أليس الظلم في السوية عدال في الرعية؟ لكن تعليم السوريني تموله جهات دولية، واألمــوال تستلمها الدولة اللبنانية فتسرق وتغذي صناديق الفساد، فماذا تكسب الدولة اللبنانية إن أوقفت تعليم هـؤالء الذين ال يكلفونها شيئًا حتى ال نقول إنها تستفيد منهم ماليًا؟ ال جـواب، فقط انتحار للمنطق والعقل. تخبرنا األرقام أن الجهات املانحة الدولية تدفع عبر «يونيسف» للدولة اللبنانية عن كل تلميذ من الالجئني السوريني مسجل في الحصة الصباحية للمدارس الحكومية 600 دوالر سنويًا، 363و دوالرًا عن كل تلميذ مسجل في الحصة املسائية رديئة املستوى. وتفيدنا املعطيات أيضًا بــأن هـذا املبلغ لم يـحـول في السنوات الثالث املاضية ألن الجهات املانحة قــررت بناء ثماني مــدارس رسمية للدولة اللبنانية بموافقة مجلس وزراء هذه الدولة التي وصل إليها منذ عام 2011 أكثر من 1.5 مليار دوالر لتعليم السوريني ومنع تسربهم. لكن التسرب يحصل وبوتيرة متسارعة، فـ87% من األطفال السوريني في لبنان غير امللتحقني باملدارس في املرحلة االبتدائية، لم يتسجلوا بسبب الفقر، %62و منهم أجبروا على ترك املدرسة بسبب مشكالت مادية، %52و منهم لم يلتحقوا باملدرسة من قبل، بحسب النسب التي جمعتها الزميلة ريتال الجّمال عن دراسة سابقة ملجلس الالجئني النرويجي. لكن كل هذا لم يعد يعني أحدًا في السلطة اللبنانية، فتوسل املـال صار من دون عرض أي مقابل، أي أن على املجتمع الدولي تمويل تعليم اللبنانيني ال الالجئني. هؤالء ليس عليهم إال املغادرة إلى سورية حيث تدرك السلطة في بيروت ورمزها حزب الله تمامًا ماذا ينتظرهم. أما حسن نصر الله فموضوع آخر. يريد أن يعلن الحروب باسم إيران ضد بلدان خليجية، ثم يتساءل ملاذا ال تساعد لبنان بـ003 مليار دوالر؟ انتحار ثان للمنطق والعقل. الرجل يحب التخصص ويحترمه، لذلك ارتــأى أن يكون الجزء األكبر من خطابه األسبوع املاضي اقتصاديًا، بما أن املناسبة املخترعة للخطاب، هي الذكرى الـ03 النطالقة «املركز االستشاري للدراسات» التابع للحزب. أما وأن املركز ال يعنى حصرًا باالقتصاد، فإن كلمة االستشاري في اسمه توحي وكأن االستشارة ال بد أن تكون اقتصادية، فانهال على املستمعني بكالم ال يفعل سوى إهانة االقتصاد. وعندما قرر استحضار األرقام احترامًا لجدية املناسبة، جاء ذلك على شكل تنكيت سياسي ــــ ريــاضــي عجيب أنــه ال يـــزال يجد مــن يبتسم لــه ويهضمه. فــي مزاحه االقتصادي ــ السياسي ــ الرياضي، تساءل نصر الله: ما الذي ينقص دول الخليج ألن تأتي بـ001 مليار، 200 مليار، 300 مليار (إلى لبنان)، فليحسبوا أنفسهم أنهم يلعبون كرة قدم، لكن مشكلتنا أن ليس عندنا ال رونالدو وال ميسي. هذه عينة عن شواهد نهاية بلد. هذا نموذج للفتاوى االقتصادية لحاكم لبنان. هذه أدلة إضافية على ضرورة البقاء في عوالم كرة القدم وميسي ورونالدو في حال كان البديل الوحيد متابعة أخبار لبنان ومرشده.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar