مبارك عن السلطة، بعد 18 يومًا من التظاهرات واالعتصامات، أبرزها في ميدان التحرير بوسط العاصمة القاهرة
املــيــدان. دخلنا مـيـدان الـتـحـريـر، فوجدناه مــزدحــمــًا بــالــفــعــل، فــقــد سـبـقـتـنـا مـسـيـرات أخـرى بالدخول، وبعد ساعات قليلة، كان هناك من يطوفون ليجمعوا األموال لتوفير (اإلعاشة)، وضمان مبيت أكبر عدد ممكن من الثوار في امليدان. دفعت بالفعل، لكنني غادرت بحلول الساعة الحادية عشرة ليال في اتجاه كوبري قصر النيل مرة أخرى». حــيــنــهــا، بــــدت املــنــطــقــة املــحــيــطــة بــاملــيــدان فــي عـيـون يـاسـمـني مـوحـشـة، فخشيت من االنـتـظـار، «فاملنطقة حــول املـيـدان والطرق املؤدية إليه انتشر فيها شبان وصبية على دراجــــات نــاريــة، وكــانــت أشـكـالـهـم مختلفة عـن األشــخــاص فـي الــداخــل. الـلـون األصفر يكسو شـعـورهـم، وأسـلـحـة بيضاء تتدلى من سراويلهم. بينما كـان امليدان مزدحمًا جـدًا. قـررت املـغـادرة، والـعـودة غـدًا، بمجرد مالحظة أشكال وتصرفات األشخاص من حـــولـــي. عــنــد املــتــحــف املـــصـــري املــطــل على مــيــدان عـبـد املـنـعـم ريـــاض املــالصــق ملـيـدان التحرير، تشكلت لجان شعبية كثيفة تضم أكــثــر مــن صــف للحماية مــن أي مــحــاوالت اخــتــراق أو تـسـلـل. كـــان الــخــوف مــن أعـمـال السرقة والنهب قد انتشر بالفعل». تواصل ياسمني: «عند خروجي من امليدان فــي اتــجــاه كـبـري قصر الـنـيـل، كـانـت هناك العديد من الدراجات النارية التي يقودها شـــبـــان يـــبـــدو عــلــيــهــم أنـــهـــم يـــنـــتـــمـــون إلـــى املناطق الشعبية. فهمت أن هناك أشخاصًا غاضبني من هذا الحشد الهائل في امليدان، وتسبب هـذا في قلق كبير لــدي. كما أنني أردت طــمــأنــة أهـــلـــي، ألنــــه حــتــى مـــع عـــودة االتـــصـــاالت الـهـاتـفـيـة، فـــإن إجــــراء مـكـاملـات قصيرة مع األهل لم تكن كافية لطمأنتهم». وعـــــن رحـــلـــة الــــعــــودة مــــن املـــــيـــــدان، تــحــكــي: «عــنــدمــا اقــتــربــنــا مـــن مـحـطـة مــتــرو أنــفــاق األوبرا، حذرنا كثيرون من استقالل املترو، واالســــتــــمــــرار ســـيـــرًا عـــلـــى األقــــــــدام كــــل إلـــى وجهته. حينها شكل عدد من الشبان دائرة بتشبيك أيــاديــهــم، وفـــي املـنـتـصـف ســارت الفتيات في حماية الشبان، حتى ابتعدنا تمامًا، واقترب كل منا من وجهته». ال تـــــزال كــثــيــر مـــن ذكـــريـــات املـــشـــاركـــني في الـثـورة عالقة فـي عقل أسـامـة، وخصوصًا تفاصيل عصر يوم السبت 29 يناير، اليوم التالي لجمعة الغضب، حينها كان ميدان الـتـحـريـر يمتلئ بــــاآلالف مــن املـتـظـاهـريـن الــذيــن جــــاؤوا مــن كــل صـــوب وحـــدب بحثًا عـــن الـــحـــريـــة، ولــلــمــطــالــبــة بــرحــيــل حسني مـــبـــارك عـــن الــحــكــم، غــيــر أن شــائــعــة ســرت فــي املـــيـــدان، مــفــادهــا أن املـــنـــازل فــي أحـيـاء العاصمة الـقـاهـرة تتعرض لهجوم منظم مــــن عـــصـــابـــات مـــســـلـــحـــة، مــســتــغــلــة غــيــاب الشرطة للقيام بأعمال السلب والنهب. يــقــول أســـامـــة: «كــنــت حينها مــع ثــالثــة من األصـــدقـــاء، عـلـى بـعـد أمــتــار مــن مـقـر وزارة الـــداخـــلـــيـــة الـــقـــريـــب مــــن مــــيــــدان الـــتـــحـــريـــر، وانتابنا جميعًا القلق على أهالينا بسبب تـلـك الـشـائـعـة، والــتــي تـزامـنـت مــع اإلعـــالن عن تمديد حظر التجول ليبدأ من الرابعة عــــصــــرًا حـــتـــى الـــثـــامـــنـــة صــــبــــاحــــًا. وقـــتـــهـــا، اقـتـرحـت أن يـذهـب واحـــد منا إلــى املنطقة الــتــي نـسـكـن فــيــهــا، ويـطـمـئـن عــلــى سـالمـة األسر األربع. كنت أشك أن الهدف هو إخالء امليدان من املتظاهرين». ويــتــابــع: «تــأكــدنــا بـالـفـعـل مــن عـــدم وجــود عـــمـــلـــيـــات نـــهـــب أو ســـلـــب فــــي هـــــذا الـــيـــوم، ومــــع ذلــــك اســتــمــرت اإلتــــصــــاالت الـهـاتـفـيـة مـن األهــل واملـقـربـني تطالبنا بـالـعـودة إلى منازلنا، وترك امليدان بحجة أن املحتجزين الـجـنـائـيـني تــم إطـــالق سـراحـهـم مــن أقـسـام الشرطة، مستندين في تلك الشائعة إلى ما تروجه وسائل اإلعالم اململوكة للحكومة». مـــــا حـــــــدث فـــــي هـــــــذا الـــــيـــــوم تــــكــــرر بـــصـــور مــتــشــابــهــة خــــالل األيــــــام الـــتـــالـــيـــة، فــإطــالق الشائعات كان ممنهجًا في األيـام السابقة لتنحي مــبــارك، والــهــدف دائــمــًا كــان إخــالء ميدان التحرير من املتظاهرين.