Al Araby Al Jadeed

«عقوبات بديلة»... مشروع قانون مغربي خارج القضبان

يسعى المغرب إلى الدفع نحو إقرار مشروع قانون جديد يتبنى العقوبات البديلة التي قد ال تسلب الحرية بالضرورة، في محاولة للحد من اكتظاظ السجون وتأهيل السجناء بطريقة أفضل ومواكبة التطور

- الرباط ـ عادل نجدي

ينتظر العشريني أحمد بلعربي بفارغ الصبر مـوعـد الجلسة األخــيــر­ة ملحاكمته باملحكمة االبتدائية بمدينة سال القريبة من العاصمة املــــغــ­ــربــــيـ­ـــة الــــــرب­ــــــاط نــــهــــ­ايــــة يــــنــــ­ايــــر/ كــــانـــ­ـون الــثــانـ­ـي الـــجـــا­ري، عـلـه يـنـهـي مــعــانــ­اة نفسية واجتماعية مستمرة منذ اعتقاله احتياطيًا فـي سبتمبر/ أيـلـول املـاضـي. ويـقـول شقيقه مصطفى لـ«العربي الجديد»: «على الرغم من االلتماسات املتكررة التي قدمها املحامي من أجل محاكمته في حالة سـراح، وتوفر جميع الضمانات على حضوره لجلسات املحاكمة، إال أن املحكمة رفضت تلك االلتماسات. وما يثير مخاوفنا هو أن تقضي املحكمة في حقه بعقوبة سـالـبـة لـلـحـريـة، مــا يــهــدد مستقبله الـــــدرا­ســـــي والــــشــ­ــخــــصــ­ــي»، يـــضـــيـ­ــف: «بــحــكــم سنه وطبيعة الفعل الـــذي ارتـكـبـه، يـبـدو من اإلجحاف الحكم بسجنه، فيما يمكن اللجوء إلى بدائل أخرى. ماذا سيربح املجتمع إذا ترك شابًا في مقتبل العمر ارتكب جنحة بسيطة ليعيش تجربة السجن، التي قـد تحوله إلى مـجـرم مـحـتـرف؟». حـالـة بلعربي هـي واحــدة مــن آالف الـــحـــا­الت الــتــي تسعى وزارة الـعـدل املــغــرب­ــيــة، مـــن خــــالل مـــشـــرو­ع قـــانـــو­ن ينتظر أن يـتـم عــرضــه خـــالل األســابــ­يــع املـقـبـلـ­ة على الــحــكــ­ومــة والـــبـــ­رملـــان، إلــــى «تـــجـــاو­ز مــســاوئ الـعـقـوبـ­ات السالبة للحرية ومــا يتبعها من آثـــار سلبية، والــحــد مــن اكـتـظـاظ املـؤسـسـا­ت السجنية». وتعول وزارة العدل على تطبيق

مشروعها الـخـاص بالعقوبات البديلة على أرض الواقع، من أجل «تقليص أعداد السجناء وتـــوفـــ­يـــر تــكــالــ­يــف مـعـيـشـتـ­هـم داخــــــل أســـــوار السجن عبر اعتماد العقوبات البديلة كحل ملشكلة االكتظاظ داخـل املؤسسات السجنية وحماية الجناة من سلبيات السجن من جهة، ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مــجــال الــحــقــ­وق والـــحـــ­ريـــات الــعــامـ­ـة مـــن جهة أخــــــــ­ـرى»، كـــمـــا جـــــاء فــــي املـــــذك­ـــــرة الــتــقــ­ديــمــيــ­ة لـــلـــمـ­ــشـــروع. وتـــقـــو­ل الــــــــ­وزارة إن «مــــا يشجع على هــذا الـتـوجـه هــو املعطيات اإلحصائية املسجلة بخصوص الساكنة السجنية، والتي تفيد بـــأن مــا يــقــارب نصفها مـحـكـوم عليهم بـأقـل مــن سـنـة، وشـكـلـت هـــذه الـعـقـوبـ­ات عـام 2020 ما نسبته 44.97 في املائة»، الفتة إلى أن «معظم التشريعات املعاصرة صبت جهودها على البحث عن سياسة جنائية أكثر مالءمة للعصر ولألفكار والنظريات السائدة، التي تــقــوم أســـاســـًا عـلـى إيـــجـــا­د بـــدائـــ­ل للعقوبات السالبة للحرية». وتسعى وزارة الـعـدل مـن خــالل املـشـروع إلى «إيجاد عقوبات حديثة تقوم كآليات وحلول

معظم التشريعات المعاصرة صبت جهودها على البحث عن سياسة جنائية أكثر مالءمة للعصر

نــاجــعــ­ة ملـكـافـحـ­ة أنـــــواع مـــحـــدد­ة مـــن الـسـلـوك اإلجــــرا­مــــي، وفـــق مــقــاربـ­ـة تــهــدف إلـــى إصـــالح ســـلـــوك الـــجـــا­نـــي وتــهــيــ­ئــتــه لـــالنـــ­دمـــاج داخــــل املجتمع». وكان تقرير برملاني نشر في يوليو/ تموز 2021 حول أوضاع السجون شمل ثالث مؤسسات سجنية، قد لفت إلى أن االكتظاظ أزمـــة مستمرة فــي ظــل مـواصـلـة اعـتـمـاد آلية االعـتـقـا­ل االحـتـيـا­طـي مــن دون ترشيد وعــدم توفير بدائل للعقوبات السجنية. ويــعــرف مــشــروع الـقـانـون الـعـقـوبـ­ات البديلة بـ«العقوبات التي يحكم بها بديال للعقوبات السالبة للحرية في الجرائم التي ال تتجاوز عـقـوبـة املـحـكـوم بـهـا سنتني حـبـسـًا، وتـخـول لــلــمــح­ــكــوم عــلــيــه تــنــفــي­ــذ بـــعـــض االلـــتــ­ـزامـــات املفروضة عليه في مقابل حريته وفق شروط محكمة تراعي من جهة بساطة الجريمة، ومن

جهة ثانية اشــتــراط مـوافـقـتـ­ه». وتــتــوزع تلك العقوبات بني أربعة أنواع، أولها: العمل ألجل املنفعة العامة، وهـي العقوبة التي تصدرها جـــهـــة قـــضـــائ­ـــيـــة مــخــتــص­ــة تــتــمــث­ــل فــــي قــيــام الـجـانـي بعمل يـعـود بالفائدة على املجتمع تكفيرًا عن الخطأ الذي صدر عنه من دون أن يتقاضى أجرًا على ذلك العمل». ويــشــتــ­رط املـــشـــ­روع فـــي الــعــمــ­ل بـــهـــذا الـبـديـل بلوغ املحكوم عليه سـن 15 سنة كـأدنـى حد وقت ارتكابه للجريمة، وأال تتجاوز العقوبة سنتني حبسًا، كما اعتبر العمل املحكوم به ألجــــل املـنـفـعـ­ة الــعــامـ­ـة عــمــل غــيــر مــــؤدى عنه وينجز لفائدة مصالح الـدولـة أو مؤسسات أو هـــيـــئـ­ــات حـــمـــاي­ـــة الـــحـــق­ـــوق والــــحــ­ــريــــات أو املؤسسات العمومية أو املؤسسات الخيرية أو دور الـــعـــب­ـــادة أو غــيــرهــ­ا مـــن املــؤســس­ــات أو الـجـمـعـي­ـات أو املـنـظـمـ­ات غـيـر الحكومية العاملة لفائدة الصالح العام ملدة تـراوح بني 40 600و ساعة، كما خص املحكمة بتحديد ساعات العمل ألجل املنفعة العامة. ونـــــص املــــشــ­ــروع عـــلـــى عـــقـــوب­ـــة بـــديـــل­ـــة ثــانــيــ­ة تتمثل في أداء مبلغ مالي تحدده املحكمة عن كل يوم من املدة السجنية املحكوم بها، والتي ال تتجاوز في املقرر القضائي سنتني حبسًا. وتتوزع الغرامة اليومية ما بني 100 2000و درهم 10( 200و دوالر) عن كل يوم من العقوبة الــحــبــ­ســيــة املـــحـــ­كـــوم بـــهـــا تـــقـــدر­هـــا املــحــكـ­ـمــة بـحـسـب اإلمــكــا­نــيــات املـــاديـ­ــة لـلـمـحـكـ­وم عليه وخـطـورة الجريمة املرتكبة بالضرر املترتب عنها، ويمكن لألحداث أيضًا االستفادة منها. أما العقوبة الثالثة البديلة، فتتمثل في املراقبة اإللــكــت­ــرونــيــ­ة، والــتــي اعـتـبـرهـ­ا املـــشـــ­روع «مـن الوسائل املستحدثة في السياسة العقابية، ومن أهم ما أفرزه التقدم التكنولوجي والذي انـعـكـس بــــدوره عـلـى الـسـيـاسـ­ة الـعـقـابـ­يـة في معظم األنظمة العقابية املعاصرة التي أخذت بــه». ويــرى املـشـروع أن تطبيق نظام املراقبة اإللكتروني­ة «يـحـقـق قـــدرًا كبيرًا مـن الـتـوازن بني حقوق وحريات األفراد واملصلحة العامة املــتــمـ­ـثــلــة فــــي ســـعـــي الـــــدول­ـــــة لـــلـــقـ­ــصـــاص مـن مرتكب الجريمة». وبالنسبة للعقوبة الرابعة، يقترح املشروع تقييد بعض الحقوق وفرض تــدابــيـ­ـر رقــابــيـ­ـة أو عــالجــيـ­ـة أو تـأهـيـلـي­ـة في الحاالت التي ال تتجاوز مدة العقوبة السالبة للحرية املحكوم بها سنتني حبسًا».

 ?? (فاضل سنا/ فرانس برس) ?? داخل أحد سجون المغرب
(فاضل سنا/ فرانس برس) داخل أحد سجون المغرب

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar