Al Araby Al Jadeed

األوراسية طريقًا للخالص من الغرب

- عمر كوش

ال يخفي المفكر ألكسندر دوغين، أّن طريق الخالص الذي يبتغيه في مفهوم األوراسية يخّص به روسيا أوًال، التي يحّض على تحولهــا إلــى إمبراطورية تحــت قيادة بوتين، كي تقــود الدول التي تنتمي إلى فضائها، لتتحول األوراســي­ة إلى نزعة روســية ّّ مركزية، وأقرب إلى قاعدة أيديولوجية. هنا مطالعة حول مصطلح األوراسية والدالالت المتعلقة به

ال يــكــل املـفـكـر الـــروســ­ـي، ألكسندر دوغـــــــ­ــــن، مــــــن طــــــــر­ح األوراســـ­ـــــيــــ­ــــة، فـــي مـعـظـم أطـــروحــ­ـاتـــه ومــؤلــفـ­ـاتــه الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة، بــوصــفــ­هــا طـــريـــق الــــخـــ­ـاص من الغرب، ومن الهيمنة الغربية، ممثلة بهيمنة الـواليـات املتحدة، ومـن سطوة تأثيرها على روســــيــ­ــا وســــائــ­ــر الــــــــ­ـدول، حـــيـــث طـــرحـــه­ـــا فـي كتابه «أسس الجيوبولتي­كا: مستقبل روسيا الـجـيـوبـ­ولـتـيـكـي» (تــرجــمــ­ة عــمــاد حـــاتـــم، دار الكتاب الجديد املتحدة، بيروت، ،)2004 وكذلك فعل في كتابه «الجغرافيا السياسية ملا بعد الــحــداث­ــة - عـصـر اإلمــبــر­اطــوريــا­ت الــجــديـ­ـدة - الــخــطــ­وط الــعــامـ­ـة لـلـجـغـرا­فـيـا الـسـيـاسـ­يـة في الـقـرن الــحــادي والـعـشـري­ـن» (تـرجـمـة إبراهيم استنبولي، املـركـز العربي لألبحاث ودراســـة السياسات، بـيـروت، الـدوحـة، .)2022 ويتكرر األمــــر نفسه فــي كـتـابـه «الـــخـــا­ص مــن الـغـرب – األوراســـ­ـيــــة - الـــحـــض­ـــارات األرضـــيـ­ــة مـقـابـل الحضارات البحرية واألطلسية» (ترجمة علي بدر، دار ألكا للنشر والترجمة، بغداد، .)2021

األوراسية الكالسيكية

تـــنـــدر­ج األوراســـ­ــيـــــة، حــســب تـــصـــور مـفـكـريـن وكتاب روس عديدين، تحت مسمى النظرية السياسية الرابعة التي تأتي بعد النظريات الثاث، الليبرالية (يمن ويسار) والشيوعية (بــمــا فـــي ذلــــك املــاركــ­ســيــة واالشـــتـ­ــراكـــيـ­ــة إلــى جـانـب االشـتـراك­ـيـة الديمقراطي­ة) والفاشية (بــمــا فـــي ذلـــك االشــتــر­اكــيــة الــقــومـ­ـيــة وأنــــواع أخرى من الطريق الثالث). وتعود جذورها إلـى األوراسـيـ­ة الكاسيكية التي ظهرت مع نهايات القرن التاسع عشر، وتـطـورت في كتابات نيكوالي روبتسكوي، ومــــــن بــــعــــ­ده املـــــــ­ــــؤرخ جــــــــو­رج فـــيـــرن­ـــادســـك­ـــي وعــالــم اإلثـنـولـ­وجـيـا لـيـف غوملييف ويـوتـر ســـافـــي­ـــتـــســ­ـكـــي وســــــوا­هــــــم. وهــــــي تــــقــــ­وم عـلـى مـــنـــهـ­ــج الـــتـــح­ـــلـــيــ­ـل الــــجـــ­ـغــــرافـ­ـــي الـــســـي­ـــاســـي (الــــجـــ­ـيــــوســ­ــيــــاسـ­ـــي) لــــلــــ­تــــاريــ­ــخ، الـــــــذ­ي يـــربـــط األحداث باملصير املشترك واملصالح املشتركة لــعــدة شــعــوب أو قـومـيـات تـقـع ضـمـن فضاء ثقافي حضاري واحـد، وتحددها الجغرافيا الـسـيـاسـ­يـة الــتــي تـضـم هـــذه الـشـعـوب وهــذه الـــثـــق­ـــافـــات املــــتــ­ــقــــارب­ــــة. وكــــانــ­ــت تـــمـــثـ­ــل تـــيـــارًا ســـيـــاس­ـــيـــا اجـــتـــم­ـــاعـــيـ­ــا، يــــدافــ­ــع عــــن الــثــقــ­افــة الــروســي­ــة بـاعـتـبـا­رهـا ظــاهــرة غـيـر أوروبــيــ­ة، ومشكلة مع مزيج من الصفات والخصائص الشرقية والـغـربـي­ـة، الـتـي ال يمكن اختزالها إلــى الــشــرق أو الــغــرب، فـالـحـضـا­رة الروسية تـشـكــلــ­ت مـــن مــكــونــ­ات (وتــــجـــ­ـارب) الـشـعـوب األوروبـــ­ـيــــة واآلســـيـ­ــويـــة مــعــا، وتــحــتــ­ل مــركــزًا وسطا بينهم وبن حضارات العالم.

وإذا كــــان مــفــهــو­م األوراســـ­ـيــــة لــيــس جــديــدًا فــي الـفـكـر الـجـيـوسـ­يـاسـي، وطــرحــه مـفـكـرون روس وأوروبــــ­ـيـــــون عــــديـــ­ـدون وســــواهـ­ـــم، إال أنــه بــدأ يـتـردد كثيرًا، فـي السنوات والعقود القليلة املاضية، لـدى مفكرين وكـتـاب روس عديدين، وتطور إلى أوراسية جديدة معادية لـلـغـرب ولــلــحــ­ضــارة األوروبـــ­ـيــــة بـعـد سـقـوط االتــحــا­د السوفييتي، مـن خــال إعـــادة ربطه بوضع روسيا الجغرافي وتكوينها الثقافي والــحــضـ­ـاري، مـن جهة أنـهـا ليست غـربـا وال تنتمي إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه، ليست شرقا وال تنتمي إلى آسيا، واملحاججة أنها تشكل واقعا جغرافيا وإثنيا وثقافيا مميزًا، يربط بن الشرق والغرب، وعليها أن تصلح إمـــبـــر­اطـــوريــ­ـة مــتــرامـ­ـيــة األطــــــ­ــراف، كـــي تـقـوم بــدورهــا وتـحـمـل رسـالـتـهـ­ا إلـــى الــعــالـ­ـم، عبر املجال أو باألحرى املـدى الروسي. ومن أجل هذا الهدف، ال بد من إنشاء االتحاد األوراسي، الــــــــ­ـذي ســـيـــعـ­ــمـــل عــــلــــ­ى تـــصـــحـ­ــيـــح األخـــــط­ـــــاء التاريخية وإعــــادة األلـــق إلــى اإلمـبـراط­ـوريـة الروسية الناجحة التي كانت موجودة قبل تشكل االتحاد السوفييتي. وال يـخـفـي دوغــــن أن طــريــق الــخــاص الــذي يبتغيه في األوراسية يخص به روسيا أوال، الـتـي يـحـض على تحولها إلــى إمـبـراطـو­ريـة تحت قيادة فاديمير بوتن، كي تقود الدول التي تنتمي إلى فضائها، لتتحول األوراسية إلى نزعة روسية تمركزية، وأقرب إلى قاعدة إيــديــول­ــوجــيــة لـلـسـلـطـ­ة الـــروســ­ـيـــة الــجــديـ­ـدة. وألجل ذلك، يسعى جاهدًا إلى توظيف أفكار صـراع الحضارات ومقوالته، وإبــراز ميادين املـــواجـ­ــهـــة بـــن حــــضــــ­ارات الــيــابـ­ـســة أو الــبــر وحضارات البحر أو «الحضارات األطلسية»، وذلك كي يجترح مفهومه الخاص ألوراسية جــديــدة، ويـضـمـنـه أطــروحــا­ت جيوسياسية وفلسفية معادية لليبرالية تماما، ومناهضة لـــلـــنـ­ــظـــم الـــغـــر­بـــيـــة ولـــلـــع­ـــوملـــة ولـــلـــح­ـــضـــارا­ت األطــلــس­ــيــة، إلــــى جــانــب عــــرض تـنـاقـضـا­تـهـا، واستشراف انهيارها الوشيك، وبما يجعل انــتــصــ­ار األوراســـ­يـــة عـلـى األطـلـسـي­ـة حتمية تاريخية، على الرغم من أنـه يقدمها فلسفة ال تدعي عامليتها، وال قطبيتها الوحيدة، وال تـفـرض نفسها عـلـى الــحــضــ­ارات والـثـقـاف­ـات األخــرى، مثلما فعلت الليبرالية طـوال القرن العشرين، وال تزال تفعله.

األوراسية الجديدة

تـسـتـنـد األوراســـ­ـيــــة الـــجـــد­يـــدة إلــــى الـتـحـلـي­ـل الــبــنــ­يــوي، وتــســتــ­خــدم الـــحـــض­ـــارة مـوضـوعـا لها، والبنيوية أداتـهـا فـي التحليل، على أن تنظر إلى الحضارة بوصفها بنية كلية أكبر من مجموع أجزائها، حيث يقدم األوراسيون نـظـريـتـه­ـم الــســيــ­اســيــة الــقــائـ­ـمــة عــلــى أســـاس تعدد الحضارات ومعاداة الحداثة الغربية، وامتاك روسيا بنية خاصة بها، وتميزها عن غيرها مجموعة قيم ومعتقدات يجب الدفاع عـنـهـا وحـمـايـتـ­هـا مــع غـــزو الــغــرب وحـداثـتـه الـلـيـبـر­الـيـة. وعـلـيـه، يــطــرح دوغـــن مجموعة مــن املـنـطـلـ­قـات مــن أجـــل قــيــام اإلمــبــر­اطــوريــة الـــروســ­ـيـــة، تـتـمـحـور حـــول عـقـدهـا تـحـالـفـا­ت تسمح لها بمد حدودها البحرية حتى أطول مدى ممكن، وأن تبتعد عن املادية واإللحاد، وتـولـي الـجـانـب الــروحــي األهـمـيـة القصوى، إلى جانب اعتمادها منهجا مرنا في تسيير اقتصادها، بعيدًا عن الخصخصة والرسملة، إضافة إلى سيرها في اتجاه تعتمد فيه على مــبــدأ االســـتــ­ـقـــال الـــذاتــ­ـي الــثــقــ­افــي والــلــغـ­ـوي واالقـــتـ­ــصـــادي والــحــقـ­ـوقــي بالنسبة لـكـل من اإلثــنــي­ــات واألعـــــ­ـراق والــشــعـ­ـوب الــداخــل­ــة في إمبراطوريت­ها الواسعة. ويأمل دوغن في أن تشكل «األوراسية رؤية عـــاملـــ­يـــة وفــلــســ­فــة ومـــشـــر­وعـــا جــيــوســ­يــاســيــ­ا ونــظــريـ­ـة اقــتــصــ­اديــة وحـــركـــ­ة روحـــيـــ­ة ونــــواة يــمــكــن­ــهــا تـــوحـــي­ـــد طـــيـــف واســـــــ­ع مــــن الـــقـــو­ى السياسية حولها»، وأن تشكل اإلمبراطور­ية األوراسية بقيادة روسيا إمبراطورية قارية عظمى، كـونـه يعتقد أن «معركة الـــروس من أجل السيادة على العالم لم تنته بعد»، وأن طريق تحقيق ذلك يكمن في خطوات تتجسد فـي تجميع قــوى اإلمـبـراط­ـوريـة ومكوناتها، والــعــود­ة إلــى الـديـن والـقـومـي­ـة، وفـتـح اآلفــاق الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة لـــلـــقـ­ــدرة الـــعـــس­ـــكـــريـ­ــة الـــروســ­ـيـــة، وكذلك فتح اآلفـاق االقتصادية ملختلف قوى اإلمـــبــ­ـراطـــوري­ـــة الـــروســ­ـيـــة. وتــحــتــ­ل الــديــان­ــة املسيحية في نسخته األرثوذكسي­ة الروسية ركـنـا ثـابـتـا وأســاســي­ــا مــن أركــــان األوراســـ­يـــة، ثم تتبعها الديانات األخـرى التي تؤمن بها الشعوب األوراسية، والتي لم تتمكن العوملة ما بعد الحداثية من إنهائها. وتنهض األوراســي­ــة على مركبن أساسين، جــــيــــ­وســــيـــ­ـاســــي، وســـــيــ­ـــاســـــ­ي إيــــديــ­ــولــــوج­ــــي وفـلـسـفـي، حـيـث يـنـهـض األول عـلـى مثنوية الــبــر والــبــحـ­ـر، الــتــي تـعـتـبـر أوراســـيـ­ــا منطقة مــمــتــد­ة بـــن أوروبـــــ­ـا وآســـيـــ­ا، تـحـتـضـن أربـــع حــــــــض­ــــــــار­ات، هــــــي الــــــرو­ســــــيــ­ــــة، والـــصـــ­يـــنـــيـ­ــة، والــهــنـ­ـديــة، واإليـــرا­نـــيـــة، وتـمـثـل «الــحــضــ­ارات األرضية»، واألدق حضارات اليابسة أو البر، وهـــي فــي حـالـة صـــراع دائـــم مــع «الــحــضــ­ارات البحرية أو األطلسية»، أو باألحرى حضارات الـبـحـر، والــتــي كـانـت تتزعمها قديما كــل من بــريــطــ­انــيــا وفـــرنـــ­ســـا. وفــــي عــصــرنــ­ا الـــراهــ­ـن، تقودها الــواليــ­ات املـتـحـدة. كما أن املرتكزات واملـــبــ­ـادئ األســاســ­يــة لــألوراسـ­ـيــة تــتــحــد­د في االستراتيج­ية الجيوسياسي­ة، التي تتكامل فـــيـــهـ­ــا الـــســـي­ـــاســـات اســـتـــر­اتـــيـــج­ـــيـــا بـمـخـتـلـ­ف أنواعها لكل بلدان أوراسيا بفضائها الصغير واألكـــــ­ثـــــر اتــــســـ­ـاعــــا، فــيــمــا تــمــثــل الـــروحــ­ـانـــيـــ­ة املـــســـ­يـــحـــيـ­ــة األرثـــــ­ـوذكــــــ­ســــــيــ­ــــة والـــــرو­حـــــانــ­ـــيـــــة اإلســـــا­مـــــيـــ­ــة األســــلـ­ـــحــــة الــــفـــ­ـكــــريــ­ــة الـــثـــق­ـــافـــيـ­ــة لــألوراسـ­ـيــة الـتـي تمانع بواسطتها ممانعة للثقافة الغربية. وتنهض الفكرة األساسية فــي الــحــضــ­ارات األرضــيــ­ة عـلـى فلسفة تفسر الناس وحياتهم وثقافتهم من خـال األرض التي يسكنونها. ولذلك تفترض أن الشعوب الـــقـــا­طـــنـــة لـــهـــا تــتــمــس­ــك دومــــــا بـــمـــا هــــو قــديــم وتــراثــي وروحــانــ­ي، وتـتـسـم بأنها حـضـارات شمولية، وتمتلك عـادات محافظة وتقليدية، ولـــــذلـ­ــــك تـــــقـــ­ــاوم بــــــضــ­ــــراوة قـــيـــم الــــحـــ­ـضــــارات الـبـحـريـ­ة األطـلـسـي­ـة، الــتــي تـمـيـل إلـــى التغير الدائم، وتدافع عن فكرة التقدم. إضافة إلى أن الـحـضـارا­ت األرضــيــ­ة تنافي قيم الحضارات الدنيوية، وتعادي أفكارها، وال سيما األفكار الليبرالية وأيديولوجي­ا الحداثة وقيم عصر األنــــــ­ــوار. أمــــا املــــركـ­ـــب الـــثـــا­نـــي، فـيـنـهـض على النظرية الرابعة، التي تقدم رؤية للعالم بديلة عن العوملة الغربية أحادية القطب، وتتأسس على رفــض فــرض الـنـمـوذج األطـلـسـي، وعلى عالم متعدد األقطاب، معتبرة أن هناك ثاث نظريات سياسية أثرت على العالم في العصر الحديث، الليبرالية والشيوعية والفاشية. وقد انتصرت الليبرالية (عقيدة الغرب) على الــفــاشـ­ـيــة فـــي الـــحـــر­ب الــعــامل­ــيــة الــثــانـ­ـيــة الـتـي انتهت عـام ،1945 وانتصرت على الشيوعية مــع انــهــيــ­ار االتـــحــ­ـاد الـسـوفـيـ­يـتـي عـــام ،1991 لكنها تواجه أزمـة قاتلة في املرحلة الراهنة، وباتت محكومة باملوت املحتوم، ألنها تحاول تــحــريــ­ر نـفـسـهـا مـــن الـتـفـكـي­ـر الـعـقـلـي وقــيــود العقل التي ينظر إليها الليبراليو­ن أنفسهم بـوصـفـهـا «فــاشــيــ­ة فــي ذاتـــهـــ­ا». وبـاعـتـبـ­ار أن الـنـظـريـ­ات الــثــاث ميتة الــبــديـ­ـل، فـــإن البديل عـنـد ألـكـسـنـد­ر دوغـــن هــي الـنـظـريـ­ة الـرابـعـة، أي األوراســـ­ـيــــة الـــجـــد­يـــدة، الــتــي ال تــركــز على الــــفـــ­ـرد أو الــــعـــ­ـرق أو الـــقـــو­مـــيـــة، وإنــــمــ­ــا تـــركـــز عــلــى الـــوعـــ­ي الـــذاتــ­ـي لــإنــســ­ان الــــذي همشته التكنولوجي­ا والتقنيات. وباعتبار أن الوعي الذاتي اإلنساني يختلف من فرد إلى فرد آخر، ومـن ثقافة إلـى ثقافة أخــرى، ال بـد وأن يكون العالم متعدد األقطاب بدال من القطب الواحد، األمـر الـذي يطرح ضــرورة إيجاد البديل عبر صـــيـــاغ­ـــة نـــظـــري­ـــة ســيــاســ­يــة تــصــيــر فــيــهــا كـل واحدة من الحضارات األساسية قائمة ضمن مجالها الجغرافي الخاص، حيث يشكل مجال روسيا مجموعة األقاليم الناطقة بالسافية والـديـانـ­ة األرثـوذكـ­سـيـة، ويمتد جنوبا حتى يصل إلى مناطق القوقاز وحتى تركيا، فيما يتشكل مجال الحضارتن الصينية والهندية كــل مــســاحــ­ات آســيــا الــوســطـ­ـى والــغــرب­ــيــة، في حـن أن مجال الـحـضـارة اإليـرانـي­ـة يمتد إلى املناطق اإلسامية والشرق األوسط. وتتشكل الــحــضــ­ارة األوراســـ­يـــة مــن كـيــان قــــاري واحـــد، يضم الروس والساف والرومان واليونانين والـصـيـنـ­يـن والــهــنـ­ـود واملــســل­ــمــن. ويـتـشـكـل الـــتـــح­ـــالـــف املــــشــ­ــرقــــي الـــكـــب­ـــيـــر بـــــن الـــشـــع­ـــوب السافية بقيادة روسيا والشعوب الطورانية بقياده كازاخستان وتركيا مـن أجـل تصفيه النفوذ الغربي اإلمبريالي، وتطهير شعوب الـــشـــر­ق مــنــه. وتــلــجــ­أ الـــرؤيــ­ـة األوراســـ­ـيــــة إلــى تقسيم الـعـالـم إلــى أربـــع مـسـاحـات أو أحزمة جغرافية عمودية أو مناطق خـط الـطـول من الـشـمـال إلــى الـجـنـوب، حيث تشكل الـقـارتـا­ن األميركيتا­ن مساحة مشتركة واحدة موجهة نحو الــواليــ­ات املـتـحـدة، وتسيطر عليها في إطــار مبدأ مـونـرو، وهــذه منطقة خـط الطول األطـلـسـي. وتشمل املـسـاحـة الثانية االتـحـاد األوروبـــ­ـــــي والـــفـــ­ضـــاء الـــعـــر­بـــي الــكــبــ­يــر، الـــذي يدمج شمال أفريقيا وعبر الصحراء الكبرى والــشــرق األوســــط، منطقة أوروبــــا وأفـريـقـي­ـا، ويقع مركزها في االتحاد األوروبـي، وتتكون املـنـطـقـ­ة الــثــالـ­ـثــة، أو منطقة آســيــا الـوسـطـى، مـــن ثــــاث مــســاحــ­ات كــبــيــر­ة تــتــداخـ­ـل آحـيـانـا مع بعضها بعضا، األولــى تضم أوراسـيـا أو االتــحــا­د األوراســـ­ــي، والـثـانـي­ـة تشكل الفضاء الكبير لإسام القاري، وتضم كا من تركيا وإيـــــرا­ن وأفــغــان­ــســتــان وبــاكــسـ­ـتــان، وتتقاطع الــــدول اآلســيــو­يــة لـرابـطـة الــــدول املستقلة مع هذه املنطقة، والثالثة تضم فضاء هندوستان، وهــــي مـنـطـقـة حـــضـــار­يـــة مـكـتـفـيـ­ة ذاتــــيــ­ــا. أمــا املـــســـ­احـــة الــــرابـ­ـــعــــة فــتــشــم­ــل مــنــطــق­ــة املــحــيـ­ـط الهادئ، وتضم الصن واليابان وإندونيسيا ومــالــيـ­ـزيــا والـفـيـلـ­يـبـن وأســـتـــ­رالـــيـــ­ا. ويــجــري إنشاء مناطق تنموية داخل هذه األحزمة، إلى جانب اعتمادها التنظيم الجديد، وبما يجعل الحروب والنزاعات أقل احتماال في العالم.

تستند األوراسية الجديدة إلى التحليل البنيوي، وتستخدم الحضارة موضوعًا لها، والبنيوية أداتها في التحليل

نزعات التصعب والصراع

تحتل الديانة المسيحية في نسختها األرثوذكسي­ة الروسية ركنًا ثابتًا وأساسيًا من أركان األوراسية

يظهر من خال أطروحات دوغن تبنيه نزعة واهية من التعصب اإليديولوج­ي والقومي واإلثـــنـ­ــي، مــن خـــال تبنيه أفــكــارا قـديـمـة عن الصراع والتميز والتفوق األخاقي الطهراني والــــــر­وحــــــي والــــثــ­ــقــــافـ­ـــي لـــلـــكـ­ــيـــان األوراســـ­ــــــي وحــــضـــ­ـارتــــه، وخـــصـــو­صـــا روســــيــ­ــا، مــقــارنـ­ـة بـالـغـرب املــــادي والــحــدا­ثــة ومـــا بـعـد الـحـداثـة والـــعـــ­وملـــة، وتــكــمــ­ن فـــي خــلــفــي­ــة هــــذه الــنــزعـ­ـة فـــي الــتــفــ­وق تــوظــيــ­فــات طــهــرانـ­ـيــة مسيحية، تجسدها أرثوذكسية شرقية روسية، تدعي الـتـفـوق األخــاقــ­ي الــروحــي للعرق السافي، وتـزعـم امـتـاك الحقيقة واملـعـرفـ­ة الاهوتية الـصـحـيـح­ـة. ويـعـتـبـر دوغـــن أن الـــصـــر­اع مع الــــغـــ­ـرب األطـــلــ­ـســـي لـــيـــس ســـيـــاس­ـــيـــا، بــــل هـو «صـراع روحي ووجـودي من أجل الدفاع عن روح روســــيــ­ــا»، ويــتــجــ­لــى فـــي صــــورة صـــراع حــضــاري مـحـتـدم بــن حـضـارتـن تحمل كل مـنـهـمـا مــفــاهــ­يــم ومــنــظــ­ومــات قــيــم ومـــبـــا­دئ مــخــتــل­ــفــة. ويــجــتــ­مــع فـــي أطــــروحـ­ـــة الـنـظـريـ­ة الــــرابـ­ـــعــــة مـــزيـــج مــــن أفــــكـــ­ـار تـــعـــصـ­ــب فــاشــيــ­ة واشتراكية وطوباوية، تنهض على مسوغات رد فـعـل عـلـى انــهــيــ­ار االتـــحــ­ـاد الـسـوفـيـ­يـتـي، واعتقاد أن األوراسـيـ­ة ستنتصر حتما على الليبرالية وتنهي القطبية األميركية، وتشغل الفراغ التاريخي بعدها. وتعتبر األوراسية الجديدة أن الشيوعية والقومية والليبرالي­ة مــــجــــ­رد إيــــديــ­ــولــــوج­ــــيــــا­ت غـــربـــي­ـــة وأطــلــسـ­ـيــة املصدر، وتمثل جميعا تمظهرات للحضارة الغربية ونزعتها االسـتـعـم­ـاريـة، الـتـي تريد فـــرض نـمـوذجـهـ­ا بـالـقـوة عـلـى الــشــعــ­وب، مع أنها نتاج املنطق األوروبي الغربي في نظرته إلــــى اإلنـــســ­ـان والـــكـــ­ون واملــجــت­ــمــع والــتــار­يــخ الــحــضــ­ارة، الــقــائـ­ـم عـلـى نــزعــة الـتـمـركـ­ز على الـــــذات األوروبـــ­ـيــــة، بـوصـفـهـا أعــلــى تجليات الــعــقــ­ل الــتــاري­ــخــي والـــحـــ­ضـــاري. فـــي املــقــاب­ــل، يــقــدم دوغـــن األوراســـ­يـــة الــجــديـ­ـدة بوصفها نظرية متسامحة ومنفتحة على كل الشعوب الــســافـ­ـيــة والـــطـــ­ورانـــيــ­ـة الــقــاطـ­ـنــة فـــي املــجــال األوراســـ­ــــي الــصــغــ­يــر، ومـنـفـتـح­ـة أيـــضـــا على الــشــعــ­وب الـهـنـدوس­ـيـة والـصـيـنـ­يـة واملسلمة القاطنة في املجال األوراســـ­ي الكبير، وترفع شــعــارهـ­ـا املـــركــ­ـزي املـتـمـثـ­ل فـــي الـــخـــا­ص من الغرب، وطــرده من املجال األوراســـ­ي، وإنهاء الهيمنة األميركية واألطلسية على العالم.

يعتبر دوغين أن الصراع مع الغرب األطلسي ليس سياسيًا، بل هو «صراع روحي ووجودي من أجل الدفاع عن روح روسيا»

 ?? ?? المفكر الروسي ألكسندر دوغين يحضر مراسم تشييع ابنته في موسكو في ‪2022/ 8/ 23‬ (فرانس برس)
المفكر الروسي ألكسندر دوغين يحضر مراسم تشييع ابنته في موسكو في ‪2022/ 8/ 23‬ (فرانس برس)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar