األوراسية طريقًا للخالص من الغرب
ال يخفي المفكر ألكسندر دوغين، أّن طريق الخالص الذي يبتغيه في مفهوم األوراسية يخّص به روسيا أوًال، التي يحّض على تحولهــا إلــى إمبراطورية تحــت قيادة بوتين، كي تقــود الدول التي تنتمي إلى فضائها، لتتحول األوراســية إلى نزعة روســية ّّ مركزية، وأقرب إلى قاعدة أيديولوجية. هنا مطالعة حول مصطلح األوراسية والدالالت المتعلقة به
ال يــكــل املـفـكـر الـــروســـي، ألكسندر دوغـــــــــــن، مــــــن طــــــــرح األوراســــــــيــــــــة، فـــي مـعـظـم أطـــروحـــاتـــه ومــؤلــفــاتــه الـــســـيـــاســـيـــة، بــوصــفــهــا طـــريـــق الــــخــــاص من الغرب، ومن الهيمنة الغربية، ممثلة بهيمنة الـواليـات املتحدة، ومـن سطوة تأثيرها على روســــيــــا وســــائــــر الـــــــــدول، حـــيـــث طـــرحـــهـــا فـي كتابه «أسس الجيوبولتيكا: مستقبل روسيا الـجـيـوبـولـتـيـكـي» (تــرجــمــة عــمــاد حـــاتـــم، دار الكتاب الجديد املتحدة، بيروت، ،)2004 وكذلك فعل في كتابه «الجغرافيا السياسية ملا بعد الــحــداثــة - عـصـر اإلمــبــراطــوريــات الــجــديــدة - الــخــطــوط الــعــامــة لـلـجـغـرافـيـا الـسـيـاسـيـة في الـقـرن الــحــادي والـعـشـريـن» (تـرجـمـة إبراهيم استنبولي، املـركـز العربي لألبحاث ودراســـة السياسات، بـيـروت، الـدوحـة، .)2022 ويتكرر األمــــر نفسه فــي كـتـابـه «الـــخـــاص مــن الـغـرب – األوراســــيــــة - الـــحـــضـــارات األرضـــيـــة مـقـابـل الحضارات البحرية واألطلسية» (ترجمة علي بدر، دار ألكا للنشر والترجمة، بغداد، .)2021
األوراسية الكالسيكية
تـــنـــدرج األوراســـــيـــــة، حــســب تـــصـــور مـفـكـريـن وكتاب روس عديدين، تحت مسمى النظرية السياسية الرابعة التي تأتي بعد النظريات الثاث، الليبرالية (يمن ويسار) والشيوعية (بــمــا فـــي ذلــــك املــاركــســيــة واالشـــتـــراكـــيـــة إلــى جـانـب االشـتـراكـيـة الديمقراطية) والفاشية (بــمــا فـــي ذلـــك االشــتــراكــيــة الــقــومــيــة وأنــــواع أخرى من الطريق الثالث). وتعود جذورها إلـى األوراسـيـة الكاسيكية التي ظهرت مع نهايات القرن التاسع عشر، وتـطـورت في كتابات نيكوالي روبتسكوي، ومــــــن بــــعــــده املـــــــــــؤرخ جــــــــورج فـــيـــرنـــادســـكـــي وعــالــم اإلثـنـولـوجـيـا لـيـف غوملييف ويـوتـر ســـافـــيـــتـــســـكـــي وســــــواهــــــم. وهــــــي تــــقــــوم عـلـى مـــنـــهـــج الـــتـــحـــلـــيـــل الــــجــــغــــرافــــي الـــســـيـــاســـي (الــــجــــيــــوســــيــــاســــي) لــــلــــتــــاريــــخ، الـــــــذي يـــربـــط األحداث باملصير املشترك واملصالح املشتركة لــعــدة شــعــوب أو قـومـيـات تـقـع ضـمـن فضاء ثقافي حضاري واحـد، وتحددها الجغرافيا الـسـيـاسـيـة الــتــي تـضـم هـــذه الـشـعـوب وهــذه الـــثـــقـــافـــات املــــتــــقــــاربــــة. وكــــانــــت تـــمـــثـــل تـــيـــارًا ســـيـــاســـيـــا اجـــتـــمـــاعـــيـــا، يــــدافــــع عــــن الــثــقــافــة الــروســيــة بـاعـتـبـارهـا ظــاهــرة غـيـر أوروبــيــة، ومشكلة مع مزيج من الصفات والخصائص الشرقية والـغـربـيـة، الـتـي ال يمكن اختزالها إلــى الــشــرق أو الــغــرب، فـالـحـضـارة الروسية تـشـكــلــت مـــن مــكــونــات (وتــــجــــارب) الـشـعـوب األوروبــــيــــة واآلســـيـــويـــة مــعــا، وتــحــتــل مــركــزًا وسطا بينهم وبن حضارات العالم.
وإذا كــــان مــفــهــوم األوراســــيــــة لــيــس جــديــدًا فــي الـفـكـر الـجـيـوسـيـاسـي، وطــرحــه مـفـكـرون روس وأوروبـــــيـــــون عــــديــــدون وســــواهــــم، إال أنــه بــدأ يـتـردد كثيرًا، فـي السنوات والعقود القليلة املاضية، لـدى مفكرين وكـتـاب روس عديدين، وتطور إلى أوراسية جديدة معادية لـلـغـرب ولــلــحــضــارة األوروبــــيــــة بـعـد سـقـوط االتــحــاد السوفييتي، مـن خــال إعـــادة ربطه بوضع روسيا الجغرافي وتكوينها الثقافي والــحــضــاري، مـن جهة أنـهـا ليست غـربـا وال تنتمي إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه، ليست شرقا وال تنتمي إلى آسيا، واملحاججة أنها تشكل واقعا جغرافيا وإثنيا وثقافيا مميزًا، يربط بن الشرق والغرب، وعليها أن تصلح إمـــبـــراطـــوريـــة مــتــرامــيــة األطــــــــراف، كـــي تـقـوم بــدورهــا وتـحـمـل رسـالـتـهـا إلـــى الــعــالــم، عبر املجال أو باألحرى املـدى الروسي. ومن أجل هذا الهدف، ال بد من إنشاء االتحاد األوراسي، الـــــــــذي ســـيـــعـــمـــل عــــلــــى تـــصـــحـــيـــح األخـــــطـــــاء التاريخية وإعــــادة األلـــق إلــى اإلمـبـراطـوريـة الروسية الناجحة التي كانت موجودة قبل تشكل االتحاد السوفييتي. وال يـخـفـي دوغــــن أن طــريــق الــخــاص الــذي يبتغيه في األوراسية يخص به روسيا أوال، الـتـي يـحـض على تحولها إلــى إمـبـراطـوريـة تحت قيادة فاديمير بوتن، كي تقود الدول التي تنتمي إلى فضائها، لتتحول األوراسية إلى نزعة روسية تمركزية، وأقرب إلى قاعدة إيــديــولــوجــيــة لـلـسـلـطـة الـــروســـيـــة الــجــديــدة. وألجل ذلك، يسعى جاهدًا إلى توظيف أفكار صـراع الحضارات ومقوالته، وإبــراز ميادين املـــواجـــهـــة بـــن حــــضــــارات الــيــابــســة أو الــبــر وحضارات البحر أو «الحضارات األطلسية»، وذلك كي يجترح مفهومه الخاص ألوراسية جــديــدة، ويـضـمـنـه أطــروحــات جيوسياسية وفلسفية معادية لليبرالية تماما، ومناهضة لـــلـــنـــظـــم الـــغـــربـــيـــة ولـــلـــعـــوملـــة ولـــلـــحـــضـــارات األطــلــســيــة، إلــــى جــانــب عــــرض تـنـاقـضـاتـهـا، واستشراف انهيارها الوشيك، وبما يجعل انــتــصــار األوراســـيـــة عـلـى األطـلـسـيـة حتمية تاريخية، على الرغم من أنـه يقدمها فلسفة ال تدعي عامليتها، وال قطبيتها الوحيدة، وال تـفـرض نفسها عـلـى الــحــضــارات والـثـقـافـات األخــرى، مثلما فعلت الليبرالية طـوال القرن العشرين، وال تزال تفعله.
األوراسية الجديدة
تـسـتـنـد األوراســــيــــة الـــجـــديـــدة إلــــى الـتـحـلـيـل الــبــنــيــوي، وتــســتــخــدم الـــحـــضـــارة مـوضـوعـا لها، والبنيوية أداتـهـا فـي التحليل، على أن تنظر إلى الحضارة بوصفها بنية كلية أكبر من مجموع أجزائها، حيث يقدم األوراسيون نـظـريـتـهـم الــســيــاســيــة الــقــائــمــة عــلــى أســـاس تعدد الحضارات ومعاداة الحداثة الغربية، وامتاك روسيا بنية خاصة بها، وتميزها عن غيرها مجموعة قيم ومعتقدات يجب الدفاع عـنـهـا وحـمـايـتـهـا مــع غـــزو الــغــرب وحـداثـتـه الـلـيـبـرالـيـة. وعـلـيـه، يــطــرح دوغـــن مجموعة مــن املـنـطـلـقـات مــن أجـــل قــيــام اإلمــبــراطــوريــة الـــروســـيـــة، تـتـمـحـور حـــول عـقـدهـا تـحـالـفـات تسمح لها بمد حدودها البحرية حتى أطول مدى ممكن، وأن تبتعد عن املادية واإللحاد، وتـولـي الـجـانـب الــروحــي األهـمـيـة القصوى، إلى جانب اعتمادها منهجا مرنا في تسيير اقتصادها، بعيدًا عن الخصخصة والرسملة، إضافة إلى سيرها في اتجاه تعتمد فيه على مــبــدأ االســـتـــقـــال الـــذاتـــي الــثــقــافــي والــلــغــوي واالقـــتـــصـــادي والــحــقــوقــي بالنسبة لـكـل من اإلثــنــيــات واألعــــــراق والــشــعــوب الــداخــلــة في إمبراطوريتها الواسعة. ويأمل دوغن في أن تشكل «األوراسية رؤية عـــاملـــيـــة وفــلــســفــة ومـــشـــروعـــا جــيــوســيــاســيــا ونــظــريــة اقــتــصــاديــة وحـــركـــة روحـــيـــة ونــــواة يــمــكــنــهــا تـــوحـــيـــد طـــيـــف واســـــــع مــــن الـــقـــوى السياسية حولها»، وأن تشكل اإلمبراطورية األوراسية بقيادة روسيا إمبراطورية قارية عظمى، كـونـه يعتقد أن «معركة الـــروس من أجل السيادة على العالم لم تنته بعد»، وأن طريق تحقيق ذلك يكمن في خطوات تتجسد فـي تجميع قــوى اإلمـبـراطـوريـة ومكوناتها، والــعــودة إلــى الـديـن والـقـومـيـة، وفـتـح اآلفــاق الـــســـيـــاســـيـــة لـــلـــقـــدرة الـــعـــســـكـــريـــة الـــروســـيـــة، وكذلك فتح اآلفـاق االقتصادية ملختلف قوى اإلمـــبـــراطـــوريـــة الـــروســـيـــة. وتــحــتــل الــديــانــة املسيحية في نسخته األرثوذكسية الروسية ركـنـا ثـابـتـا وأســاســيــا مــن أركــــان األوراســـيـــة، ثم تتبعها الديانات األخـرى التي تؤمن بها الشعوب األوراسية، والتي لم تتمكن العوملة ما بعد الحداثية من إنهائها. وتنهض األوراســيــة على مركبن أساسين، جــــيــــوســــيــــاســــي، وســـــيـــــاســـــي إيــــديــــولــــوجــــي وفـلـسـفـي، حـيـث يـنـهـض األول عـلـى مثنوية الــبــر والــبــحــر، الــتــي تـعـتـبـر أوراســـيـــا منطقة مــمــتــدة بـــن أوروبــــــا وآســـيـــا، تـحـتـضـن أربـــع حــــــــضــــــــارات، هــــــي الــــــروســــــيــــــة، والـــصـــيـــنـــيـــة، والــهــنــديــة، واإليـــرانـــيـــة، وتـمـثـل «الــحــضــارات األرضية»، واألدق حضارات اليابسة أو البر، وهـــي فــي حـالـة صـــراع دائـــم مــع «الــحــضــارات البحرية أو األطلسية»، أو باألحرى حضارات الـبـحـر، والــتــي كـانـت تتزعمها قديما كــل من بــريــطــانــيــا وفـــرنـــســـا. وفــــي عــصــرنــا الـــراهـــن، تقودها الــواليــات املـتـحـدة. كما أن املرتكزات واملـــبـــادئ األســاســيــة لــألوراســيــة تــتــحــدد في االستراتيجية الجيوسياسية، التي تتكامل فـــيـــهـــا الـــســـيـــاســـات اســـتـــراتـــيـــجـــيـــا بـمـخـتـلـف أنواعها لكل بلدان أوراسيا بفضائها الصغير واألكـــــثـــــر اتــــســــاعــــا، فــيــمــا تــمــثــل الـــروحـــانـــيـــة املـــســـيـــحـــيـــة األرثــــــوذكــــــســــــيــــــة والـــــروحـــــانـــــيـــــة اإلســـــامـــــيـــــة األســــلــــحــــة الــــفــــكــــريــــة الـــثـــقـــافـــيـــة لــألوراســيــة الـتـي تمانع بواسطتها ممانعة للثقافة الغربية. وتنهض الفكرة األساسية فــي الــحــضــارات األرضــيــة عـلـى فلسفة تفسر الناس وحياتهم وثقافتهم من خـال األرض التي يسكنونها. ولذلك تفترض أن الشعوب الـــقـــاطـــنـــة لـــهـــا تــتــمــســك دومــــــا بـــمـــا هــــو قــديــم وتــراثــي وروحــانــي، وتـتـسـم بأنها حـضـارات شمولية، وتمتلك عـادات محافظة وتقليدية، ولـــــذلـــــك تـــــقـــــاوم بــــــضــــــراوة قـــيـــم الــــحــــضــــارات الـبـحـريـة األطـلـسـيـة، الــتــي تـمـيـل إلـــى التغير الدائم، وتدافع عن فكرة التقدم. إضافة إلى أن الـحـضـارات األرضــيــة تنافي قيم الحضارات الدنيوية، وتعادي أفكارها، وال سيما األفكار الليبرالية وأيديولوجيا الحداثة وقيم عصر األنــــــــوار. أمــــا املــــركــــب الـــثـــانـــي، فـيـنـهـض على النظرية الرابعة، التي تقدم رؤية للعالم بديلة عن العوملة الغربية أحادية القطب، وتتأسس على رفــض فــرض الـنـمـوذج األطـلـسـي، وعلى عالم متعدد األقطاب، معتبرة أن هناك ثاث نظريات سياسية أثرت على العالم في العصر الحديث، الليبرالية والشيوعية والفاشية. وقد انتصرت الليبرالية (عقيدة الغرب) على الــفــاشــيــة فـــي الـــحـــرب الــعــاملــيــة الــثــانــيــة الـتـي انتهت عـام ،1945 وانتصرت على الشيوعية مــع انــهــيــار االتـــحـــاد الـسـوفـيـيـتـي عـــام ،1991 لكنها تواجه أزمـة قاتلة في املرحلة الراهنة، وباتت محكومة باملوت املحتوم، ألنها تحاول تــحــريــر نـفـسـهـا مـــن الـتـفـكـيـر الـعـقـلـي وقــيــود العقل التي ينظر إليها الليبراليون أنفسهم بـوصـفـهـا «فــاشــيــة فــي ذاتـــهـــا». وبـاعـتـبـار أن الـنـظـريـات الــثــاث ميتة الــبــديــل، فـــإن البديل عـنـد ألـكـسـنـدر دوغـــن هــي الـنـظـريـة الـرابـعـة، أي األوراســــيــــة الـــجـــديـــدة، الــتــي ال تــركــز على الــــفــــرد أو الــــعــــرق أو الـــقـــومـــيـــة، وإنــــمــــا تـــركـــز عــلــى الـــوعـــي الـــذاتـــي لــإنــســان الــــذي همشته التكنولوجيا والتقنيات. وباعتبار أن الوعي الذاتي اإلنساني يختلف من فرد إلى فرد آخر، ومـن ثقافة إلـى ثقافة أخــرى، ال بـد وأن يكون العالم متعدد األقطاب بدال من القطب الواحد، األمـر الـذي يطرح ضــرورة إيجاد البديل عبر صـــيـــاغـــة نـــظـــريـــة ســيــاســيــة تــصــيــر فــيــهــا كـل واحدة من الحضارات األساسية قائمة ضمن مجالها الجغرافي الخاص، حيث يشكل مجال روسيا مجموعة األقاليم الناطقة بالسافية والـديـانـة األرثـوذكـسـيـة، ويمتد جنوبا حتى يصل إلى مناطق القوقاز وحتى تركيا، فيما يتشكل مجال الحضارتن الصينية والهندية كــل مــســاحــات آســيــا الــوســطــى والــغــربــيــة، في حـن أن مجال الـحـضـارة اإليـرانـيـة يمتد إلى املناطق اإلسامية والشرق األوسط. وتتشكل الــحــضــارة األوراســـيـــة مــن كـيــان قــــاري واحـــد، يضم الروس والساف والرومان واليونانين والـصـيـنـيـن والــهــنــود واملــســلــمــن. ويـتـشـكـل الـــتـــحـــالـــف املــــشــــرقــــي الـــكـــبـــيـــر بـــــن الـــشـــعـــوب السافية بقيادة روسيا والشعوب الطورانية بقياده كازاخستان وتركيا مـن أجـل تصفيه النفوذ الغربي اإلمبريالي، وتطهير شعوب الـــشـــرق مــنــه. وتــلــجــأ الـــرؤيـــة األوراســــيــــة إلــى تقسيم الـعـالـم إلــى أربـــع مـسـاحـات أو أحزمة جغرافية عمودية أو مناطق خـط الـطـول من الـشـمـال إلــى الـجـنـوب، حيث تشكل الـقـارتـان األميركيتان مساحة مشتركة واحدة موجهة نحو الــواليــات املـتـحـدة، وتسيطر عليها في إطــار مبدأ مـونـرو، وهــذه منطقة خـط الطول األطـلـسـي. وتشمل املـسـاحـة الثانية االتـحـاد األوروبــــــــي والـــفـــضـــاء الـــعـــربـــي الــكــبــيــر، الـــذي يدمج شمال أفريقيا وعبر الصحراء الكبرى والــشــرق األوســــط، منطقة أوروبــــا وأفـريـقـيـا، ويقع مركزها في االتحاد األوروبـي، وتتكون املـنـطـقـة الــثــالــثــة، أو منطقة آســيــا الـوسـطـى، مـــن ثــــاث مــســاحــات كــبــيــرة تــتــداخــل آحـيـانـا مع بعضها بعضا، األولــى تضم أوراسـيـا أو االتــحــاد األوراســـــي، والـثـانـيـة تشكل الفضاء الكبير لإسام القاري، وتضم كا من تركيا وإيـــــران وأفــغــانــســتــان وبــاكــســتــان، وتتقاطع الــــدول اآلســيــويــة لـرابـطـة الــــدول املستقلة مع هذه املنطقة، والثالثة تضم فضاء هندوستان، وهــــي مـنـطـقـة حـــضـــاريـــة مـكـتـفـيـة ذاتــــيــــا. أمــا املـــســـاحـــة الــــرابــــعــــة فــتــشــمــل مــنــطــقــة املــحــيــط الهادئ، وتضم الصن واليابان وإندونيسيا ومــالــيــزيــا والـفـيـلـيـبـن وأســـتـــرالـــيـــا. ويــجــري إنشاء مناطق تنموية داخل هذه األحزمة، إلى جانب اعتمادها التنظيم الجديد، وبما يجعل الحروب والنزاعات أقل احتماال في العالم.
تستند األوراسية الجديدة إلى التحليل البنيوي، وتستخدم الحضارة موضوعًا لها، والبنيوية أداتها في التحليل
نزعات التصعب والصراع
تحتل الديانة المسيحية في نسختها األرثوذكسية الروسية ركنًا ثابتًا وأساسيًا من أركان األوراسية
يظهر من خال أطروحات دوغن تبنيه نزعة واهية من التعصب اإليديولوجي والقومي واإلثـــنـــي، مــن خـــال تبنيه أفــكــارا قـديـمـة عن الصراع والتميز والتفوق األخاقي الطهراني والــــــروحــــــي والــــثــــقــــافــــي لـــلـــكـــيـــان األوراســـــــــي وحــــضــــارتــــه، وخـــصـــوصـــا روســــيــــا، مــقــارنــة بـالـغـرب املــــادي والــحــداثــة ومـــا بـعـد الـحـداثـة والـــعـــوملـــة، وتــكــمــن فـــي خــلــفــيــة هــــذه الــنــزعــة فـــي الــتــفــوق تــوظــيــفــات طــهــرانــيــة مسيحية، تجسدها أرثوذكسية شرقية روسية، تدعي الـتـفـوق األخــاقــي الــروحــي للعرق السافي، وتـزعـم امـتـاك الحقيقة واملـعـرفـة الاهوتية الـصـحـيـحـة. ويـعـتـبـر دوغـــن أن الـــصـــراع مع الــــغــــرب األطـــلـــســـي لـــيـــس ســـيـــاســـيـــا، بــــل هـو «صـراع روحي ووجـودي من أجل الدفاع عن روح روســــيــــا»، ويــتــجــلــى فـــي صــــورة صـــراع حــضــاري مـحـتـدم بــن حـضـارتـن تحمل كل مـنـهـمـا مــفــاهــيــم ومــنــظــومــات قــيــم ومـــبـــادئ مــخــتــلــفــة. ويــجــتــمــع فـــي أطــــروحــــة الـنـظـريـة الــــرابــــعــــة مـــزيـــج مــــن أفــــكــــار تـــعـــصـــب فــاشــيــة واشتراكية وطوباوية، تنهض على مسوغات رد فـعـل عـلـى انــهــيــار االتـــحـــاد الـسـوفـيـيـتـي، واعتقاد أن األوراسـيـة ستنتصر حتما على الليبرالية وتنهي القطبية األميركية، وتشغل الفراغ التاريخي بعدها. وتعتبر األوراسية الجديدة أن الشيوعية والقومية والليبرالية مــــجــــرد إيــــديــــولــــوجــــيــــات غـــربـــيـــة وأطــلــســيــة املصدر، وتمثل جميعا تمظهرات للحضارة الغربية ونزعتها االسـتـعـمـاريـة، الـتـي تريد فـــرض نـمـوذجـهـا بـالـقـوة عـلـى الــشــعــوب، مع أنها نتاج املنطق األوروبي الغربي في نظرته إلــــى اإلنـــســـان والـــكـــون واملــجــتــمــع والــتــاريــخ الــحــضــارة، الــقــائــم عـلـى نــزعــة الـتـمـركـز على الـــــذات األوروبــــيــــة، بـوصـفـهـا أعــلــى تجليات الــعــقــل الــتــاريــخــي والـــحـــضـــاري. فـــي املــقــابــل، يــقــدم دوغـــن األوراســـيـــة الــجــديــدة بوصفها نظرية متسامحة ومنفتحة على كل الشعوب الــســافــيــة والـــطـــورانـــيـــة الــقــاطــنــة فـــي املــجــال األوراســـــــي الــصــغــيــر، ومـنـفـتـحـة أيـــضـــا على الــشــعــوب الـهـنـدوسـيـة والـصـيـنـيـة واملسلمة القاطنة في املجال األوراســـي الكبير، وترفع شــعــارهــا املـــركـــزي املـتـمـثـل فـــي الـــخـــاص من الغرب، وطــرده من املجال األوراســـي، وإنهاء الهيمنة األميركية واألطلسية على العالم.
يعتبر دوغين أن الصراع مع الغرب األطلسي ليس سياسيًا، بل هو «صراع روحي ووجودي من أجل الدفاع عن روح روسيا»