قرار البرلمان األوروبي والمغرب: توّجس من أصابع فرنسا
وجه البرلمان المغربي بشكل غير مباشر أصابع االتهام إلى فرنسا بالوقوف وراء االنتقاد الحقوقي األوروبي للمغرب، علمًا أن العالقات بين باريس والرباط متراجعة
تــبــدو الــعــالقــات الـدبـلـومـاسـيـة بــن الــربــاط وبـــاريـــس عــلــى املـــحـــك، بــعــدمــا حــمــل الـبـيـان املـــشـــتـــرك الــــــذي أصـــــــدره الــــبــــرملــــان املــغــربــي بغرفتيه (مجلسي الــنــواب واملستشارين)، اإلثنن املاضي، إشــارات إلى وقـوف باريس وراء مــــا اعـــتـــبـــرتـــه املـــؤســـســـة الــتــشــريــعــيــة املـغـربـيـة «اســتــهــدافــًا» و«ابـــتـــزازًا» للمملكة. وجـاء البيان في ختام جلسة مشتركة للرد على املواقف األخيرة للبرملان األوروبي بشأن حــريــة التعبير وحــريــة اإلعــــالم فــي اململكة. وشدد البيان على «خيبة األمل إزاء املوقف السلبي والدور غير البناء الذي لعبته، خالل املناقشات في البرملان األوروبي واملشاورات بـشـأن مــشــروع الـتـوصـيـة املـعـاديـة لـبـالدنـا، بعض املجموعات السياسية املنتمية لبلد يــعــتــبــر شـــريـــكـــًا تـــاريـــخـــيـــًا لـــلـــمـــغـــرب»، وفـــق البيان. وكـــــان الـــبـــرملـــان األوروبــــــــي تــبــنــى الـخـمـيـس املاضي قــرارًا يحث السلطات املغربية على احترام حرية التعبير وحرية اإلعالم وتوفير محاكمات عـادلـة للصحافين املسجونن، السيما عمر الـراضـي وسليمان الريسوني وتـوفـيـق بـوعـشـريـن، مــع املـطـالـبـة بــاإلفــراج الفوري عنهم. كما طالب القرار، الذي يعتبر أول قرار حقوقي صادر عن البرملان األوروبي حول املغرب منذ 25 عامًا، السلطات بوضع حد ملضايقة جميع الصحافين في البالد، وكــذا محاميهم وعائالتهم. كما دعـا الـدول األعضاء في االتحاد األوروبــي إلى التوقف عن تصدير تكنولوجيا املراقبة إلى املغرب، بما يتماشى مع الئحة االستخدام املـزدوج لالتحاد األوروبي. وفــي وقــت أبــدى فيه البرملان املغربي أسفه بـشـأن «املــواقــف واملــمــارســات الـتـي ال عالقة لها بالصدق واإلخالص اللذين تقتضيهما روح الـشـراكـة»، كــان مثيرًا لالنتباه توجيه أصــــابــــع االتـــــهـــــام بــــدرجــــة أولــــــى إلـــــى حـــزب الــــرئــــيــــس الـــفـــرنـــســـي إيــــمــــانــــويــــل مـــــاكـــــرون، (الــنــهــضــة الــجــمــهــوريــة إلــــى األمـــــام سـابـقـًا) بالوقوف وراء االنتقادات التي حملها قرار البرملان األوروبـي ضد املغرب، والـذي أدخل العالقات بن الرباط وبروكسل في نفق أزمة جديدة. وبــــرأي رئــيــس الـلـجـنـة الـبـرملـانـيـة املشتركة بــــن املــــغــــرب واالتـــــحـــــاد األوروبــــــــــي، الـــوزيـــر الــــــســــــابــــــق لـــــحـــــســـــن حــــــــــــــــداد، فـــــــــــإن مــــوقــــف الــلــيــبــرالــيــن الــفــرنــســيــن أعـــضـــاء الــبــرملــان األوروبي، خصوصًا رئيس حزب «التجديد األوروبـــــي»، الفرنسي ستيفان سيغورني، كـــــان مــفــاجــئــًا بـــكـــل املـــقـــايـــيـــس. وقــــــال حــــداد لـ«العربي الجديد»: «كنا نعتبر الفرنسين حلفاء لـنـا، خصوصًا املقربن مـن الرئاسة الفرنسية؛ فإذا بهم تنكروا للشراكة ولبسوا ثـــــــوب املـــــعـــــارضـــــن الــــشــــرســــن لـــلـــمـــغـــرب». وأضاف: «أظن أنهم فعلوا ما فعلوه بإيعاز من اللوبي الجزائري داخل النخبة الحاكمة في فرنسا». وأكـد أنـه «ال يؤمن باملؤامرات، لـكـن هـنـاك أيـــاد خفية لـقـوى تنتمي للدولة العميقة الفرنسية، خصوصًا الـجـزء منها الذي ال ينظر بعن الرضا إلنجازات املغرب على املستوى األمني والدبلوماسي، حركت الــخــيــوط لــالنــتــقــاص مـــن نــجــاحــات املــغــرب على مستوى البرملان األوروبي». وتـأتـي هــذه االتـهـامـات، فـي وقــت تتجه فيه األنظار إلى الزيارة املقبلة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلـى الـربـاط، املفترض أن
باريس ال تنظر بعين الرضى لتنويع المغرب شركائه االقتصاديين
تتم في الربع األول من العام الحالي، إلنهاء األزمـــة الصامتة الـتـي تخيم على العالقات بـــن الــبــلــديــن بـسـبـب الـــتـــأشـــيـــرات، ومــوقــف باريس من ملف الصحراء، ورهــان الرئيس الفرنسي على الجزائر. ولئن كانت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كــــاثــــريــــن كــــولــــونــــا إلــــــى الــــــربــــــاط، مـنـتـصـف ديسمبر/ كانون األول املاضي، قد ساعدت عـلـى إعــــادة بـعـض الــــدفء إلـــى الــعــالقــة بن البلدين بعد إعالنها رفع القيود املفروضة عـلـى الــتــأشــيــرات عـلـى املــغــاربــة، إال أن قــرار البرملان األوروبي يضع عالقات الرباط ببلد يوصف بالصديق والشريك االستراتيجي، مــجــددًا، عـلـى املــحــك. ومـنـذ وصـــول مـاكـرون
إلـــى اإللــيــزيــه سـنـة ،2017 تــعــرف الـعـالقـات املــغــربــيــة الــفــرنــســيــة تـــذبـــذبـــًا ومـــــدًا وجـــــزرًا، وعـاشـت على وقــع توتر صامت تـحـول إلى حــرب بـــاردة مفتوحة. وكــان العنوان األبــرز لألزمة تأجيل الزيارة الرسمية ملاكرون منذ عام .2020 وتعتبر بــاريــس الــربــاط شـريـكـًا مثاليًا في املجاالت األمنية واالستخبارية والعسكرية، غير أنها ال تنظر بعن الرضى إلى الخطوات التي اتخذها املغرب خالل السنوات املاضية لتنويع شركائه االقتصادين والسياسين والتقليل من تبعيته االقتصادية لها، وكذلك تثبيت أقدامه في أفريقيا جنوب الصحراء. وعــلــى امـــتـــداد الـسـنـتـن املــاضــيــتــن، عـانـت الــعــالقــات بــن الـبـلـديـن الحليفن مــن وطــأة األزمة الصامتة، والتي كان من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين وغياب أي اتــصــال بــن قــيــادة الــبــلــديــن، وحــــدوث فــراغ دبلوماسي منذ سبتمبر/أيلول وأكتوبر/ تشرين األول املاضين، بعد تكليف سفيري باريس والـربـاط (هيلن لوغال ومحمد بن شعبون) بمهام أخرى (عينت باريس نهاية العام املاضي كريستوف لوكورتييه سفيرًا جــــديــــدًا فــــي الـــــربـــــاط). كـــمـــا تــســبــبــت قـضـيـة التجسس في تراجع العالقات بن البلدين، بـــعـــدمـــا اتـــهـــمـــت صـــحـــف فـــرنـــســـيـــة الــــربــــاط فــي يــولــيــو/تــمــوز ،2021 بــاخــتــراق هـواتـف شخصيات مغربية وأجنبية عبر برنامج التجسس اإلسرائيلي «بـيـغـاسـوس»، وهو مـا نفته الحكومة املغربية، ولـجـأت فـي 28 من الشهر ذاته إلى مقاضاة كل من صحيفة «لوموند» وموقع «ميديا بــارت» و«فرانس راديو» بتهمة التشهير. وأكــد الباحث في العالقات الدولية، بوبكر أونـــغـــيـــر، أن الـــعـــالقـــات املــغــربــيــة الـفـرنـسـيـة راســــخــــة، مـــوضـــحـــًا فــــي حـــديـــث لــــ«الـــعـــربـــي الجديد»، أنها تمر بن فترة وأخرى بمرحلة بـرود، لكن عوامل عدة تجعل من املستحيل أن تتأثر بشكل سلبي وجــــذري، مــن بينها وجـــود جـالـيـة مغربية كـبـيـرة مــؤثــرة داخــل فرنسا باإلضافة إلـى دور الـربـاط في حفظ أمــــن واســـتـــقـــرار فــرنــســا، والـــتـــي هـــي شـريـك اقـــتـــصـــادي هــــام لــلــمــغــرب. واعــتــبــر الـبـاحـث أن «الـــقـــطـــيـــعـــة مـــســـتـــبـــعـــدة جــــــــدًا، رغـــــــم أن فرنسا قلقة جــدًا بـل متوجسة مـن التقارب املغربي األمـيـركـي اإلسـرائـيـلـي». وبالنسبة للمستشار البرملاني عن مجموعة «االتحاد الــوطــنــي للشغل بــاملــغــرب»، خــالــد الـسـطـي، فـــإن «خـلـفـيـات تـصـويـت الــبــرملــان األوروبــــي معروفة، وتدخل في باب االبتزاز السياسوي واالقتصادي». واعتبر في حديث لـ«العربي الجديد» أن املغرب مطالب بـ«االستمرار في تنويع شراكاته االقتصادية والتجارية». من جهته، أعرب املحلل السياسي والبرملاني الــســابــق عــــادل بــن حــمــزة، عــن اعــتــقــاده بـأن الــعــالقــات بـــن الـــربـــاط وبـــاريـــس تـتـجـه إلـى قطيعة طويلة األمد على األقل ما دام ماكرون رئيسًا للجمهورية، أو أن األمــر يتطلب من األخــيــر مـراجـعـة جــذريــة ملـنـظـوره للعالقات الثنائية. ولفت إلى أن «ما يجب استحضاره في سلوك فرنسا ونخبها هو عـدم قدرتها عـلـى فـهـم واســتــيــعــاب حـجـم الــتــحــول الـــذي عرفه املغرب».