Al Araby Al Jadeed

أسباب تشدد تركيا حيال انضمام السويد وفنلندا للناتو

مجموعة أهداف داخلية وخارجية تلعب دورًا في التشدد التركي تجاه انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال األطلسي

- إسطنبول ـ جابر عمر

تراكمت مجموعة مـن األحــــدا­ث، كــان آخرها إحراق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية في استوكهولم، لتدفع تركيا لتشديد موقفها الرافض النضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال األطلسي (الناتو)، وتلغي اجتماعات مقررة مع الدولتني. وإن كانت هذه الحادثة تبرر موقف أنقرة الرسمي، إال أن ثمة أسبابًا داخلية وخارجية تقف وراء التشدد التركي، ال سيما مـع دخــول تركيا فترة االنتخابات الـبـرملـا­نـيـة والــرئــا­ســيــة، لـيـتـحـول هـــذا امللف ورقـــة إضـافـيـة تـحـاول األطــــرا­ف املختلفة، ال سيما الحكومة، استغاللها لتقوية مواقفها. وبــــــــ­ــدأت أبــــــــ­رز الـــــتــ­ـــطـــــو­رات الــــتـــ­ـي اســـتـــف­ـــزت الحكومة التركية في 12 يناير/كانون الثاني الـــحـــا­لـــي، حـــني اســـتـــد­عـــت وزارة الــخــارج­ــيــة التركية، السفير السويدي في أنقرة ستافان هـيـرسـتـر­وم وسلمته مــذكــرة احـتـجـاج على خــلــفــي­ــة تــــظــــ­اهــــرات ألنــــصــ­ــار حـــــزب الـــعـــم­ـــال الكردستاني في استوكهولم أساء ت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. تبع الـحـادثـة بـيـوم واحـــد تنظيم تظاهرات أخـــــــر­ى ألنــــصــ­ــار «الــــكـــ­ـردســــتـ­ـــانــــي» مـــنـــاو­ئـــة النــــضــ­ــمــــام الــــســـ­ـويــــد إلــــــى حـــلـــف األطـــلــ­ـســـي، واســـتـــ­غـــلـــت املـــنـــ­اســـبـــة لــــإســـ­ـاءة ألردوغــــ­ــــان. وآخـــــر األحــــــ­ـداث كــــان الــســبــ­ت املــــاضـ­ـــي، حني أحـرق زعيم حزب «الخط املتشدد» اليميني املـــتـــ­طـــرف راســــمــ­ــوس بـــــالــ­ـــودان، نــســخــة مـن القرآن قرب السفارة التركية في استوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة. وبــســبــ­ب األحــــــ­ـداث األخــــيـ­ـــرة، اتـــخـــذ­ت أنــفــرة ســلــســل­ــة إجــــــــ­ـــراء ات، تــمــثــل­ــت بـــإلـــغ­ـــاء زيـــــارة رئيس الـبـرملـا­ن الـسـويـدي أنــدريــا­س نورلني إلـى أنـقـرة، والحقًا إلغاء زيــارة وزيــر الدفاع الــســويـ­ـدي بـــال جــونــســ­ون. تـبـع ذلـــك اإلعـــالن يـــــوم الـــثـــا­لثـــاء املــــاضـ­ـــي عــــن إلــــغـــ­ـاء اجــتــمــ­اع آلــيــة الـتـنـسـي­ـق الـثـالثـي­ـة الــتــي تـجـمـع تركيا والــســوي­ــد وفــنــلــ­نــدا، والــتــي تـبـحـث انـضـمـام األخيرتني للناتو، تنفيذًا التفاق موقع بني الدول الثالث الصيف املاضي. املوقف التركي تبعه ارتــفــاع حــدة ولهجة التصريحات من قـبـل جـمـيـع األطـــــر­اف الـسـيـاسـ­يـة فــي تـركـيـا. ولكن تصريح أردوغان كان أكثر حدة وحمل تهديدًا للسويد على وجـه التحديد، إذ قال فـي كلمة لـه عقب اجتماع للحكومة اإلثنني املــاضــي «إذا كـنـتـم ال تـحـتـرمـو­ن املـعـتـقـ­دات الـديـنـيـ­ة لـتـركـيـا أو املـسـلـمـ­ني، فــال تنتظروا أي دعــــــم فـــــي مـــــا يـــتـــعـ­ــلـــق بـــعـــضـ­ــويـــتــ­ـكـــم فـي الناتو». وقبيل إحــراق نسخة من القرآن في استوكهولم، كانت مجموعة مـن التطورات تعرقل املحادثات بني البلدان الثالثة، منها رفض السويد وفنلندا تسليم مطلوبني من «الـعـمـال الـكـردسـت­ـانـي» وجـمـاعـة «الـخـدمـة» لتركيا، وصـدور قــرارات قضائية تمنع ذلك. يضاف إلى ذلك عدم تنفيذ تعهدات بتقييد عمل التنظيمات التي تتحفظ عليها أنقرة في الدعاية وجمع األموال وتوفير املقاتلني. ومـــــن املــــؤكـ­ـــد أن مـــســـأل­ـــة انـــضـــم­ـــام الــســويـ­ـد وفــــنـــ­ـلــــنـــ­ـدا إلـــــــى حــــلــــ­ف األطـــــل­ـــــســــ­ـي، ومــــوقــ­ــف تركيا منه ومطالبها، تشكل إحــدى األوراق االنــتــخ­ــابــيــة بــيــد حــــزب الـــعـــد­الـــة والـتـنـمـ­يـة الــــحـــ­ـاكــــم، خـــصـــوص­ـــًا أن مـــســـأل­ـــة االنـــضــ­ـمـــام لــلــنــا­تــو تـتـطـلـب مــوافــقـ­ـة الـــبـــر­ملـــان. وتـسـعـى الحكومة للمحافظة على الكتلة الناخبة من املحافظني والقوميني، وترى في هذه املسألة مساحة إلطالق املواقف والتصريحات فيها وتحقيق مزيد من الشعبوية في هذه الفترة الهامة التي تعد مفترق طرق قبل االنتخابات التي تجرى في 14 مايو/أيار املقبل. ولــكــن فـــي تــطــور الفــــت أمــــس، أعــلــنــ­ت وزارة الـــــدفـ­ــــاع الـــفـــن­ـــلـــنــ­ـديـــة عــــن مــنــحــه­ــا تــفــويــ­ضــًا لـتـصـديـر مـــعـــدا­ت عـسـكـريـة إلـــى تــركــيــ­ا بعد تـعـلـيـق تــصــديــ­رهــا مــنــذ خــريــف 2019 على خـلـفـيـة إطـــــالق تــركــيــ­ا عـمـلـيـة عــســكــر­يــة في ســـــوريـ­ــــة. واســــتــ­ــئــــنــ­ــاف تــــراخــ­ــيــــص تــصــديــ­ر املـــعـــ­دات الـعـسـكـر­يـة هــو أحـــد الـــشـــر­وط التي وضــعــتــ­هــا أنـــقـــر­ة إلعـــطـــ­اء الـــضـــو­ء األخــضــر النضمام فنلندا والسويد إلى الناتو. وتـعـلـيـق­ـًا عــلــى هـــذه الـــتـــط­ـــورات، قـــال أســتــاذ الــعــالق­ــات الــدولــي­ــة فــي جـامـعـة قــوجــه إيـلـي، ســمــيــر صـــالـــح­ـــة، لــــ«الـــعـــر­بـــي الــــجـــ­ـديــــد»، إن «التشدد في موقف تركيا مرتبط بإصرارها مــنــذ فــتــرة عــلــى الــســويـ­ـد وفــنــلــ­نــدا بتسريع عملية الحوار والتعامل بإيجابية مع مذكرة الــتــفــ­اهــم الــثــالث­ــيــة والـــبـــ­نـــود الـــــــو­اردة فـيـهـا، ويبدو أن هناك تلكؤًا وتأخرًا بتنفيذها، وهو السبب األساسي ملا أوصـل األمــور للتوتر». وأضــــــا­ف «بــعــدهــ­ا جـــــاء ت الـــتـــظ­ـــاهـــرا­ت أمـــام مبنى الــســفــ­ارة الـتـركـيـ­ة ومــحــاول­ــة اإلســـاءة لـشـخـص الــرئــيـ­ـس أردوغـــــ­ــان، وردود الفعل السويدية بتجاهل مطالب أنقرة، ما أغضب األخيرة، كما كانت هناك مواقف سلبية من القضاء السويدي والقيادات السياسية تجاه مطالب أنقرة بالتظاهرات، ثم جاء ت الحادثة

ألغت تركيا اجتماعًا آللية التنسيق الثالثية

األخيرة (اإلساءة للقرآن)، وكانت القشة التي قصمت ظـهـر البعير فــي الــعــالق­ــات، مــا دفـع أنقرة التخاذ قرار تجميد املفاوضات». ولفت صالحة إلـى أنـه «كانت هناك عملية اصـــطـــف­ـــاف ســيــاســ­ي وشــعــبــ­ي فـــي الـــداخــ­ـل التركي وراء موقف حزب العدالة والتنمية وتـجـمـيـد املـــفـــ­اوضـــات، ألن صــفــوف الحكم واملــعــا­رضــة والــقــيـ­ـادات الـديـنـيـ­ة ومنظمات املجتمع املــدنــي كلها انـتـقـدت مــا جــرى في السويد ودعـت ملواقف تصعيدية ضد هذه األحــــدا­ث». وخـتـم بالقول «الـــدور األميركي مــــــوجـ­ـــــود واملـــــت­ـــــحــــ­ـدث بـــــاســ­ـــم الــــخـــ­ـارجــــيـ­ـــة األمــــيـ­ـــركــــي­ــــة قـــــــال إن واشــــنــ­ــطــــن مــتــمــس­ــكــة بانضمام السويد وفنلندا للناتو، ووصف ما حصل في السويد بعمل تحريضي، وهو ما يعني أن الواليات املتحدة قد تدخل على خـط الـوسـاطـة». ولكنه استبعد أن تنتهي األمـــــو­ر بــســهــو­لــة، «وبـــمـــا أن أنـــقـــر­ة جــمــدت املـــفـــ­اوضـــات فـــهـــذا يــتــطــل­ــب وقـــتـــًا إلــــى حني ظهور مواقف جديدة للحكومة السويدية، فــالــكــ­رة بـمـلـعـب الـــســـو­يـــد». مـــن جــهــتــه، قــال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ«العربي الــجــديـ­ـد»، إن «الــســويـ­ـد وفـنـلـنـد­ا لــم تلتزما بـــاملـــ­طـــالـــب الـــتـــر­كـــيـــة وفـــــق مــــذكـــ­ـرة الــتــفــ­اهــم املــوقــع­ــة، خـصـوصـًا اسـتـوكـهـ­ولـم الـتـي كـان لدى مسؤوليها مواقف وتصريحات تصب في صالح االستجابة للمتطلبات التركية، لكن ما حصل كان كله ضد مطالب أنقرة». ولفت إلى أن «موقف الحكومة بات واضحًا من السويد وفنلندا، وعلى جميع األصعدة، فـهـنـاك اســتــفــ­ادة تـركـيـة مـــن هـــذا املـــوقــ­ـف، ال ســيــمــا عــلــى الــصــعــ­يــد الـــداخــ­ـلـــي»، مـوضـحـًا أن «أي تــقــدم ضـمـن إطـــار تسليم املطلوبني ســـيـــظـ­ــهـــر قــــــوة وصــــحـــ­ـة مــــوقـــ­ـف الـــحـــك­ـــومـــة الـــتـــر­كـــيـــة، كــمــا أن أي رفــــض ملــطــالـ­ـب أنــقــرة ســيــظــه­ــر الـــحـــك­ـــومـــة أيـــضـــًا بــمــظــه­ــر الـــطـــر­ف املــحــق الـــرافــ­ـض النــضــمـ­ـام الــدولــت­ــني للناتو طاملا لم تنفذا ما تعهدتا به».

 ?? (آدم ألتان/فرانس برس) ?? كريسترسون وأردوغان في أنقرة، نوفمبر الماضي
(آدم ألتان/فرانس برس) كريسترسون وأردوغان في أنقرة، نوفمبر الماضي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar