غاز إيران المخنوق
العقوبات على روسيا تعطل مشروعًا حيويًا... وتركيا والعراق في ورطة
تتعرض خطط تطوير حقول الغاز المتهالكة في إيران الختناقات، في ظل العقوبات الغربية الواسعة على روسيا، بينما كانت طهران تنظر إلى موسكو على أنّها طوق نجاة، ما يتسبب في نقص اإلنتاج وعدم تلبيته االستهالك المحلي، ووضع المستوردين وال سيما تركيا والعراق في ورطة
دخل مشروع إيراني بالغ األهمية إلنـتـاج الـغـاز الطبيعي فـي حقل «بارس الجنوبي» مرحلة حرجة، بفعل العقوبات الغربية على روسيا، التي كبلت تحركات طهران لالستعانة بموسكو فــي تـطـويـر مـنـظـومـة الــطــاقــة املـتـهـالـكـة، ما يــضــع الــحــكــومــة اإليـــرانـــيـــة فـــي مــــأزق كبير على الصعيد الخارجي، ال سيما مع تراجع الـــــصـــــادرات الـــتـــي تــضــع مـــســـتـــورديـــن على رأسهم تركيا والعراق في ورطة، وأيضًا على الصعيد الداخلي في ظل تزايد االستهالك خــالل فصل الـشـتـاء، وســط قلق متزايد من انقطاع اإلمدادات. وأصبح قطاع النفط والغاز في إيران يكتوي بفعل العقوبات الغربية على روسيا، وفق نشرة «أويل برايس» األميركية املتخصصة فــــي الــــطــــاقــــة، بــيــنــمــا كـــانـــت طــــهــــران تـنـظـر بأهمية بالغة إلــى الـدعـم الـروسـي للقطاع الــحــيــوي، لـتـعـويـض االنــســحــاب الصيني تفاديًا للصدام مع الـواليـات املتحدة، ومن قــبــلــه رحـــيـــل شـــركـــة تـــوتـــال الــفــرنــســيــة في أعقاب فرض واشنطن عقوبات على طهران عقب انـسـحـاب الـرئـيـس األمـيـركـي السابق دونالد ترامب من االتفاق النووي في .2018 وتواجه إيران وضعًا معقدًا للغاية، وبينما كانت تعتقد أن حاجة أوروبـــا إلــى الطاقة فــي أعــقــاب الــحــرب الــروســيــة فــي أوكــرانــيــا من شأنه أن يكون بمثابة ورقـة ضغط في يدها خالل مفاوضات إعادة إحياء االتفاق الـــــنـــــووي، لـــكـــن تــجــمــيــد املــــفــــاوضــــات ربــمــا وجــد استساغة أميركية ليس فقط لرغبة واشنطن فـي مواصلة الضغط على إيــران التي وضعت رفع العقوبات عن قطاع الطاقة فـــي صـــــدارة مـطـالـبـهـا، وإنـــمـــا أيــضــا لغلق األبـواب الخلفية التي يمكن لروسيا املرور منها إلــى ســوق الطاقة الدولية وذلــك عبر توريد الغاز إلى إيـران ومن ثم إعـادة بيعه إلـى األســـواق العاملية على أنـه غـاز إيراني. وأدخـــلـــت الــعــقــوبــات األمــيــركــيــة املـسـتـمـرة على إيران منذ سنوات قطاع النفط والغاز فـي طــور التهالك، وأضـحـى بحاجة ماسة لـلـتـحـديـث والــتــطــويــر واســـتـــقـــدام تـقـنـيـات حديثة، ما دفـع الشركة الوطنية اإليرانية للنفط، منتصف العام املاضي، إلى توقيع مذكرة تفاهم مع شركة «غازبروم» الروسية لــتــطــويــر 3 حـــقـــول غــــاز إيـــرانـــيـــة و6 أخـــرى للنفط بقيمة 40 مليار دوالر. وتأتي الصفقة ضمن سلسلة حلول عاجلة تبحث عنها طهران، حيث حذر وزير النفط جـواد أوجـي من تحول بـالده إلى مستورد للمنتجات النفطية والغازية في حال عدم استقطابها 240 مليار دوالر خالل األعوام الـ8 املقبلة لالستثمار في القطاع. لكن الخطط اإليرانية الروسية تتعرقل إلى حد كبير، إذ لم يكن من املفترض أن تسير األمــور على هـذا النحو، وفـق تقرير «أويـل بــــرايــــس»، مــشــيــرة إلــــى أن مــوســكــو كــانــت تعتقد أنها ستضمن السيطرة سريعًا على أوكــرانــيــا فــي أعــقــاب بـــدء الــغــزو فــي نهاية فبراير/ شباط ،2022 لكنها أضحت عالقة في حرب استنزاف كارثية وتواجه عقوبات واسعة طاولت منابع النفط والـغـاز فيها، وبـالـتـالـي لــم يـعـد بـإمـكـان إيــــران أن تحقق أي تقدم ذي مغزى في مشروع املرحلة الـ11 الرئيسية في حقل بارس الجنوبي. وفقا ملسؤول رفيع في صناعة النفط والغاز يعمل عـن كثب مـع وزارة النفط اإليـرانـيـة، شهد األسبوع املاضي سلسلة اجتماعات بـني مسؤولني رفيعي املستوى مـن جميع الـــــوزارات والــشــركــات ذات الصلة املرتبطة بـــاملـــشـــروع مـــن أجــــل وضــــع تــقــريــر مـرحـلـي لــلــنــظــر فــيــه مـــن قــبــل املـــرشـــد األعـــلـــى علي خامنئي وفريقه. ولهذا الحقل أهمية بالغة بالنسبة إليــــران، إذ يحتوي على مـا يقدر 14.2ـب تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز. وحسب بيانات شركة النفط الوطنية اإليرانية، فــإن حجم احتياطيات إيــران من الغاز الطبيعي يبلغ أكثر من 33.7 تريليون متر مكعب، وحجم االحتياطيات النفطية يــصــل إلــــى نــحــو 157 مــلــيــار بــرمــيــل، فيما اسـتـخـرجـت خـــالل الـسـنـوات الـــــ32 املاضية تـريـلـيـونـي مـتـر مكعب مــن الــغــاز مــن حقل بــــارس الــجــنــوبــي. وتــعــرضــت خـطـط إيـــران لـتـطـويـر إنـــتـــاج الـــغـــاز مـــن الــحــقــل الـضـخـم لـلـعـديـد مــن الــضــربــات، فبينما كـــان هناك تــدافــع مــن شــركــات النفط الـدولـيـة لتوقيع اتفاقيات ملراحل مختلفة من تطوير بارس الجنوبي، بعد توقيع إيران االتفاق النووي فـي ،2015 لتحظى املرحلة الــــ11 الرئيسية باهتمام بالغ من الشركات، إذ كانت الطاقة اإلنـــتـــاجـــيـــة املــســتــهــدفــة لـــهـــذه املـــرحـــلـــة 57 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا. وبالفعل امتلكت شركة توتال الفرنسية آنذاك حصة %50.1 في مشروع هذه املرحلة بقيمة 4.8 مـلـيـارات دوالر، واستثمرت حـوالـي مليار دوالر، لكن كل ذلك توقف عندما انسحبت الـــواليـــات املـتـحـدة مــن االتــفــاق الــنــووي في مايو/ أيـار 2018 وأعــادت فرض العقوبات عــلــى إيــــــران. فـــي تــلــك املـــرحـــلـــة، اســتــحــوذت شركة البترول الوطنية الصينية «سي إن بي سي» على حصة توتال، لترتفع حصتها إلى نحو ،%80.1 إذ كانت تسيطر باألساس قبل هذه الصفقة على %30 من هذه املرحلة، فيما امتلكت شركة «بترو بارس» اإليرانية الحصة املتبقية البالغة .%19.9 ولسوء الحظ بالنسبة إليـــران، شهد 2018 انـدالع حرب تجارية بني الواليات املتحدة
والـــــــصـــــــني، فــــــي أعــــــقــــــاب فـــــــرض واشـــنـــطـــن رسومًا جمركية بنسبة حــادة على الكثير مــن الـبـضـائـع الصينية، مــا دفـــع بـكـني إلـى الــتــركــيــز عــلــى تــعــديــل خــريــطــة اهـتـمـامـهـا باملشروعات الخارجية، ال سيما تلك التي قد تكون مثار صــدام إضافي مع الواليات املتحدة، ما دعاها إلى إعالن انسحابها من تطوير املرحلة 11 من بـارس الجنوبي في أكتوبر/ تشرين األول .2019 ومــــــن الــــعــــوامــــل الــــتــــي دفــــعــــت الــــصــــني إلـــى االنسحاب من مشروع الغاز اإليراني أنها ال تستطيع «إعـادة تسمية» الغاز اإليراني من جنوب بـارس بأنه غاز عراقي، كما هو الحال بالنسبة للكثير من وارداتها النفطية اإليرانية، وفق نشرة «أويـل برايس». وعاد األمـل إلـى اإليرانيني باستئناف العمل في املشروع مجددًا عبر داعمني آخرين، والذين كانوا هذه املرة هم الروس، إذ وقعت شركة النفط الوطنية اإليرانية في يوليو/ تموز املــــاضــــي، مـــذكـــرة تــفــاهــم بـقـيـمـة 40 مـلـيـار دوالر مع شركة غازبروم الروسية لتطوير حــقــول نــفــط وغــــاز عــــدة مـنـهـا حــقــل بـــارس
«غازبروم» تتفق مع إيران على تطوير حقول نفط وغاز بقيمة 40 مليار دوالر